صفحة جزء
( أو ) فتح ( صلحا بشرط الأرض لنا ، وشرط إسكانهم ) بخراج ( وإبقاء الكنائس ) ، ونحوها ( لهم جاز ) ؛ لأن الصلح إذا جاز بشرط كل البلد لهم فبعضها أولى ، ولهم حينئذ ترميمها ، وقضية قوله : وإبقاء منع الإحداث ، وهو كذلك ، وليس منه إعادتها ، وترميمها ، ولو بآلة جديدة ، ونحو تطيينها ، وتنويرها من داخل ، وخارج ، وقضيته أيضا منع شرط الإحداث ، وبه صرح الماوردي ، ونقلا عن الروياني ، وغيره جوازه ، وأقراه ، وحمله الزركشي على ما إذا دعت إليه ضرورة قال : وإلا فلا وجه له ، ورد بأن الأوجه إطلاق الجواز ( وإن أطلق ) شرط الأرض لنا ، وسكت عن نحو الكنائس ( فالأصح المنع ) من إبقائها ، وإحداثها فتهدم كلها ؛ لأن الإطلاق يقتضي صيرورة جميع الأرض لنا ، ولا يلزم من بقائهم بقاء محل عبادتهم فقد يسلمون ، وقد يخفون عبادتهم ( أو ) بشرط أن تكون الأرض لهم ، ويؤدون خراجها ( قررت ) كنائسهم ، ونحوها ( ولهم الإحداث في الأصح ) ؛ لأن الأرض لهم [ ص: 295 ] ( تنبيه )

ما فتح من ديار الحربيين بشرط مما ذكر لو استولوا عليه بعد كبيت المقدس كان عمر رضي الله عنه فتحه صلحا على أن الأرض لنا ، وأبقى لهم الكنائس ، ثم استولوا عليه ففتحه صلاح الدين بن أيوب كذلك ، ثم فتح بشرط يخالف ذلك فهل العبرة بالشرط الأول ؛ لأنه بالفتح الأول صار دار إسلام فلا يعود دار كفر كما هو ظاهر من صرائح كلامهم ، ومر في فصل الأمان ما له تعلق بذلك ، أو بالشرط الثاني ؛ لأن الأول نسخ به ، وإن لم تصر دار كفر كل محتمل لكن الوجه هو الأول ، وعجيب ممن أفتى بما يوافق الثاني ، ومعنى لهم هنا ، وفي نظائره الموهمة حل ذلك لهم ، واستحقاقهم له عدم المنع منه فقط ؛ لأنه من جملة المعاصي في حقهم أيضا ؛ لأنهم مكلفون بالفروع ، ولم ينكر عليهم كالكفر الأعظم لمصلحتهم بتمكينهم من دارنا بالجزية ليسلموا ، أو يأمنوا ، ومن هنا غلط الزركشي ، وغيره جمعا توهموا من تقرير الأصحاب لهم في هذا الباب على معاص أنهم غير مكلفين بها شرعا ، وهو غفلة فاحشة منهم إذ فرق بين لا يمنعون ، ولهم ذلك ؛ إذ عدم المنع أعم من الإذن الصريح في الإباحة شرعا ، ولم يقل بها أحد بل صرح القاضي أبو الطيب أن ما يخالف شرعنا لا يجوز إطلاق التقرير عليه ، وإنما جاء الشرع بترك التعرض لهم ، والفرق أن التقرير يوجب فوات الدعوة بخلاف ترك التعرض لهم ؛ لأنه مجرد تأخير المعاقبة إلى الآخرة انتهى ، ولكون ذلك معصية حتى في حقهم أيضا أفتى السبكي بأنه لا يجوز لحاكم الإذن لهم فيه ، ولا لمسلم إعانتهم عليه ، ولا إيجار نفسه للعمل فيه ، فإن رفع إلينا فسخناه ، ثم اختار لنفسه المنع من تمكينهم من كل ترميم ، وإعادة مطلقا ، وانتصر له ولده ، ولا يجوز دخول كنائسهم المستحقة الإبقاء إلا بإذنهم ما لم يكن فيها صورة معظمة ( تتمة )

ما فتح عنوة ، أو على أنه لنا للإمام رده عليهم بخراج معين يؤدونه كل سنة ، وتؤخذ الجزية معه ؛ لأنه أجرة لا تسقط بإسلامهم ، ومن ثم أخذ من أرض نحو صبي ، ولهم الإيجار لا نحو البيع ، ولا يشترط بيان المدة بل يكون مؤبدا كما مر في أرض العراق ، والأراضي التي عليها خراج لا يعرف أصله يحكم بحل أخذه لاحتمال أنه وضع بحق كما تقرر ، أو على أنه لهم بخراج معلوم كل سنة يفي بالجزية عن كل حالم منهم صح ، وأجريت عليهم أحكامها فيؤخذ ، وإن لم يزرعوا ، ويسقط بإسلامهم فإن اشتراها ، أو استأجرها مسلم صح [ ص: 296 ] والخراج على البائع ، والمؤجر


حاشية ابن قاسم

( قوله : وليس منه إعادتها ، وترميمها ، ولو بآلة جديدة ، ونحو تطيينها ، وتنويرها إلخ . ) في الروض ، وشرحه ، ولهم عمارة أي : ترميم كنائس جوزنا إبقاءها إذا استهدمت فترمم بما تهدم لا بآلات جديدة كذا قاله السبكي ، والذي قاله ابن يونس في شرح الوجيز ، واقتضى كلامه الاتفاق عليه أنها ترمم بآلات جديدة قال في الأصل : ولا يجب إخفاؤها فيجوز تطيينها من داخل ، وخارج لا إحداثها فلو انهدمت الكنائس المبقاة ، ولو بهدمهم لها تعديا خلافا للفارقي أعادوها ، وليس لهم توسيعها . ا هـ .

( قوله : ولو بآلة جديدة ) مع تعذر فعل ذلك بالقديمة وحدها م ر ( قوله : ونقلا عن الروياني ، وغيره جوازه ) جزم به الروض ( قوله : وحمله الزركشي على ما إذا دعت إليه ضرورة ) كتب عليه م ر ( قوله : ولهم الإحداث في الأصح ) زاد في الروض وشرحه ، ولا يمنعون من إظهار شعائرهم كخمر ، وخنزير ، وأعيادهم ، وضرب ناقوسهم [ ص: 295 ]

[ ص: 296 ] وظاهر صنيعه أنهم يمنعون من ذلك فيما تقدم ( قوله : والخراج على البائع ، والمؤجر ) أي : ؛ لأنه جزية

حاشية الشرواني

( قول المتن : جاز ) المراد به عدم المنع ؛ إذ الجواز حكم شرعي ، ولم يرد الشرع بجواز ذلك نبه عليه السبكي ا هـ . مغني ( قوله : لأن الصلح ) إلى قوله : وبه صرح في النهاية ( قوله : وليس منه ) أي : من الإحداث ا هـ . ع ش ( قوله : ولو بآلة جديدة ) مع تعذر فعل ذلك بالقديمة ، وحدها ا هـ . نهاية ، وقال في المغني ، والروض مع شرحه : ولهم ترميم كنائس جوزنا إبقاءها إذا استهدمت ؛ لأنها مبقاة فترمم بما تهدم لا بآلات جديدة كذا قاله السبكي ، والذي قاله ابن يونس في شرح الوجيز ، واقتضى كلامه الاتفاق عليه إنها ترمم بآلات جديدة ا هـ .

( قوله : ونحو تطيينها إلخ ) ، وليس لهم توسيعها ؛ لأن الزيادة في حكم كنيسة محدثة متصلة بالأولى ا هـ . مغني ، وروض مع شرحه ( قوله : وتنويرها ) عطف مغاير ا هـ . ع ش ( قوله : منع شرط الإحداث ) أي : منهم علينا سواء الابتداء من جانبهم ، ووافقهم الإمام ، أو عكسه ا هـ ع ش ( قوله : وبه صرح إلخ ) عبارة النهاية ، وهو كذلك إن لم تدع له ضرورة ، وإلا جاز ا هـ . ( قوله : وحمله الزركشي إلخ ) اعتمده النهاية كما مر ( قوله : ورد إلخ ) عبارة المغني ، ومقتضى التعليل الجواز مطلقا ، وهو الظاهر ا هـ . ( قوله : شرط الأرض ) إلى التنبيه في النهاية ، وكذا في المغني إلا قوله : ولا يلزم إلى المتن ( قوله : وسكت عن نحو الكنائس ) أي : فلم يذكر فيه إبقاءه ، ولا عدمه ا هـ . مغني

( قول المتن : قررت إلخ ) ، ولا يمنعون من إظهار شعارهم كخمر ، وخنزير ، وأعيادهم ، وضرب ناقوسهم ، ويمنعون من إيواء الجاسوس ، وتبليغ الأخبار ، وسائر ما نتضرر به في ديارهم مغني ، وروض مع شرحه ، وفي سم بعد ذكر ذلك عن الروض وشرحه إلا قوله : ويمنعون إلخ ما نصه ، وظاهر صنيعه أنهم يمنعون من ذلك فيما تقدم ا هـ . أي : كما سيأتي التصريح بذلك ( قول المتن ، ولهم الإحداث إلخ ) هل يشترط لصحة الصلح مع شرط الإحداث تعيين ما يحدثونه من كنيسة ، أو أكثر ، ومقدار الكنيسة ، أو [ ص: 295 ] يكفي الإطلاق فيه نظر ، والذي ينبغي الصحة مع الإطلاق ، ويحمل على ما جرت به عادة مثلهم في مثل ذلك البلد ، ويختلف بالكبر ، والصغر ا هـ . ع ش ( قوله : ما فتح ) إلى قوله : أيضا في النهاية إلا قوله : كان عمر إلى ، ثم فتح ، وقوله : ومر إلى ، أو بالشرط ، وقوله : وعجيب إلى ، ومعنى لهم ( قوله : كذلك ) أي : صلحا على أن الأرض لنا إلخ ( قوله : ثم فتح إلخ ) عطف على قوله : استولوا عليه ( قوله : لكن الوجه إلخ ) قدمنا عن المغني ما يوافقه ( قوله : هو الأول ) أي : إن العبرة بالشرط الأول ا هـ ع ش .

( قوله : ومعنى لهم ) إلى قوله : أيضا في المغني ( قوله : هنا ) أي : في قول المصنف ، ولهم الإحداث إلخ . ( قوله : حل ذلك ) أي : إحداث نحو الكنيسة فلا يعاقبون عليه في الآخرة ، وقوله : أو استحقاقهم له أي : فيجوز للإمام الإذن لهم فيه ، ويأثم بالمنع منه ( قوله : عدم المنع إلخ ) خبر قوله : ومعنى لهم إلخ . ( قوله : عدم المنع منه فقط ) أي : عدم تعرضنا لهم لا أنه يجوز لهم ذلك ، ونفتيهم به ا هـ . نهاية ( قوله : فقط ؛ لأنه إلخ ) عبارة المغني عن السبكي ، وليس المراد أنه جائز ، بل هو من جملة المعاصي التي يقرون عليها كشرب الخمر ، ولا نقول إن ذلك جائز ا هـ .

( قوله : ومن هنا ) أي : من أجل أن معنى لهم هنا ، وفي نظائره عدم المنع منه فقط ( قوله : في هذا الباب ) أي : باب الجزية ( قوله : وهو ) أي : هذا التوهم ( قوله : منهم ) أي : الجمع المذكور ( قوله : الصريح إلخ ) صفة كاشفة للإذن ( قوله : أن ما يخالف إلخ ) أي : بأن ما إلخ . ( قوله : انتهى ) أي : كلام القاضي ( قوله : ولكون ذلك ) أي : نحو إحداث الكنيسة ( قوله : أفتى السبكي ) إلى قوله : وانتصر في المغني ( قوله : لا يجوز لحاكم ) عبارة المغني عن السبكي لا يحل للسلطان ، ولا للقاضي أن يقول لهم افعلوا ذلك ا هـ . ( قوله : فسخناه ) أي : الإيجار المذكور ( قوله : ثم اختار ) أي : السبكي من كل ترميم ، وإعادة أي : لنحو كنيسة مطلقا أي : سواء استحقت الإبقاء ، أو لا

( قوله : ولا يجوز إلخ ) عبارة المغني فائدة قال الشيخ عز الدين ولا يجوز للمسلم دخول كنائس أهل الذمة إلا بإذنهم ، ومقتضى ذلك الجواز بالإذن ، وهو محمول على ما إذا لم تكن فيها صورة ، فإن كانت ، وهي لا تنفك عن ذلك حرم هذا إذا كانت مما يقرون عليها ، وإلا جاز دخولها بغير إذنهم ؛ لأنها واجبة الإزالة ، وغالب كنائسهم الآن بهذه الصفة ا هـ . ( قوله : معظمة ) احتراز عن الصورة المنقوشة في الأحجار المفروشة ( قوله : ما فتح ) إلى قوله : على المعتمد في المغني إلا قوله : ولا يشترط إلى ، أو على أنه ( قوله : أو على أنه لنا ) أي : أو فتح صلحا على أن الأرض لنا ( قوله : للإمام رده إلخ ) خبر ما فتح إلخ . ( قوله : وتؤخذ الجزية إلخ ) عبارة المغني فالمأخوذ منهم أجرة ؛ لأن ذلك عقد إجارة فلا يسقط بإسلامهم ، ولا يشترط فيه أن يبلغ دينارا ، والجزية باقية فتجب مع الأجرة ا هـ . ( قوله : ؛ لأنه ) أي : الخراج ( قوله : لا تسقط إلخ ) خبر ثان ؛ لأن فكان الأولى التذكير ( قوله : من أرض نحو صبي ) أي : ممن لا جزية عليه كمجنون ، وامرأة ، وخنثى ا هـ . مغني ( قوله : ولهم الإيجار ) ؛ لأن المستأجر يؤجر ا هـ . مغني ( قوله : لا نحو البيع ) أي : مما يزيل الملك كالهبة ( قوله : ولا يشترط إلخ ) أي : في رده إليهم بخراج معين ( قوله : أو على أنه ) أي : ما فتح صلحا إلخ ، وهذا عطف على قوله : أو على أنه لنا إلخ وكان الأنسب تقديمه على قوله : والأراضي التي إلخ ( قوله : كل سنة ) يعني : يؤدونه كل سنة ( قوله : صح ) أي : الصلح المذكور ( قوله : وأجريت عليه ) أي : الخراج المأخوذ أحكامها أي : الجزية فيصرف مصرف الفيء ، ولا يؤخذ من أرض صبي ، ومجنون ، وامرأة ، وخنثى ا هـ . مغني ( قوله : وإن لم يزرعوا ) أي : الأرض ( قوله : فإن اشتراها ) أو اتهبها ا هـ . مغني ( قوله : صح ) أي : وعليه الثمن ، والأجرة ا هـ .

مغني ( قوله : [ ص: 296 ] على البائع إلخ ) أي : باق عليهما ؛ لأنه جزية ا هـ . سم

التالي السابق


الخدمات العلمية