صفحة جزء
( كتاب الزكاة ) هي لغة : التطهير والإصلاح والنماء والمدح ، وشرعا : اسم لما يخرج عن مال أو بدن على الوجه الآتي سمي بذلك لوجود تلك المعاني كلها فيه ، والأصل في وجوبها الكتاب نحو { وآتوا الزكاة } ، والأظهر أنها مجملة لا عامة ، ولا مطلقة ويشكل عليها آية البيع فإن الأظهر فيها من أقوال أربعة أنها عامة مخصوصة مع استواء كل من الآيتين لفظا ؛ إذ كل مفرد مشتق [ ص: 209 ] واقترنا بأل فترجيح عموم تلك وإجمال هذه دقيق ، وقد يفرق بأن حل البيع الذي هو منطوق الآية موافق لأصل الحل مطلقا أو بشرط أن فيه منفعة متمحضة فما حرمه الشرع خارج عن الأصل ، وما لم يحرمه موافق له فعلمنا به ومع هذين يتعذر القول بالإجمال ؛ لأنه الذي لم تتضح دلالته على شيء معين والحل قد علمت دلالته من غير إبهام فيها فوجب كونه من باب العام المعمول به قبل ورود المخصص لاتضاح دلالته على معناه ، وأما إيجاب الزكاة الذي هو منطوق اللفظ فهو خارج عن الأصل لتضمنه أخذ مال الغير قهرا عليه ، وهذا لا يمكن العمل به قبل ورود بيانه مع إجماله فصدق عليه حد المجمل ، ويدل لذلك فيهما أحاديث البابين ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم اعتنى بأحاديث البيوعات الفاسدة الربا وغيره فأكثر منها ؛ لأنه يحتاج لبيانها لكونها على خلاف الأصل لا ببيان البيوعات الصحيحة اكتفاء بالعمل فيها بالأصل ، وفي الزكاة عكس ذلك فاعتنى ببيان ما تجب فيه ؛ لأنه خارج عن الأصل فيحتاج إلى بيانه لا ببيان ما لا تجب فيه اكتفاء بأصل عدم الوجوب ، ومن ثم طولب من ادعى الزكاة في نحو خيل ورقيق بالدليل والسنة والإجماع بل هو معلوم من الدين بالضرورة فمن أنكر أصلها كفر ، وكذا بعض جزئياتها الضرورية وفرضت زكاة المال في السنة الثانية من الهجرة بعد صدقة الفطر ووجبت في ثمانية أصناف من المال النقدين والأنعام والقوت والتمر والعنب لثمانية أصناف من الناس يأتي بيانهم في قسم الصدقات

( باب زكاة الحيوان ) أي بعضه وبدأ به وبالإبل منه اقتداء بكتاب الصديق رضي الله عنه ولأنه أكثر أموال العرب ( تنبيه ) أبدل شيخنا الحيوان بالماشية ثم ذكر ما يصرح بأنها أعم من النعم وليس بصحيح حكما وإبدالا فالذي في القاموس [ ص: 210 ] أنها الإبل والغنم ، وفي النهاية أنها الإبل والبقر والغنم فهي أخص من النعم أو مساوية له ، ومنه قول المتن الآتي إن اتحد نوع الماشية وقوله : ولوجوب زكاة الماشية شرطان إلى آخره ( إنما تجب ) منه ( في النعم ) وجمعه أنعام وجمعه أناعم يذكر ويؤنث سميت بذلك لكثرة إنعام الله فيها ( وهي الإبل والبقر ) الأهلية ( والغنم ) وتقييدها بالأهلية أيضا غير محتاج إليه ؛ لأن الظباء إنما تسمى شياه البر لا غنمه كما اقتضاه كلامهم في الوصية وبفرض أنها تسماه فهو لم يشتهر أصلا فلا يحتاج للاحتراز عنه ( لا الخيل والرقيق ) وغيرهما لغير تجارة لخبر الشيخين { ليس على المسلم في عبده ، ولا فرسه صدقة } ( والمتولد من ) ما تجب فيه ، وما لا تجب فيه كالمتولد بين بقر أهلي وبقر وحشي وبين ( غنم وظباء ) بالمد جمع ظبي ويأتي بيانه آخر الحج ؛ لأنه لا يسمى بقرا ، ولا غنما وإنما لزم المحرم جزاؤه تغليظا عليه أما متولد مما تجب فيهما كإبل وبقر أهلي فتجب فيه الزكاة وتعتبر بأخفهما على الأوجه ؛ لأنه المتيقن لكن بالنسبة للعدد لا للسن كأربعين متولدة بين ضأن ومعز فتعتبر بالأكثر كما بينته في شرح الإرشاد


حاشية ابن قاسم

( كتاب الزكاة ) ( قوله : مشتق ) فيه نظر لا يخفى ، وكذا ما ذكره من الشراء ويمكن أن يفرق بأن معنى الشراء الشرعي هو أو [ ص: 209 ] ما يصدق عليه كان معلوما لهم فكانت دلالة لفظ البيع متضحة بخلاف معنى الزكاة شرعا لم يكن معلوما لهم لا هو وما يصدق عليه ، ولا متعلقها وأجناسها فكانت دلالة اللفظ غير متضحة فليتأمل ( قوله : وقد يفرق بأن حل البيع إلخ ) لا يخفى سقوط هذا الكلام لوضوح أن التردد في الإجمال وعدمه ليس في المحل ، والوجوب لظهور معناهما بل في نفس البيع ونفس الزكاة { فاعتبروا يا أولي الأبصار } ( قوله : فمن أنكر أصلها كفر ، وكذا إلخ ) عبارة العباب هي أحد أركان الإسلام حيث تجب إجماعا فيكفر جاحده لا حيث اختلف فيه كمال غير مكلف [ ص: 210 ] وزكاة تجارة وفطرة ا هـ .

( قوله : النعم ) أي : وهي ثلاثة ( قوله : وإنما لزم ) يتأمل ( قوله : في شرح الإرشاد ) عبارته ثم بحث أنه يزكى زكاة أخفهما ا هـ ، وهو ظاهر بالنسبة للعدد وأما بالنسبة للسن كما في أربعين مستولدة بين ضأن ومعز فيعتبر بالأكثر كما يأتي نظيره في الأضحية فلا يخرج هنا إلا ما له سنتان ا هـ وقد يقال [ ص: 211 ] قياس اعتبار الأخف عددا اعتباره سنا ثم ظاهر الكلام أنه لا فرق في هذا الحكم بين كونه بصورة أحدهما أو لا ، وقد يؤيد بأنه لو اعتبر الصورة لأحدهما لكان القياس إلحاقه به في سائر أحكامه ا هـ

حاشية الشرواني

( كتاب الزكاة ) ( قوله : هي لغة ) إلى قوله والأظهر في المغني إلا قوله : والإصلاح ( قوله : هي لغة التطهير ) قال تعالى { قد أفلح من زكاها } أي : طهرها أي طهرها من الأدناس مغني ( قوله : والنماء ) بالمد أي : الزيادة يقال زكاة الزرع إذا نما و ( قوله : والمدح ) قال تعالى { فلا تزكوا أنفسكم } أي : لا تمدحوها وتطلق أيضا على البركة يقال زكت النفقة إذا بورك فيها وعلى كثرة الخير يقال فلان زاك أي : كثير الخير شيخنا ومغني ( قوله : لوجود تلك المعاني كلها إلخ ) أي : لأنه يطهر المخرج عنه عن تدنسه بحق المستحقين ، والمخرج عن الإثم ويصلحه وينمو المال ببركة إخراجه ودعاء الآخذ له ويمدح مخرجه عند الله حتى يشهد له بصحة إيمانه فالمناسبة بين المعنى الشرعي واللغوي موجودة على كل من المعاني اللغوية شيخنا ( قوله : نحو { وآتوا الزكاة } ) أي : وقوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } مغني ( قوله : مجملة ) أي : لا تدل على القدر المخرج ، ولا المخرج منه ، ولا المخرج له وإنما بينها السنة ( قوله : ويشكل عليها ) أي : آية الزكاة يعني على ترجيح أنها مجملة ( قوله : مشتق ) أي : كلمة [ ص: 209 ] اشتقاقية فيشمل المشتق منه كما هنا ويندفع بهذا قول السيد البصري قوله : مشتق فيه نظر ا هـ ( قوله : واقترنا ) الأنسب الأخصر اقترن بحذف الواو والألف ( قوله : دقيق ) أي : غير ظاهر ( قوله : وقد يفرق بأن حل البيع إلخ ) لا يخفى سقوط هذا الكلام لوضوح أن التردد في الإجمال وعدمه ليس في الحل والوجوب لظهور معناهما بل في نفس البيع ونفس الزكاة ، ويمكن أن يفرق بأن معنى البيع الشرعي هو أو ما يصدق عليه كان معلوما لهم فكانت دلالة لفظ البيع متضحة بخلاف معنى الزكاة شرعا لم يكن معلوما لا هو ، ولا ما يصدق عليه ، ولا متعلقها وأجناسها فكانت دلالة لفظ الزكاة غير متضحة فليتأمل سم ( قوله : لأصل الحل ) أي : قبل ورود الشرع ( قوله مطلقا ) أي : بلا شرط وجود منفعة في المبيع ( قوله : ومع هذين ) أي : الموافقة لأصل الحل مطلقا والموافقة لأصل الحل بشرط المنفعة ( قوله : دلالته ) أي : دلالة الآية عليه ( قوله : وأما إيجاب الزكاة إلخ ) عديل قوله : بأن حل البيع إلخ فكان الأنسب وجوب الزكاة إلخ ( قوله : مع إجماله ) الأولى حذفه ( قوله : لذلك فيهما ) يعني لموافقة حل البيع للأصل وخروج إيجاب الزكاة عن الأصل ( قوله : بأحاديث البيوعات ) الأنسب هنا ببيان البيوعات ، وفي قوله فأكثر منها من أحاديثها ( قوله : لا ببيان البيوعات إلخ ) عطف على قوله بأحاديث إلخ كردي ( قوله : والسنة ) إلى الباب في النهاية والمغني ( قوله : والسنة إلخ ) عطف على الكتاب أي : كخبر { بني الإسلام على خمس } نهاية ومغني ( قوله : بل هو معلوم إلخ ) عبارة المغني ، وهي أحد أركان الإسلام فيكفر جاحدها ، وإن أتى بها ويقاتل الممتنع من أدائها وتؤخذ منه قهرا كما فعل الصديق رضي الله تعالى عنه والكلام في الزكاة المجمع عليها أما المختلف فيها كزكاة التجارة والركاز وزكاة الثمار والزروع في الأرض الخراجية والزكاة في غير مال المكلف فلا يكفر جاحدها لاختلاف العلماء رضي الله تعالى عنهم في وجوبها ا هـ .

وفي النهاية والعباب نحوها ( قوله : فمن أنكر أصلها ) أي : أنكر وجوب الزكاة من حيث هي من غير تعلق بشيء من الأموال ع ش ( كفر ) أي : ومن جهلها عرف فإن جحدها بعد ذلك كفر نهاية ( قوله ، وكذا بعض جزئياتها الضرورية ) أي : دون المختلف فيه كوجوبها في مال الصبي ومال التجارة نهاية زاد العباب وفطرة ا هـ قال شيخنا وليس زكاة الفطر منه ؛ لأن خلاف ابن اللبان فيها ضعيف جدا فلا عبرة به كما قيل وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلافا له حظ من النظر ا هـ .

( قوله : بعد صدقة الفطر ) والمشهور عند المحدثين أن زكاة الأموال فرضت في شوال من السنة المذكورة ، وزكاة الفطر قبل العيد بيومين بعد فرض رمضان إطفيحي ا هـ بجيرمي ( قوله : النقدين ) أي : الذهب والفضة ولو غير مضروب فيشمل التبر ( والأنعام ) أي الإبل والبقر والغنم الإنسية مغني ( باب زكاة الحيوان ) ( قوله : ولأنه إلخ ) الأولى إسقاط الواو ( قوله : أبدل شيخنا إلخ ) أي : وفاقا لأبي شجاع و ( قوله : ثم ذكر إلخ ) أي : وفاقا لشارحه ابن قاسم الغزي و ( قوله : بأنها أعم ) إلخ قال شيخنا ؛ لأنها تشمل كل دابة ا هـ .

( قوله : وليس بصحيح إلخ ) محل تأمل وليس فيما استند إليه إثبات للمدعي لجواز أن يكون كل من المذكورين اقتصر على الأشهر أو على ما أحاط به ، وقد قال الإمام الشافعي : لا يحيط باللغة إلا نبي ، ولو كان عدم الذكر يدل على العدم للزم بطلان [ ص: 210 ] كل من النقلين بصري عبارة ع ش أقول : يمكن الجواب عن كلام الشيخ بأنها أعم عرفا ا هـ .

( قوله : إنها ) أي : الماشية ( قوله : ومنه ) أي : من إطلاقها مساوية له قول المتن ( في النعم ) هو اسم جمع لا واحد له فإن قيل لو حذف المصنف لفظة النعم كان أخصر وأسلم أجيب بأنه أفاد بذكرها تسمية الثلاث نعما مغني ونهاية ( قوله : أناعيم ) كذا في أصله رحمه الله تعالى بعد أن كان أناعم بدون ياء فضرب عليه فليحرر بصري ، وكذا في النهاية والمغني أناعم بلا ياء ( قوله : يذكر ويؤنث ) أي : برجوع الضمير عليه ، وهذا مخالف لقول الجوهري وأسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدمي لزمها التأنيث انتهى ومع ذلك ما ذكره الشارح هو الصحيح عندهم ع ش ( قوله : سميت إلخ ) حقه أن يؤخر عن قول المتن : وهي الإبل إلخ ( قوله : لكثرة إنعام الله إلخ ) أي : لأنها تتخذ للنماء غالبا لكثرة منافعها نهاية ومغني قول المتن ( وهي الإبل والبقر والغنم إلخ ) الإبل بكسر الباء وتسكن للتخفيف اسم جمع لا واحد له من لفظه ويجمع على آبال كحمل وأحمال ، والبقر اسم جنس جمعي واحده بقرة وباقورة للذكر والأنثى فالتاء للوحدة والغنم اسم جنس إفرادي يصدق على القليل والكثير وعلى الذكر والأنثى ، وقيل : اسم جمع لا واحد له من لفظه شيخنا ( قوله : وتقييدها إلخ ) أي : تقييد الغنم بالأهلية لإخراج الظباء غير محتاج إلخ كردي ( قوله : أيضا ) أي : كالبقر ( قوله : فهو إلخ ) أي : وإطلاق الغنم على الظباء قول المتن ( لا الخيل ) هو مؤنث اسم جمع لا واحد له من لفظه يطلق على الذكور والإناث سميت بذلك لاختيالها في مشيها وأوجبها أبو حنيفة في الإناث من الخيل وحدها أو مع الذكور ، والرقيق اسم جنس إفرادي يطلق على الذكر وغيره وعلى الواحد والمتعدد شيخنا ومغني ، وكذا في النهاية إلا قوله وأوجبها إلى والرقيق ( قوله : لغير تجارة ) إلى قوله لكن بالنسبة في النهاية إلا قوله ويأتي إلى ؛ لأنه ، وكذا في المغني إلا قوله : وإنما لزم إلى أما متولد ( قوله جمع ظبي ) ، وهو الغزال نهاية ومغني ( قوله : لأنه ) أي : المتولد ( قوله : وإنما لزم إلخ ) عبارة النهاية ولا ينافيه إيجاب الجزاء على المحرم بقتله للاحتياط ؛ لأن الزكاة مواساة فناسبها التخفيف والجزاء غرامة للمتعدي فناسبه التغليظ ا هـ قال سم قوله : وإنما لزم إلخ يتأمل ا هـ ولعل وجهه أنه لا يتوهم المنافاة هنا حتى يحتاج إلى دفعه بذلك ؛ لأنهم غلبوا في كل من البابين جانب الوحشي ( قوله : بالنسبة للعدد ) أي : كالبقر في هذا المثال ( قوله : كأربعين إلخ ) أي : كما يعتبر السن في أربعين إلخ و ( قوله : فيعتبر بالأكثر ) أي : سنا كردي ( قوله : كما بينته في شرح الإرشاد ) عبارته ثم فيعتبر بالأكثر كما يأتي في الأضحية فلا يخرج هنا إلا ما له سنتان انتهت ا هـ بصري و ع ش زاد سم ، وقد يقال : قياس اعتبار الأخف عددا اعتباره سنا ثم ظاهر الكلام أنه لا فرق في هذا الحكم بين كونه بصورة أحدهما أو لا ا هـ

التالي السابق


الخدمات العلمية