مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( بمنفعة )

ش : يتعلق بقوله صحت الإجارة قال الشيخ بهرام الباء سببية ، وقال البساطي للاستعانة ، والظاهر الأول : قال ابن عرفة : المنفعة ما لا تمكن الإشارة إليه حسا دون إقامة يمكن استيفاؤه غير جزء مما أضيف إليه انتهى .

( فرع : ) قال اللخمي في كتاب الشركة في شركة [ ص: 422 ] الأبدان : اختلف فيمن استأجر أجيرا ليأتيه بالغلة فأجيز ومنع انتهى .

ومذهب المدونة المنع نص على ذلك في كتاب الجعل والإجارة منهما .

ص ( تتقوم ) ش في كثير من النسخ بضم التاء الأولى وفتح الثانية ، والظاهر فتحهما معا ، والمعنى : أن لها قيمة واحترز به من التافه الحقير الذي لا يجوز مقابلته بالمال في نظر الشرع البساطي كاستئجار نار ليوقد منها سراجا ، وقد اختلف في جواز الإجارة ومنعها في فروع نظرا إلى أن المنفعة فيها متقومة أم لا منها إجارة المصحف للقراءة فيه ، وإجارة الأشجار لتجفيف الثياب عليها على ما ذكره ابن الحاجب وابن شاس ومشى المصنف فيهما على الجواز ، فقول الشارحين هنا احترز به من إجارة الأشجار لتجفيف الثياب عليها غير ظاهر والله أعلم .

ص ( قدر على تسليمها )

ش : قال القرافي : احترز من استئجار الأخرس للكلام والأعمى للإبصار وأرض الزراعة لا ماء لها قطعا ، ولا غالبا ، وقاله الأئمة ، ومن فروع ذلك استئجار أرض الزراعة ، وماؤها غامر أي : كثير وانكشافه نادر ، ومذهب المدونة : الجواز إذا لم ينقد ، وعليه مشى المصنف كما سيأتي فهو راجع لهذا القيد ( تنبيهان :

الأول : ) من فروع هذا القيد كراء المشاع قال في المدونة : يجوز كراء المشاع كنصف عبد أو دابة قال اللخمي : وإذا أكرى رجل من رجل نصف عبده أو دابته ، أو داره جاز ذلك ، ثم هما في العبد والدابة بالخيار بين أن يقتسما المنافع يوما بيوم ، أو يومين بيومين فيستعمله المستأجر في الأيام التي تصير إليه فيستخدم العبد ، ويركب الدابة ، وإن شاء آجره من غيره ، وإن شاء أن يؤاجر ذلك من أجنبي ، ويقتسما الأجرة ، وإن لم يكن العبد من عبيد الخدمة ، وكانت له صنعة لا يمكن تبعيضها ترك لصنعته واقتسما خراجه ، وأما الدار ، فإن كانت تنقسم قسمت منافعها ، وسكن المكتري فيما يصير إليه ، أو أكراه ، وإن كانت لا تحمل القسم أكريت واقتسما كراءها إلا أن يحب أحدهما أن يأخذها بما يقف عليه كراؤها ، وإن كان العبد أو الدابة ، أو الدار شركة فأكرى أحدهما نصيبه بإذن شريكه جاز ، وعاد الجواب في قسمة منافعه إلى ما تقدم إذا كان جميعه لواحد .

فإن أكرى ذلك بغير إذن شريكه ، فلم يجز ودعا إلى البيع كان له ذلك في العبد [ ص: 423 ] والدابة والدار إذا لم تنقسم ، وإن لم يدع إلى البيع ، ورضي ببقاء الشركة لم يكن له رد الكراء ، وإن كانت الدار تنقسم ودعا الشريك إلى قسمة المنافع كان ذلك له وقسمت بالقرعة فما صار للمكري أخذه المكتري ، وإن أراد المكري أن يقسم بالتراضي كان للمكتري منعه من ذلك ، وإن دعا الشريك إلى قسم الرقاب كان له ذلك ، ومن حق المكتري أن يقسم بالقرعة فما صار للمكري كان حق المكتري فيه ، وإن اعتدلت قسمة المنافع مع قسمة الرقاب كان ذلك للمكتري ، فإن كان الذي صار للمكري أقل من النصف بما لا ضرر على المكتري فيه حطه من الكراء بقدره ، وإن صار له أكثر ، وأمكن أن يميز ذلك القدر الزائد فعل ، وانتفع به المكري ، وإن كان لا يتميز ، ولا يصاب فيه مسكن بانفراده بقي للمكتري ، ولا شيء عليه فيه ; لأنه يقول : كنت في مندوحة عنه ، ولا حاجة لي فيه انتهى .

( الثاني : ) لم يذكر المؤلف من شروط المنفعة أن تكون مملوكة ، وكذا ابن شاس وابن الحاجب ، وذكره القرافي ، وقال احترازا من الأوقاف والربط ومواضع الجلوس من المساجد والطرقات والمدارس وغير ذلك ; لأن المملوك في هذه الأمور كلها الانتفاع دون المنفعة ( فرع : ) يتفرع على هذا الشرط كراء دور مكة ونقل في المقدمات عن مالك فيها أربع روايات : الجواز والمنع والكراهة في أيام الموسم ، ولا خلاف عن مالك وأصحابه أنها فتحت عنوة وانظر الكلام على هذه المسألة مشبعا في حاشيتي على المناسك قال القرافي تنبيه : مقتضى هذه المباحث أن يحرم كراء دور مصر وأرضها ; لأن مالكا صرح في المدونة وغيرها أنها فتحت عنوة ويلزم على ذلك تخطئة القضاة في إثبات الأملاك وعقود الإجارات والقاعدة المتفق عليها أن مسائل الخلاف إذا اتصل ببعضها قضاء حاكم تعين ذلك القول وارتفع الخلاف ، فإذا قضى حاكم بثبوت ملك أرض العنوة ثبت الملك وارتفع الخلاف وتعين ما حكم به الحاكم ، وهذا التقرير يطرد في مكة ومصر وغيرهما انتهى .

ص ( ولو مصحفا )

ش : قال في المدونة : وتجوز إجارة المصحف لجواز بيعه ، وأجاز بيعه كثير من التابعين قال ابن عباس : ما لم يجعله متجرا ، أما ما عملته بيدك فجائز ، وتجوز الإجارة على كتابته انتهى .

أبو الحسن انظر قول ابن عباس ما لم يجعله متجرا ، هل فلا يجوز أو يكره ؟ انتهى .

والله أعلم .

ص ( وأرضا غمر ماؤها وندر انكشافه )

ش : هذه المسألة في كراء الدور والأرضين من المدونة ونصها : ومن اكتريت منه أرضه الغرقة بكذا إن انكشف عنها الماء ، وإلا فلا كراء بينكما جاز إذا لم تنقد ، ولا يجوز النقد إلا أن يوقن بانكشافها قال غيره : إن خيف أن لا ينكشف لم يجز ، وإن لم ينقد أبو الحسن انظره قال في التوضيح قال صاحب المقدمات : تحصيل مذهب ابن القاسم جواز العقد كانت الأرض أرض مطر ، أو نيل أو غيرهما مأمونة ، أو غير مأمونة ، وأما بالنسبة إلى جواز النقد ووجوبه فما كان من الأرض مأمونا كأرض النيل والمطر المأمونة وأرض السقي بالعيون الثابتة والآبار المعينة فالنقد فيها للأعوام الكثيرة جائز ، وما كان منها غير مأمون فلا يجوز النقد فيه إلا بعد أن تروى ، ويتمكن من الحرث كانت من أرض النيل أو المطر ، أو السقي بالعيون والآبار ، وأما وجوب النقد فيجب عنده في أرض النيل إذا رويت ; إذ لا يحتاج إلى غير ذلك ، وأما غيرها فلا يجب فيها النقد حتى يتم الزرع ويستغنى عن الماء انتهى .

ص ( وشجر لتجفيف الملابس عليها على الأحسن )

ش : الأحسن هو اختيار ابن عبد السلام من القولين اللذين ذكر ابن الحاجب ، وقال ابن عرفة : تبع ابن الحاجب ابن شاس في حكاية القولين وقبله شارحوه ، ولا أعرف القول بالمنع ومقتضى المذهب : الجواز كإجارة مصب مرحاض وحائط لحمل خشب انتهى .

ص ( لا لأخذ ثمرته )

ش : أي الشجر ، وهذا راجع إلى قوله بلا استيفاء عين [ ص: 424 ] قصدا .

ص ( أو شاة للبنها )

ش : يصح أن يقرأ بالجر عطفا على مقدر في قوله : لا لأخذ ثمرته أي لا شجر لأخذ ثمرته ، ولا شاة لأخذ لبنها ، فيكون من الممنوع ، ويصح أن يقرأ بالنصب عطفا على قوله : وشجرا ، ويكون من الجائز ، وعلى كل تقدير فلا بد من عناية في كلامه ; لأنا إن جعلناه ممنوعا نقول : إلا بشروط يأتي ذكرها يريد ، وكذا إذا جعلناه جائزا فتأمله والله أعلم .

والشروط أن تكون الغنم كثيرة كالعشرة ونحوها ، وأن يكون في الإبان ، وأن يعرفا وجه حلابها ، وأن يكون إلى أجل لا ينقضي اللبن قبله ، وأن يشرع في أخذ ذلك يومه ، أو إلى أيام يسيرة ، وأن يسلم إلى ربها لا إلى غيره هذا إذا كان جزافا ، فإن كان على الكيل أسقطت الشرط الأول ، فقط قاله في التوضيح والمسألة في كتاب التجارة إلى أرض الحرب ، وكلام أبي الحسن فيها مبسوط ، ولا يقال قوله : شاة بالإفراد ينافي الأول ; لأن المراد جنس الشاة والله أعلم .

ص ( ولا تعليم غناء )

ش : هو ، وما بعده إلى قوله ، ولا متعين راجع لقوله ، ولا حظر والحظر المنع قال الأبي في شرح مسلم في كتاب البيع في حديث مهر البغي وحلوان الكاهن ، ولا خلاف في حرمة مهر البغي ، ولا خلاف في حرمة أجرة المغنية والنائحة ، ولا خلاف في حرمة ما يأخذه الكاهن قال الأبي ، وكذلك لا يحل ما يأخذه الذي يكتب البراءات لرد التليفة ; لأنه من السحر ، وسئل شيخنا يعني ابن عرفة عمن ذهبت له حوائج فقرأ في دقيق وأخذ يطعمه أناسا اتهمهم ، وكانت فيهم امرأة حامل فقالت إن أطعمتموني فأنا أموت فأطعموها منه فماتت فأجاب بأنه ليس عليه إلا الأدب ، وأما ما يؤخذ على حد المعقود ، فإن كان يرقيه بالرقى العربية جاز ، وإن كان بالرقى العجمية لم يجز ، وفيه خلاف ، وكان الشيخ يقول : إن تكرر منه النفع بذلك جاز انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية