مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
( فرع : ) قال في الذخيرة عن ابن يونس : إذا قلت : خطه بدرهم ، وقال بدرهمين ، فخاطه ، فليس له إلا درهم قاله ابن القاسم ; لأنك أعلمته بما ترضى به ، وكذلك قول ساكن الدار انتهى .

وفي النوادر عن مالك من رواية ابن المواز : من دفع ثوبا لخياط ، فقال : لا أخيطه إلا بدرهمين ، وقال ربه : لا أخيطه إلا بدرهم ، وجعله عنده ، فخاطه ليس له إلا درهم قال : ومن سكن منزلا ، فقال له ربه : بدينارين في السنة ، وقال الساكن : لا أعطي إلا دينارا وإلا خرجت إن لم ترض ، فسكن ، ولم يجبه بشيء حتى تمت السنة قال : لا يلزمه إلا دينار انتهى .

ومسألة الخياط : لا تشبه مسألة كراء المنزل ; لأن رب الثوب لم يتول استيفاء المنفعة بنفسه ، فلذلك لم يفرقوا فيها بين تقدم قول الخياط ، وقول صاحب الثوب بخلاف المنزل ، فإن المستأجر تولى استيفاء المنفعة بنفسه مع علم رب المنزل بذلك ، ففرقوا في ذلك بين تقدم قول الساكن وتأخر قوله عن قول صاحب المنزل قاله ابن رشد في نوازل سحنون من جامع البيوع ، وذكر فيه أيضا أن حكم ما أتلفه المشتري من السلع بحضرة ربه حكم ما ذكر من استيفاء المستأجر للمنفعة مع علم رب المنزل بذلك أنه يلزم من قوليهما الآخر ، وقد تكلم على هذه المسألة بكلام جيد ، وفرق فيه بين مسألة نوازل سحنون ومسألة سماع عيسى من كراء الدور وغيرهما من الروايات ، فانظره والله أعلم .

( تنبيه ثان ) علم من تشبيه الأجرة بالثمن أنه يشترط فيها أن تكون معلومة الجملة والتفصيل أو التفصيل دون الجملة ; لأن المذهب جواز ذلك في البيع ، وقيل : لا يجوز ، وقيل : بالكراهة على ما تقدم في البيع ونقل القول بالمنع في التوضيح عن خارج المذهب ، ونقله ابن عرفة عن ابن أبي مسلمة وسحنون ، فعلى هذا لا تمتنع حراسة الأندر كل إردب مثلا بقدح ; لأنه معلوم التفصيل مجهول الجملة ما لم يقترن بذلك ما يفسده من أعمال مجهولة ونحو ذلك ، وقد ذكر البرزلي في أوائل مسائل الجعل والإجارة أن ابن أبي زيد سئل عن حراس الزرع والزيتون ليلا ونهارا بالضمان ، أو بغيره على أن كل قفيز عليه مدين أو ثلاثة ، وهل يلزمهم تفريغ الشباك والأحمال أم لا ؟ فقال : أما استئجارهم لكل قفيز مدان ، فجائز ، فإن شرطوا تفريغ الشباك ونزول الأحمال ، فيلزم ، وشرط الضمان عليهم لا يلزم ، وله أجرة مثله ممن لا ضمان عليه البرزلي يجري على شرط ضمان ما لا يضمن في الإجارات والعواري ، وفيه خلاف والمشهور ما قاله ، وقوله : كل قفيز بمدين جائز معناه إذا عرف صفتهما كما قال : ويتوصل إلى معرفته بفرك سنبله ، ولا يراعى كثرة الأقفزة من قلتها ; لأنه مأخوذ من كل قفيز ، فهو مجهول الجملة معلوم التفصيل ، وهو جار على المذهب أيضا من جواز بيع الحنطة في سنبلها ، وفي الذخيرة عن الأبهري ما يقتضي المنع قال الأبهري يمتنع حمل الزرع على أن له في كل مائة إردب تخرج عشرة أرادب ; إذ لا يدري كم إردبا يخرج ؟ وتجوز بالقتة ; لأنها تحزر ، ولعل هذا على القول بعدم جواز ذلك البيع ، وهذا هو الظاهر والله أعلم .

وسئل أيضا عن حراستهم الأندر كلها بأقفزة معلومة ، ومنهم من يصيب ألفا ومائة قفيز ، أو أقل أو أكثر هل هو على قدر الرءوس أو الصابة ؟ فأجاب : استئجارهم الأندر بأقفزة معلومة إن كان قبل حصوله في الأندر ورؤيته ، فلا يجوز وبعد رؤيته وحصوله ، فجائز ، ويكون مفضوضا على قدر الصابة ، ووقع لسحنون أنه على الرءوس والأول : أحب إلي قال البرزلي : وهذه إحدى المسائل التي اختلف فيها ، هل هي على قدر الأنصباء ، أو على الرءوس ؟ انتهى . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية