مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( وفي تمكين الدعوى لغائب بلا وكالة تردد )

ش : أشار بالتردد إلى الخلاف في الطرق التي ذكرها في التوضيح وذكرها ابن عرفة وغيره ا هـ ( تنبيه ) هذا الخلاف في الدعوى ممن لا تعلق له بالشيء المدعى فيه بإذن من صاحبه أو بغير إذنه أو من له فيه تعليق لاستيفاء حقه منه فهل له المطالبة بذلك أم لا ؟ لم أر في ذلك كلاما شافيا والذي تقتضيه نصوص المذهب الآتي ذكرها أن تلخص قاعدة من ذلك وتجعل المسألة على ثلاثة أوجه وهي أن هذا المدعي إن تعلق به الشيء المدعى فيه ودخل في ضمانه وهو مطالب به فله المخاصمة فيه والدعوى وإثبات ملك الغائب وتسلمه وإن لم يكن في ضمانه فإما أن يريد أن يستوفي من ذلك المدعى فيه شيئا له في ذمة المالك الغائب أم لا فإن كان الأول جاز له أن يدعي ويثبت ملك الغائب أيضا وإلا لم يمكن من الدعوى فمن القسم الأول الغاصب إذا غصبه غاصب آخر والمستعير إذا كان الشيء مما يغاب عليه والمرتهن كذلك والحميل كذلك قال في نوازل سحنون من كتاب الغصب سئل سحنون عن رجل من العمال أكره رجلا أن يدخل بيت رجل يخرج منه متاعه يدفعه إليه فأخرج له ما أمره به فدفعه إليه ثم عزل ذلك [ ص: 147 ] العامل الغاصب ثم أتى المغصوب منه المتاع فطلب ما غصب فهل يكون له أن يأخذ بماله من شاء منهما إن شاء من الآمر وإن شاء من المأمور ، فقال : نعم له أن يأخذ بماله من شاء منهما قيل له فإن أخذ ماله من الذي أكره على الدخول هل يرجع هذا الذي غرم على العامل الذي أكرهه على الدخول ، فقال : نعم . قيل له : فإن عزل الأمير الغاصب وغاب المغصوب منه المتاع فقام هذا المكروه على الدخول في بيت الرجل على الأمير الغاصب لهذا المتاع ليغرمه إياه ويقول أنا المأخوذ به إذا جاء صاحبه هل يعدى عليه ، قال : نعم ، قال محمد بن رشد : هذا كما قال ; لأن الإكراه على الأفعال التي يتعلق بها حق لمخلوق كالقتل والغصب لا يصح بإجماع ، وإنما يصح فيما لا يتعلق به حق لمخلوق من الأقوال باتفاق ومن الأفعال على اختلاف وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق وأما قوله بأنه يقضي للمكره على الدخول في بيت الرجل العامل بالمال ; لأنه هو المأخوذ به ففيه نظر والذي يوجبه النظر أن يقضي له بتغريمه إياه ولا يمكن منه ويوقف لصاحبه ، انتهى . ونقله في التوضيح وقبله ، وكذلك ابن عرفة لكن قال إثره ( قلت ) الأظهر تمكينه منه ; لأنه لو هلك في الوقت لضمنه ; لأنه على حكم الغصب باق ، انتهى . وأما قوله إن الإكراه على الأفعال التي يتعلق بها حق لمخلوق كالغصب والقتل لا يصح بإجماع فليس كذلك بل فيه الخلاف حسبما نقله في التوضيح وابن عرفة وغيره وقالوا أيضا في باب الحمالة إذا أراد الحميل أخذ الحق بعد محله والطالب غائب وقال : أخاف أن يفلس وهو ممن يخاف عدمه قبل قدوم الطالب أو لا يخاف إلا أنه كثير اللدد والمطل مكن من ذلك فإن كان الحميل أمينا أقر عنده وإلا أردع لبراءة الحميل والغريم ، انتهى . من الذخيرة وذكره أبو الحسن عن عبد الحق وغيره . ومن القسم الثاني المرتهن يثبت ملك الراهن ليبيعه ويستوفي منه حقه ، وزوجة الغائب وغرماؤه يثبتون ماله ليباع لهم ويستوفون حقهم ، قال ابن رشد : الذي جرى به العمل أن القاضي لا يحكم للمرتهن ببيع الرهن حتى يثبت عنده الدين والرهن وملك الراهن له ويحلفه مع ذلك أنه ما وهب دينه ولا قبضه ولا أحال به وأنه لباق عليه إلى حين قيامه ، انتهى . وقال في التوضيح في باب النفقات : وإن كان للزوج ودائع وديون فرض للزوجة نفقتها في ذلك ولها أن تقيم البينة على من جحد من غرمائه أن لزوجها عليهم دينا ويقضى عليهم بنفقتها ، ثم قال : واعلم أن الحاكم لا يبيع الدار حتى يكلف المرأة إثبات ملكية الزوج لها وتشهد البينة بأن الدار لم تخرج عن ملكه في علمهم ، انتهى . وقال في التوضيح في شرح مسألة : من ادعي عليه في شيء بيده ، فقال : هو لفلان الغائب عن المازري ما نصه : فإن زعم المدعى عليه أن الدار رهن في يديه فالتحقيق يقتضي أن يمكن من إقامة البينة أنها للغائب حينئذ ، انتهى . وقال في كتاب الرهون من المدونة : وأما ما يغاب عليه فالمرتهن يضمنه إلا أن يقيم بينة على هلاكه من غير سببه وإنما هو بأمر من الله أو بتعدي أجنبي فذلك من الراهن وله طلب الجاني ، وقال أبو الحسن : وإنما لم يقل لهما ; لأن الراهن أرجح ; لأن الملك له وأما المرتهن فليس له إلا الوثيقة فإذا لم يطلبه الراهن كان للمرتهن طلبه بحق وثيقة ، انتهى . وقال في أواخر باب الإجارة من الجواهر فيما إذا غصبت الدار المستأجرة : ولو أقر المكري للغاصب بالرقبة قبل إقراره في الرقبة ولا يفوت حق المنفعة تبعا على المستأجر بل له مخاصمة الغاصب لأجل حقه في المنفعة ، انتهى . ومن القسم الثالث المودع والوكيل على شيء مخصوص ونحو ذلك ، قال في الذخيرة في كتاب الوديعة الفرع الثامن ، قال صاحب الإشراق : إذا سرقت الوديعة ليس للمودع مخاصمة السارق إلا بتوكيل منك وقال أبو حنيفة : له ذلك بناء على أن الخصومة في الأملاك للملاك ومن ليس مالكا فلا خصومة له [ ص: 148 ] انتهى . وفي نوازل عيسى من كتاب البضائع والوكالات في شرح المسألة الثانية ، قال محمد بن رشد إذا وكل الوكيل على طلب آبق فأدركه في يد مشتر أنه لا يمكن من إيقاع البينة على أنه للذي وكله حتى يقيم البينة أنه وكله على الخصومة فيه وهو صحيح على ما تقدم في المسألة التي قبلها أنه ليس للوكيل أن يتعدى ما وكل عليه ويتجاوزه إلى غيره ، انتهى . وقال في التوضيح في شرح المسألة المتقدمة وهي مسألة من ادعى عليه رجل في شيء بيده ، فقال : هو لفلان الغائب فنقل الكلام المتقدم عن المازري ونصه : ولو أراد من بيده الدار أن يقيم بينة بملك الغائب يعارض بها بينة المدعي ولم تثبت له وكالة تبيح المدافعة ففي تمكينه من ذلك خلاف للعلماء ، انتهى . وقال في كتاب الغصب من المدونة : ومن بيده وديعة أو عارية أو إجارة وربها غائب فادعاها رجل وأقام البينة أنها له فليقض له بها ; لأن الغائب يقضى عليه بعد الاستيناء إلا أن يكون ربها بموضع قريب فيتلوم له القاضي ويأمر أن يكتب إليه حتى يقدم ، انتهى . فلم يجعل لمن بيده الوديعة والعارية ولا المستأجر المخاصمة بل قضى بذلك على الغائب الذي أقام البينة أن ذلك له ، وقال في أكرية الدور من تبصرة اللخمي : وإن هدم الدار أجنبي سقط مقال المكتري في ذلك الكراء ; لأن المنافع في ضمان المكري حتى يقبضها المكتري ويكون صاحب الدار بالخيار بين أن يغرم الهادم قيمتها على أن لا كراء فيها أو يغرمه قيمتها مستثناة المنافع سنة ويأخذه بالمسمى الذي أكرى به ; لأنه دين كان له على المكتري أبطله له بهدمه لتلك الدار ، انتهى . فجعل المتكلم في ذلك لمالك الدار ولم يجعله لمالك المنافع وهو المكتري ; لأنه ليس له شيء في ذمة المكري يستوفيه منها لسقوط ذلك عنه بالهدم لكون المنافع في ضمان المكري حتى يستوفيها المكتري

التالي السابق


الخدمات العلمية