مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( وكره بعد فجر وفرض عصر إلى أن ترتفع قيد رمح وتصلى المغرب إلا ركعتي الفجر والورد قبل الفرض لنائم عنه وجنازة وسجود تلاوة قبل إسفار واصفرار ) .

ش لما ذكر الأوقات التي تحرم فيها النافلة شرع يذكر الأوقات التي تكره فيها النافلة فذكر أن النفل يكره في وقتين : الأول منهما بعد طلوع الفجر ويريد الفجر الصادق إلى أن تطلع الشمس وترتفع عن الأفق قيد رمح أي قدر رمح والقيد بكسر القاف وسكون المثناة التحتية بمعنى القدر . والوقت الثاني بعد إيقاع صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس وتصلى المغرب فقوله إلى أن ترتفع قيد رمح راجع إلى قوله بعد فجر وقوله وتصلى المغرب راجع إلى قوله فرض عصر ففي كلامه لف ونشر مرتب فعلم منه أن النافلة تكره بعد طلوع الفجر الصادق إلى وقت طلوع الشمس فتحرم حينئذ فإذا طلعت الشمس زال التحريم وعادت الكراهة إلى أن ترتفع قيد رمح وقوله قيد رمح قال الأقفهسي من رماح العرب انتهى .

وقاله اللخمي وما ذكره المصنف من كراهة النافلة بعد الفجر إلا ما استثناه هو المشهور قال الشارح ونقل ابن يونس جواز ركعتين قبل ركعتي الفجر ، وقيل : تجوز النافلة ما لم تطل انتهى .

أما القول الأول الذي ذكره عن ابن يونس فيشير به إلى ما نقله عن الشيخ أبي الحسن أنه كان إذا دخل المسجد بعد الفجر يركع أربع ركعات ركعتي الفجر وركعتي تحية المسجد ونقل عن أبي عمران أنه كان يضعف رأي أبي الحسن وقال ابن يونس قبل ذلك قال مالك في كتاب ابن المواز إن الناس لينكرون التنفل بعد الفجر وما هو بالضيق جدا وقال ابن حبيب من السنة كراهية الصلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر انتهى من كتاب الصلاة .

( الثاني ) في باب ركعتي الفجر وفي الإكمال وقد جاء عنه - يعني مالكا - وعن غيره من أصحابه أنه لا بأس أن يصلي بعد الفجر قدر ست ركعات قالوا : وما خف ، وإنما يكره ما كثر من ذلك خيفة أن يؤخر الصبح بسبب تطويل النفل وتكثيره حينئذ وأجاز غيره التنفل ما لم تصل الصبح انتهى . ونقله ابن عرفة عن اللخمي ونص كلام اللخمي : ولا بأس بالتنفل بعد غروب الشمس إلى أن تقام الصلاة ، وكذلك بعد طلوع الفجر إلى أن تقام الصلاة أيضا انتهى .

( فرع ) [ ص: 417 ] ونقل بعضهم عن القلشاني شارح الرسالة في شرح قوله فيها : ولا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر يريد والأوترة وحزبه الذي غلبته عيناه عنه ، أو خسوف قمر وسجود التلاوة قال ابن عبد السلام وروي جواز ما قل من النافلة كأربع وست وقال اللخمي لا بأس بالنفل بعد الفجر إلى إقامة الصلاة ولعله لم يثبت عنده الحديث بالنهي انتهى .

ونقل الجزولي في صلاة خسوف القمر بعد الفجر قولين واقتصر صاحب الذخيرة على أنها لا تصلى بعد الفجر والله - تعالى - أعلم . وقال في الإرشاد والنائم عن ورده إن أصبح لانتظار الجماعة صلاه وإلا بادر إلى فرضه قال الشيخ زروق في شرحه أما النائم عن ورده فلنص الحديث فيه وظاهر الرسالة خلاف ما هنا من اعتبار الجماعة إذ قال : فله أن يصليه ما بينه وبين طلوع الفجر وأول الإسفار وما ذكره هنا أوجه ; لأن صلاة الجماعة أهم من ألف ألف نافلة لكنني لم أقف عليه في غير هذا الموضع قالوا : ولا ينبغي لأحد أن يتعمد حزبه بعد طلوع الفجر إنما سومح في ذلك لمن غلبته عيناه عنه انتهى .

وقد صرح في التوضيح بأن المؤخر لذلك عمدا لا يصليه على المشهور وصرح الجزولي في شرح الرسالة بأنه يصليه ما لم يخف فوات الجماعة وقال في قول الرسالة " ومن غلبته عيناه " : الغلبة شرط فلا يجوز التأخير اختيارا ، وشرط ذلك أن يكون من عادته الانتباه آخر الليل وله ورد ، وهذا أيضا إذا كان وحده وإلا ففضل الجماعة مقدم على ورده كما أن ورده مقدم على أول الوقت ، ونص على اعتبار الجماعة صاحب الإرشاد وغيره وظاهر كلام البرادعي أن العامد كالمغلوب وقد اعترض عليه في ذلك ; لأن مالكا لم يقل ذلك إلا فيمن غلبته عيناه ، ونقل ابن عرفة لفظ البرادعي ولم يتعقبه .

( تنبيه ) قال الأبي في شرح مسلم قال النووي أجمعت الأمة على كراهة التنفل في هذين الوقتين لغير سبب .

( قلت : ) عبر بالكراهة وعبر غيره من متأخري الشيوخ بالمنع ابن حارث والاتفاق على المنع إنما هو في غير أسير قرب للقتل بعد العصر فإنه اختلف في ركعتيه حينئذ فروى الوليد بن مسلم عن مالك الجواز وروى عنه ابن نافع المنع وسمع ابن القاسم من ذكر بعد ركعة من العصر أنه صلاها شفعها ; لأنه لم يتعمد نفلا ابن رشد : لأن المنع من النفل في الوقتين للذريعة خوف أن يوقع النفل بعد الغروب ، أو الطلوع ، ولذا جاز أن يتنفل من لم يصل العصر بعد صلاة غيرها ، ولو كان المنع لذات الوقت ما جاز وكان الشيخ يصلي بعد العصر فقيل : له ذلك فقال إنما أفعله يوم يفوتني معتادي من الصلاة بالنهار انتهى .

والمراد بالشيخ ابن عرفة - رحمه الله تعالى - وقال في باب من ذكر صلاة نسيها من المدونة ويكره صلاة التطوع حتى ترتفع الشمس ابن ناجي ظاهره أن الكراهة على بابها وتقدم بحثنا مع ابن عبد السلام في ذلك ، وكذلك تكره الصلاة بعد العصر إلى الغروب واختلف فيما بين الغروب وصلاة المغرب على ثلاثة أقوال المشهور وقت نهي ، وقيل : لا واختاره ابن رشد لمن دخل المسجد إلا لمن كان فيه وإذا فرعنا على المشهور فكان شيخنا - رحمه الله - يفتي بجواز الجلوس ، ولا يرجح الوقوف وكان شيخنا أبو محمد الشبيبي يرجح وقوفه حتى تقام الصلاة للخروج من الخلاف انتهى .

وبحثه مع ابن عبد السلام ذكره في باب صلاة الفجر ونصه : قال ابن عبد السلام وظاهر قول ابن الحاجب : " ومن أحرم في وقت نهي قطع " يقتضي التحريم .

( قلت : ) ليس فيه دليل ; لأن من تلبس بمكروه ثم ذكر فإنه يؤمر بقطعه استحبابا ; لأن حقيقة المكروه ما في تركه الثواب وقد ذكر ابن رشد في النافلة بعد صلاة الجمعة ثلاثة أقوال : أحدها أن ذلك مكروه يثاب بتركه ولا يأثم بفعله . فقول ابن الحاجب يحتمل أن يكون على استحباب ، ثم ورد علينا خليل فذكر مثل ما ذكرته انتهى ، والله - تعالى - أعلم .

قال ابن رشد في كتاب الجامع من البيان : لا خلاف بين أهل العلم في أن [ ص: 418 ] الصلاة قد حلت بغروب الشمس إلا أن صلاة المغرب قد وجبت بغروب الشمس فلا ينبغي لأحد أن يصلي نافلة قبل صلاة المغرب ; لأن تعجيل صلاة المغرب في أول وقتها أفضل عند من رأى وقت الاختيار لها يتسع إلى مغيب الشفق وهو ظاهر قول مالك في موطئه وقد قيل : إنه ليس لها إلا وقت واحد فلا يجوز أن تؤخر عنه إلا لعذر ، واختلف فيمن كان في المسجد منتظرا للصلاة هل له أن يتنفل فيما بين الأذان والإقامة فقيل : له ذلك على ما حكاه مالك في هذه الرواية عن بعض من أدرك ، وقيل : ليس له ذلك وهو مذهب مالك على ما رواه ابن القاسم عنه في هذه الرواية ، وما ذهب إليه مالك من كراهة ذلك أظهر وما ذكره المصنف من كراهة النافلة بعد العصر صرح به غير واحد .

وقوله : " وجنازة وسجود تلاوة قبل إسفار واصفرار " استدل بعضهم من قوله في المدونة ويسجدها قارئها بعد العصر ما لم تصفر الشمس وبعد الصبح ما لم يسفر كصلاة الجنازة على أن الجنازة غير واجبة لقياسه سجود التلاوة عليها وذلك أنه إنما يقاس على ما ليس بواجب ، ولو كانت صلاة الجنازة فرضا لبطل حكم القياس انتهى من ابن ناجي على المدونة ، بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى والله أعلم . وأما عند الإسفار والاصفرار فمنع الصلاة عليها قال في الشامل : ومنعت صلاة جنازة وسجدة تلاوة عند إسفار واصفرار إلا لخوف تغير ميت وفيما بين إسفار وفجر أو اصفرار وصلاة عصر ثلاثة للمدونة والموطأ وابن حبيب ثالثها الجواز في الصبح فقط انتهى . الأول مذهب المدونة بالجواز فيهما

التالي السابق


الخدمات العلمية