مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
ص ( وبطلت بقصد إمام ومأموم به الكبر )

ش : اعلم أنه قد اختلفت النسخ في هذا الموضع ففي بعضها كقصد إمام بكاف التشبيه فيكون قوله وبطلت من تتمة قوله " لا عكسه " فيقتضي أن علو الإمام على المأموم مبطل لصلاته ، ولو لم يقصد به الكبر ، ثم شبه بذلك في البطلان ما إذا قصد الإمام أو المأموم به الكبر وعلى ذلك شرح الشارح في الشرح الصغير وفي بعض النسخ لقصد باللام وفي بعضها بالباء وعليها تكلم ابن غازي ، قال وذلك أمثل أي وبطلت الصلاة بسبب قصد الإمام والمأموم بالعلو الكبر كأنه تكلم أولا فيما إذا سلما من قصد الكبر فنوعه إلى جائز وممنوع قائلا وعلو مأموم ، ولو بسطح لا عكسه ، ثم تكلم ثانيا في قصد الكبر فقطع بالبطلان فيهما وذلك مستلزم لعدم جوازهما ، وهذا الذي سلك يمكن تمشيته مع بعض النقول انتهى . والنسخة التي باللام موافقة للنسخة التي اختارها والنسخة التي بالكاف موافقة لظاهر ما في التهذيب فإنه قال ولا يصلي الإمام على شيء أرفع مما عليه أصحابه ، فإن فعل أعادوا أبدا ; لأنهم يعبثون إلا الارتفاع اليسير مثل ما كان بمصر فتجزيهم الصلاة انتهى . والنسختان الأخريان موافقتان لظاهر أصل المدونة قال سند ، قال مالك - رحمه الله - في إمام يصلي بقوم على ظهر المسجد والناس خلفه أسفل من ذلك قال لا يعجبني ذلك قال في شرحها ، وقد أسقط البراذعي هذه المسألة في اختصاره اكتفاء منه بما بعدها وليست بمعناها ا هـ ، ثم قال ابن القاسم وكره مالك أن يصلي الإمام على شيء هو أرفع مما يصلي عليه من خلفه مثل الدكان يكون في المحراب ونحوه من الأشياء قال سحنون قلت له فإن فعل قال عليهم الإعادة وإن خرج الوقت ; لأن هؤلاء يعبثون إلا أن يكون على دكان يسير الارتفاع مثل ما كان عندنا بمصر فإن صلاتهم تامة قال في شرح المسألة الأولى .

( فرع ) ، فإن ترك ذلك فقوله " لا يعجبني ذلك " ليس فيه ما يقتضي نفي الصحة ولا يشبه هذا [ ص: 119 ] الفرع الذي يأتي بعده الذي قال ابن القاسم فيه يعبثون على ما نبينه فيه ، ومقتضى كلام أهل المذهب صحة صلاتهم انتهى . واعلم أنه مع قصد الكبر تبطل صلاتهم قال ابن رشد بعد ذكره الحديث المتقدم عنه وكأنه صلى الله عليه وسلم أشار بذلك إلى ما أحدثه بعده بنو أمية من التكبر عن مساواة الناس وكانوا يتخذون موضعا مرتفعا عن محل من يقتدي بهم تكبرا وعبثا ولا خلاف في المذهب أن القصد إلى ذلك محرم ، وأنه متى حصل بطلت الصلاة ، وكذلك قالوا لو صلى المقتدون على موضع مرتفع قصدا للتكبر عن المساواة فإن صلاة القاصد إلى ذلك باطلة ، وإن صلى الإمام غير قاصد للتكبر فإن كان الارتفاع يسيرا صحت الصلاة بلا خلاف ، وإن كان الارتفاع كثيرا فللمتأخرين قولان : صحة الصلاة وأخذ من قوله في تعليل البطلان ; لأن هؤلاء يعبثون ، وقيل بالبطلان لعموم النهي في الحديث المتقدم انتهى . وقال ابن فرحون قال ابن شاس إن من صلى على أرفع مما إمامه عليه أو أخفض من غير قصد إلى التكبر صحت صلاته إن كان الارتفاع يسيرا كالشبر وعظم الذراع ونحوه ، فإن كان كثيرا فللمتأخرين في بطلان صلاة المرتفع ثلاثة أقوال : البطلان ونفيه ومأخذهما النظر إلى ظاهر العموم في قوله عليه الصلاة والسلام لا يصلي الإمام الحديث

ص ( أو إلى فقد العلة ، وهو التكبر ) ش والتفرقة فيعتبر قصد التكبر في المأموم وتبطل على الإمام مطلقا من غير اعتبار قصد التكبر جميعا للذريعة ، ولو قصد المرتفع منهما التكبر لعصى وبطلت صلاته وصلاة من خلفه إن كان الإمام ، انتهى .

وما ذكره هو لفظ الجواهر إلا أول الكلام فبالمعنى وزاد بعد قوله العموم .

وذكر الحديث وترك منه بعد قوله من غير اعتبار قصد ; لأن ارتفاع الإمام فعل تقدم من بني أمية على جهة التكبر فمنع في القاصد وغيره حسما للذريعة انتهى ، فعلم من ذلك بطلان صلاة من قصد الكبر إماما كان أو مأموما ، وأنه إن كان إماما بطلت عليه وعليهم ، وقال في التوضيح بعد ذكره لفظ التهذيب ، وظاهره أن الإعادة على الإمام والمأموم .

وكذلك نقل المسألة التونسي ، وقيل لأبي عمران هل يعيد الإمام فقال ما هو بالقوي ، وقال ابن زرب لا إعادة عليه ; لأنه لو ابتدأ الصلاة هناك وحده لم يكن عليه إعادة انتهى ، وما قاله ابن زرب غير ظاهر ; لأن من ابتدأها غير قاصد للكبر ، والكلام فيمن قصد الكبر ، وقال ابن غازي ، وأما ما ذكره في المأموم فقد حكى عبد الحق في التهذيب أن بعض شيوخه نحا إلى أن المأمومين لو قصدوا الكبر بفعلهم لأعادوا لعبثهم انتهى ، وقد صرح ابن بشير وابن شاس بالبطلان .

ولم يحكيا في ذلك خلافا كما تقدم إذا علمت الحكم فيما إذا قصدا الكبر فإذا لم يقصد بالعلو الكبر فالمأموم متفق على عدم بطلان صلاته كما ذكره ابن غازي ، وأما الإمام ففيه القولان كما تقدم ويحتملهما كلام المصنف على اختلاف النسخ والقول بعدم البطلان تقدم عن صاحب الطراز أنه الذي يأتي على أصل المذهب ، ونقله في الذخيرة عنه ولفظه والمذهب صحة الصلاة انتهى . وقال ابن غازي بعد كلامه المتقدم أعني قوله : وهذا الذي سلك يمكن تمشيته على بعض النقول ما نصه ، فأما ما ذكره في ، الإمام فإليه ذهب أبو إسحاق فقال إنما تجب الإعادة عليه وعليهم إذا فعل ذلك على وجه الكبر .

وأما لو ابتدأ لنفسه على دكان فجاء رجل فصلى أسفل منه لجازت صلاتهما ; لأن الإمام هنا لم يقصد الكبر وكذا إذا فعلوا ذلك للضيق انتهى ، ونحوه للخمي في الذي ابتدأها وحده وكذا حكى ابن يونس في الضيق عن سحنون ويحيى بن عمر وأخذه فضل من قوله في المدونة ; لأنهم يعبثون انتهى كلام ابن غازي لكن ما استشهد به لا يدل لما قصده من كل وجه ; لأن ما ذكره عن التونسي واللخمي وفضل ليس فيه أن ذلك ممنوعا ويصح فالأولى الاعتماد على ما ذكره [ ص: 120 ] في الطراز فإنه فرعه على قول مالك لا يعجبني على المنع وذلك بعد حمل قوله لا يعجبني على المنع ، وإن كان ظاهره الكراهة وجزم ابن فرحون في شرحه بعدم البطلان فيمن ابتدأها وحده على مكان مرتفع بل جعله غير مكروه فقال .

( فرع ) لو افتتح الصلاة على موضع عال منفردا فجاء رجل فائتم به لم يكره ; لأن الإمام لم يقصد إلى العبث والتكبر انتهى .

وصرح سند أيضا بأن ذلك ما لم تدع الضرورة إلى ذلك ، فإن دعت فلا بأس به قال ( فرع ) ومحل الكراهة إذا لم تدع إلى ذلك الضرورة ، فأما إن دعت فلا بأس به روى علي في المجموعة عن مالك - رحمه الله تعالى - في الإمام يصلي في السفينة وبعضهم فوقه وبعضهم تحته قال : إن لم يجدوا بدا فذلك جائز انتهى . وقال ابن عزم في شرح الرسالة .

وإن ضاق الموضع ودعت الضرورة إلى صلاة الإمام في مرتفع ولا يسع زيادة عليه جاز انتهى . واعلم أن الظاهر من كلام المدونة وصاحب الطراز أنه إذا لم يقصد الكبر فليس في ذلك إلا لكراهة ولا يأبى ذلك كلام المصنف على النسخة التي بالباء والتي باللام ; لأن قوله لا عكسه إنما يدل على أنه غير جائز وذلك أعم من أن يكون مكروها أو ممنوعا ، وهو الذي يوافق قوله أولا في المكروهات واقتداء من بأسفل السفينة بمن بأعلاها كما تقدم وكلام ابن ناجي المذكور هناك يدل على هذا وكثيرا ما يقع ذلك بالمسجد الحرام عند دخول السيول له فيصلي الإمام على سطحه .

وإذا حمل على الكراهة صح تمشيته مع كلام المدونة وصاحب الطراز ، والله أعلم .

( تنبيهات الأول ) إذا علم ذلك تنتفي الكراهة بالضرورة كما تقدم عن صاحب الطراز وبأن يبتدئ الإمام الصلاة وحده كما تقدم أيضا وبما إذا قصد التعليم كما نص عليه عياض ، ونقله ابن عرفة وابن ناجي وابن غازي على وجه التقييد للمسألة وذلك ظاهر .

وذكره صاحب الطراز ، وقال قد يجوز ذلك عند العذر في الأسواق ونحوها .

( الثاني ) في معنى قول المدونة : لأنهم يعبثون قال ابن فرحون في شرحه العبث : هو ما يفعل لقصد الكبر فقوله ; لأنهم يعبثون أي يقصدون الكبر والجبروت على المأمومين وبه فسر قوله تعالى { أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع } أي تبنون بكل موضع مرتفع آية أي علامة تدل على تكبركم تعبثون عبثا مستغنين عنه انتهى ، وقال سند ، وقد سمى الله البناء العالي على الموضع المرتفع عبثا فقال على لسان بعض أنبيائه { أتبنون بكل ريع آية تعبثون } وموضوع الصلاة ينافي العبث والتكبر فإنها وضعت على التمكن انتهى .

( الثالث ) قال في الطراز .

( فرع ) فإن فعل ذلك لغير عذر هل يستحب لهم الإعادة قال ابن حبيب في السفينة يصلي أهلها بصلاة الإمام ، وهو فوق : إن الأسفلين يعيدون في الوقت ولا يعيد الإمام انتهى ، فكأنه يقول ، وكذلك هنا وانظر ذلك مع ما قال ابن ناجي في شرح مسألة السفينة المتقدمة في كلام المدونة عند قول المصنف : واقتداء من بأسفل السفينة فإنه فرق بين السفينة وغيرها ومقتضى كلامه أن في غيرها لا يعيدون في الوقت ، والله أعلم .

( الرابع ) قال في الطراز فلو كان الإمام على شرف أو كدية ومن خلفه تحته في وطاء وذلك قدر متقارب فقال ابن القاسم في العتبية لا بأس به ، وهذا يخرج على ما قدمناه ; لأن كل هذا يعد أرضا واحدة ومكانا واحدا سيما إذا اتصلت الصفوف بخلاف السقف والأرض فإنهما موضعان ومكانان مختلفان انتهى .

ص ( إلا بكشبر )

ش : يعني إلا أن يكون الارتفاع ب كشبر ، ونحو الشبر عظم الذراع كما تقدم فإن ذلك يجوز إذا لم يقصد به الكبر فهو مستثنى من قوله لا عكسه لا كما يتبادر أنه مستثنى من مسألة قصد الكبر أو موضع قصده الكبر لا تفصيل في ذلك كما تقدم في كلام ابن بشير وابن شاس والله أعلم .

ص ( وهل يجوز إن كان مع الإمام طائفة كغيرهم تردد )

ش : يعني أن [ ص: 121 ] ما ذكره أولا من عدم الجواز في قوله : لا عكسه سواء حمل على الكراهة أو على المنع اختلف فيه هل ذلك مطلقا سواء كان مع الإمام طائفة من المأمومين أو كان وحده ، وهو ظاهر المذهب عند صاحب الطراز ، وإنما ذلك إذا كان وحده ، وأما إن كان معه غيره فلا كراهة ويجوز ، وهو اختيار ابن الجلاب ساقه على أنه المذهب وحمل بعضهم كلام مالك المتقدم عليه قال في الطراز بعد ذكره المسألة الأولى : اختلف في صورة ذلك هل صورته أن يكون الإمام وحده أو سواء كان وحده أو مع غيره فقال بعض أصحابنا : هذا إذا كان الإمام وحده ، فأما إن كان مع الإمام طائفة فلا بأس به وهو اختيار ابن الجلاب ، وظاهر المذهب أن لا فرق في ذلك انتهى . وأشار المصنف بقوله كغيرهم إلى ما ذكره في توضيحه بعد ذكره كلام ابن الجلاب ونصه وقيد بأن تكون الطائفة من سائر الناس قال الشارح احترازا مما إذا صلى معه طائفة من أشراف الناس فإن ذلك مما يزيده فخرا وعظمة انتهى ، فلو قال المصنف في المكروهات عوض قوله : واقتداء من بأسفل السفينة إلى آخره وعلو إمام إلا ب كشبر أو لضرورة أو تعليم فيجوز كمأموم ، ولو بسطح وبطلت لقصد كبر مطلقا وهل يجوز إن كان مع الإمام إلى آخره لكان أشمل ولا يذكر هذا أعني قوله وهل يجوز إلى آخره اكتفاء بما قال صاحب الطراز إنه ظاهر المذهب ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية