مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
واعلم أنه رحمه الله قد يذكر المسألة في غير فصلها ليجمعها مع نظائرها بل قد يكررها لذلك كقوله في فصل السهو و تمادى المأموم وإن لم يقدر على الترك كتكبيره للركوع بلا نية إحرام وذكر فائتة ليجمع بين النظائر المسماة بمساجين الإمام ، وإن كان قد ذكر كلا من المسألتين الآتيتين في بابها وقد يذكر المسألة مفصلة في بابها ثم يذكرها مع نظائرها مجملة اعتمادا على ما فصله كقوله في فصل الخيار وبشرط نقد كغائب فإنه قد قدم حكم النقد في الغائب مفصلا ثم ذكره هنا مجملا بل ذكر ابن غازي في ذلك المحل أنه قد يذكر في النظائر ما هو خلاف المشهور ، ومن قاعدته هو وغيره من المتأخرين أنهم إذا أسندوا الفعل إلى ضمير الفاعل الغائب ولم يتقدم له ذكر كقولهم قال : وكره ومنع ورخص وأجاز ولم يمنع ونحو ذلك فهو راجع إلى مالك للعلم به ، ومن عادته وكثير من أهل المذهب أن يستعملوا لفظ الندب في الاستحباب وإن كان في مصطلح الأصوليين شاملا للسنة والمستحب والنافلة والتفريق بين هذه شائع في اصطلاح أهل المذهب ، ووقع في كلام ابن رشد في المقدمات والمازري وابن بشير وغيرهم من المتأخرين تقسيمها إلى ثلاث مراتب وإن اختلفوا في التعبير عن بعضها ولا خلاف فيما علمت أن أعلاها يسمى سنة وسمى ابن رشد الثاني رغائب والثالث نوافل وسمى المازري الثاني فضائل والثالث نوافل ويظهر من كلام ابن بشير أن الثاني يسمى رغيبة والثالث يسمى مستحبا وزاد قسما رابعا مختلفا فيه وستقف على كلامهم مختصرا .

قال المازري فسموا كل ما علا قدره في الشرع من المندوبات وأكد الشرع أمره وحض عليه وأشهره سنة كالعيدين والاستسقاء وسموا كل ما كان في الطرف الآخر من هذا نافلة ، وما توسط بين هذين الطرفين فضيلة ونحوه لابن راشد وقال ابن رشد : السنة ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بفعله ولم يقترن به ما يدل على الوجوب أو داوم النبي صلى الله عليه وسلم على فعله بغير صفة النوافل والرغائب ما داوم على فعله بصفة النوافل أو رغب فيه بقوله من فعل كذا [ ص: 40 ] فله كذا والنوافل ما قرر الشرع أن في فعله ثوابا من غير أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم به أو يرغب فيه أو يداوم على فعله وقال ابن بشير : ما واظب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم مظهرا له فهو سنة بلا خلاف ، وما نبه عليه وأجمله في أفعال الخير فهو مستحب وما واظب على فعله في أكثر الأوقات وتركه في بعضها فهو فضيلة ويسمى رغيبة ، وما واظب على فعله غير مظهر له ففيه قولان : أحدهما تسميته سنة التفاتا إلى المواظبة . والثاني تسميته فضيلة التفاتا إلى ترك إظهاره كركعتي الفجر والظاهر من كلام المصنف أنه يطلق المستحب والفضيلة على ما في المرتبة الثانية ويقسم السنة إلى مؤكدة وغير مؤكدة والله أعلم . ومن عادتهم أيضا أن يستعملوا لفظ الجواز ويريدون به المباح وقال القرافي في شرح التنقيح : الجواز يطلق بتفسيرين : أحدهما جواز الإقدام كيف كان حتى يندرج تحته الوجوب . وثانيهما استواء الطرفين فهو المباح في اصطلاح المتأخرين واعلم أن الفرض والواجب مترادفان عند أهل المذهب إلا ما سيأتي التنبيه عليه إن شاء الله في باب الحج قال في الذخيرة في كتاب اللقطة : والواجب له معنيان : ما يأثم بتركه وهذا هو المعنى المشهور . الثاني ما يتوقف عليه الشيء وإن لم يأثم بتركه ; كقولنا : الوضوء واجب في صلاة التطوع ونحوه فلو ترك المتطوع ذلك وترك التطوع لم يأثم وإنما معناه أن الصلاة تتوقف صحتها على الطهارة وستر العورة والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية