صفحة جزء
( وكونه بقصد فلو وصل جوفه ذباب أو بعوضة ) لم يفطر لكن كثيرا ما يسعى الإنسان في إخراج ذبابة وصلت لحد الباطن وهو خطأ ؛ لأنه حينئذ قيء مفطر نعم إن خشي منها ضررا يبيح التيمم لم يبعد جواز إخراجها ، ووجوب القضاء ( أو غبار الطريق وغربلة الدقيق لم يفطر ) ؛ لأن التحرز عنه من شأنه أن يعسر فخفف فيه كدم البراغيث ، وقضيته أنه لا فرق بين غبار الطريق الطاهر والنجس [ ص: 404 ] وفيه نظر ؛ لأن النجس لا يعسر على الصائم تجنبه ولا بين قليله وكثيره وهو كذلك ؛ لأن الغرض أنه لم يتعمده فإن تعمده بأن فتح فاه عمدا حتى دخل لم يفطر إن قل عرفا ، وقولي حتى دخل هو عبارة المجموع وقضيتها أنه لا فرق بين فتحه ليدخل أو لا ، وبه صرح جمع متقدمون ومتأخرون فقالوا : لو فتح فاه قصدا لذلك لم يفطر على الأصح فما اقتضاه كلام الخادم من أنه مفطر يحمل على الكثير ولو خرجت مقعدة مبسور لم يفطر بعودها ، وكذا إن أعادها كما قاله البغوي والخوارزمي واعتمده جمع متأخرون بل جزم به غير واحد منهم لاضطراره إليه وليس هذا كالأكل جوعا الذي أخذ منه الأذرعي قوله الأقرب إلى كلام النووي وغيره الفطر وإن اضطر إليه كالأكل جوعا ا هـ . لظهور الفرق بينهما بأن الصوم شرع ليتحمل المكلف مشقة الجوع المؤدي إلى صفاء نفسه ففرط جوع يضطر المكلف معه إلى الفطر مع أكله آخر الليل نادر غير دائم كالمرض فجاز به الفطر ولزمه القضاء .

وأما خروج المقعدة فهو من الداء العضال الذي إذا وقع دام فاقتضت الضرورة العفو عنه وأنه لا فطر بما يترتب عليه ومر في قلع النخامة أنه إنما رخص فيه ؛ لأن الحاجة تتكرر إليه وهذه أولى بالحكم منها في ذلك فتأمله ، وعلى المسامحة بها فهل يجب غسلها عما عليها من القذر ؛ لأنه بخروجه معها صار أجنبيا فيضر عوده معها للباطن أو لا ؟ كما لو أخرج لسانه وعليه ريق الآتي بعلته الجارية هنا ؛ لأن ما عليها لم يقارنه معدنه كل محمل والثاني أقرب والكلام كما هو ظاهر حيث لم يضره غسلها [ ص: 405 ] وإلا تعين الثاني قيل جمع الذباب وأفرد البعوضة تأسيا بلفظ القرآن لن يخلقوا ذبابا ، بعوضة فما فوقها ا هـ ويرد بأن ذاك لحكمة لا تأتي هنا فالأولى أن يجاب بأن الذبابة مشتركة بين ما لا يصح هنا بعضه كبقية الدين ففيها إيهام بخلاف الذباب فإنه المعروف أو النحل أو غيرهما مما يصح كله هنا .


حاشية ابن قاسم

( قوله في المتن أو غبار الطريق إلخ ) هل يجري مثل ذلك في الصلاة فلا تبطل به فيه نظر ولا يبعد الجريان ( قوله وقضيته أنه لا فرق ) اعتمده م ر ( قوله وقضيته أنه لا فرق بين غبار الطريق الطاهر والنجس إلخ ) والأوجه الفطر في النجس .

( أقول ) هذا يعارض اعتماد م ر فيما نقله عنه قريبا أنه لا فرق [ ص: 404 ] تأمل ويؤيده أنه لو دميت لثته وبصق حتى صفا ريقه ثم ابتلعه أفطر وقد يفرق ( قوله : وفيه نظر ) فيه أمران : الأول : أنه يتجه أنه لا يضر القليل الحاصل بغير اختيار م ر والثاني : أنه هل يجب غسل الفم منه حينئذ فورا أو يعفى عنه ، فيه نظر وقد جزم بعضهم في شرحه بوجوب الغسل فورا فليراجع فإن كان منقولا وإلا فلا يبعد العفو نعم إن تعمد فتح فاه ليدخل ففي العفو على هذا نظر .

( قوله ولا بين قليله وكثيره ) اعتمده م ر ( قوله فإن تعمده بأن فتح فاه عمدا حتى دخل لم يفطر ) ولو فعل مثل ذلك وهو في الماء فدخل جوفه وكان بحيث لو سد فاه لم يدخل أفطر لقول الأنوار ولو فتح فاه في الماء فدخل جوفه أفطر ويوجه بأن ما مر إنما عفي عنه لعسر تجنبه ، وهذا ليس كذلك وفيه لو وضع شيئا في فيه عمدا أي : لغرض بقرينة ما يأتي ، وابتلعه ناسيا لم يفطر قال م ر وكذا ينبغي أو سبقه ا هـ قوله لو وضع شيئا أي : مما جرت العادة بوضعه في الفم لغرض نحو الحفظ م ر .

ويؤيده قول الدارمي لو كان بفيه أو أنفه ماء فحصل له نحو عطاس فنزل الماء جوفه أو صعد لدماغه لم يفطر ولا ينافيه ما يأتي من الفطر بسبق الماء الذي وضعه في فيه ؛ لأن العذر هنا أظهر وقد مر عدم فطره بالرائحة وبه صرح في الأنوار ويؤخذ منه أن وصول الدخان الذي فيه رائحة البخور أو غيره إلى الجوف لا يفطر به وإن تعمد فتح فيه لأجل ذلك وهو ظاهر وبه أفتى الشمس البرماوي لما تقرر أنها ليست عينا أي : عرفا ؛ إذ المدار هنا عليه وإن كانت ملحقة بالعين في باب الإحرام ألا ترى أن ظهور الريح والطعم ملحق بالعين فيه كما هنا شرح م ر ( قوله إن قل عرفا ) وكذا إن كثر في الأوجه الذي هو ظاهر كلام الأصحاب شرح م ر ( قوله وبه صرح جمع متقدمون ومتأخرون ) أفتى به شيخنا الشهاب الرملي أيضا ( قوله : وكذا إن أعادها إلخ ) اعتمده م ر ( قوله [ ص: 405 ] قيل : جمع الذباب وأفرد البعوضة ) وقيل ؛ لأن البعوضة لما كانت أصغر جرما من الذباب وأسرع دخولا مع أن جمع الذباب مع كبر جرمه وندرة دخوله بالنسبة لها لا يضر علم أن جمع البعوض لا يضر بالأولى فأفرد البعوض وجمع الذباب ليفهم الأول من الثاني بالأولى شرح م ر ( قوله لحكمة لا تأتي هنا ) قد يقال هذا لا يمنع التأسي للتبرك مع عدم فوت المقصود وهو أنه لا فرق بين الواحد من ذلك والأكثر لظهور اتحاد الجنسين في الحكم هنا فتأمله ( قوله : ففيها إيهام ) هذا الإيهام مندفع بذكر الوصول لجوفه .

حاشية الشرواني

قول المتن ( وكونه ) أي : الواصل نهاية ( قوله لم يبعد جواز إخراجها إلخ ) أي كما لو أكل لمرض أو جوع مضر م ر سم على البهجة وينبغي أنه لو شك هل وصلت في وصولها إلى الجوف أم لا فأخرجها عامدا عالما لم يضر بل قد يقال بوجوب الإخراج في هذه الحالة إذا خشي نزولها للباطن كالنخامة الآتية ع ش قول المتن ( أو غبار الطريق إلخ ) هل يجري مثل ذلك في الصلاة فلا تبطل به فيه نظر ولا يبعد الجريان سم وفي فتاوى ابن زياد اليمني بعد بسط كلام ما نصه فتلخص من ذلك أن الماشي لا يكلف إطباق فمه إذا لم يقصد بالفتح دخول الغبار والدقيق جوفه ، ومثل ذلك الدخان المذكور في السؤال أي : فلا يكلف المصلي إطباق فمه بل لا يضر تعمده لفتح فمه إلا إذا قصد به دخول الدخان جوفه ؛ لأنه عين كما ذكروه في النجاسات ، وما أفتى به البرماوي من أنه لا يفطر بوصول الدخان إلى جوفه إذا احتوى على مجمرة البخور يتعين حمله على ما إذا لم يفتح فاه قاصدا وصول الدخان إلى جوفه والله أعلم ا هـ وتقدم عن سم وابن الجمال وشيخنا وغيرهم ما يوافقه من أن الدخان عين يفطر قول المتن ( وغربلة الدقيق ) الغربلة إدارة الحب في الغربال لينتفي خبثه ويبقى طيبه وفي كلام العرب من غربل الناس نخلوه أي : فتش عن أمورهم وأصولهم جعلوه نخالة مغني زاد البجيرمي والمراد بها هنا النخل بدليل إضافتها للدقيق فلو قال نحو دقيق لشملتهما ا هـ والواو في المتن بمعنى أو كما عبر به شرح المنهج قول المتن ( لم يفطر ) أي : وإن أمكنه اجتناب ذلك بإطباق الفم أو غيره نهاية ومغني .

( قوله كدم البراغيث ) أي : المقتولة عمدا نهاية ومغني ( قوله وقضيته ) أي : التشبيه بدم البراغيث ( قوله أنه لا فرق بين غبار الطريق إلخ ) وهو المعتمد م ر ا هـ سم خلافا لابن حج والزيادي حيث قيداه بالطاهر وعبارة سم على البهجة الأوجه اشتراط طهارته فإن كان نجسا أفطر م ر ا هـ وهو ظاهر لا ينبغي للعدول عنه لغلظ أمر النجاسة ولندرة حصوله بالنسبة للطاهر ع ش عبارة الكردي على بافضل الذي اعتمده الشارح في التحفة أن الغبار النجس يضر مطلقا والظاهر أن تعمده بأن فتح فاه حتى دخل عفي عن قليله ، وإن لم يتعمده عفي عنه وإن كثر وأما الجمال الرملي [ ص: 404 ] أي : ومثله المغني فإنه اعتمد في نهايته العفو مطلقا وإن كثر وتعمد ولم يقيده بالطاهر وكذا أطلق في شرح نظم الزبد له وقال تلميذه القليوبي لا يضر ولو كان نجسا وكثيرا ، وأمكنه الاحتراز عنه بنحو إطباق فمه مثلا ا هـ .

( قوله وفيه نظر ) فيه أمران : الأول : أنه يتجه أنه لا يضر القليل الحاصل بغير اختيار م ر والثاني : أنه هل يجب غسل الفم منه حينئذ فورا أو يعفى عنه فيه نظر وقد جزم بعضهم أي : الخطيب في شرحه بوجوب الغسل فورا فليراجع فإن كان منقولا فذاك وإلا فلا يبعد العفو نعم إن تعمد فتح فيه ليدخل ففي العفو على هذا نظر سم على حج أقول الأوجه وجوب الغسل وإن لم يكن منقولا ؛ إذ لا تلازم بين عدم الفطر ، ووجوب الغسل ع ش ( قوله وهو كذلك ) وفاقا للنهاية والمغني .

( قوله فإن تعمده بأن فتح فاه عمدا إلخ ) ولو فعل مثل ذلك وهو في الماء فدخل جوفه وكان بحيث لو سد فاه لم يدخل أفطر لقول الأنوار ولو فتح فاه في الماء فدخل جوفه أفطر وفيه أي : الأنوار لو وضع شيئا في فيه عمدا أي : لغرض بقرينة ما يأتي ، وابتلعه ناسيا لم يفطر ، ويؤيده قول الدارمي لو كان بفيه أو أنفه ماء فحصل له نحو عطاس فنزل به الماء جوفه أو صعد لدماغه لم يفطر ولا ينافي ما يأتي من الفطر بسبق الماء الذي وضعه في فيه أي : لا لغرض ؛ لأن العذر هنا أظهر شرح م ر ا هـ سم .

( قوله : إن قل عرفا ) وظاهر كلام الأصحاب عدم الفرق وهو الأوجه نهاية ومغني أي : بين القليل والكثير سم و ع ش .

( قوله وقضيتها أنه لا فرق إلخ ) اعتمده النهاية والمغني ( قوله وبه صرح جمع متقدمون إلخ ) أفتى به شيخنا الشهاب الرملي أيضا سم على بهجة وفي العباب الجزم بالفطر في هذه الحالة ع ش وتقدم عن فتاوى ابن زياد ما يوافقه ( قوله وكذا إن أعادها إلخ ) أي : وإن توقفت إعادتها على دخول شيء من أصبعه ع ش ( قوله كما قاله البغوي إلخ ) اعتمده النهاية والمغني ( قوله لاضطراره إليه ) أي : إلى الإعادة والرد ( قوله الذي أخذ منه إلخ ) نعت للتشبيه المنفي الذي تضمنه قوله وليس هذا كالأكل جوعا .

( قوله وأنه إلخ ) عطف على العفو ( قوله بما يترتب عليه ) أي : من الإعادة ( قوله في ذلك ) أي : الترخص وعدم الفطر بها وفي بمعنى الباء ( قوله والثاني أقرب إلخ ) قد يقال بل الأول أقرب وقياس ما ذكر على لسان عليه ريق محل تأمل .

أما بالنسبة للغسل فواضح الفساد ؛ إذ الريق لا يجب غسله وأما بالنسبة لضرر العود فلأن ما ذكر بخروجه صار كالأجنبي لوجوب غسله بخلاف الريق ألا ترى أنه لو تنجس ضر بلعه وإن لم يخرج من الفم لصيرورته كالأجنبي ، والحاصل أن الذي يتجه في هذه [ ص: 405 ] المسألة الجزم بوجوب الغسل حيث لا ضرر ؛ إذ لا وجه لعدم الوجوب بوجه وإنما التردد في ضرر العود والأقرب منه أنه يضر لما تقرر من صيرورته كالأجنبي بصري وظاهر أن التردد فيما يزول بالغسل بخلاف الدم السائل منها فلا يجب غسلها عنه فإنه لا ينقطع بالغسل ( قوله قيل إلخ ) وافقه النهاية والمغني ( قوله جمع الذباب إلخ ) وفي أدب الكاتب لابن قتيبة أن الذباب مفرد وجمعه ذبان كغراب وغربان وعليه فلا حاجة بل لا وجه لما ذكره الشارح وعبارة البيضاوي في الآية والذباب من الذب ؛ لأنه يذب وجمعه أذبة وذبان انتهت ا هـ رشيدي .

( قوله تأسيا بلفظ القرآن ) أي : ولأن البعوضة لما كانت أصغر جرما من الذباب وأسرع دخولا مع أن جمع الذباب مع كبر جرمه وندرة دخوله بالنسبة لها لا يضر علم أن جمع البعوض لا يضر بالأولى فأفرد البعوض وجمع الذباب لفهم الأول من الثاني بالأول نهاية وقد يقال بعد تسليم قوله وأسرع دخولا وقوله وندرة دخوله إلخ أن مقتضى هذا التعليل أن يترك البعوضة بالكلية .

( قوله { لن يخلقوا } إلخ ) أي : وهو قوله تعالى { لن يخلقوا ذبابا } وقوله تعالى { بعوضة فما فوقها } مغني ( قوله لحكمة لا تأتي هنا ) قد يقال هذا لا يمنع التأسي للتبرك مع عدم فوات المقصود هنا وهو أنه لا فرق بين الواحد من ذلك والأكثر لظهور اتحاد الجنسين في الحكم هنا فتأمله سم ( قوله بين ما لا يصح إلخ ) أي : بين معان لا يصح إلخ ( قوله ففيها الإيهام ) هذا الإيهام مندفع بذكر الوصول لجوفه سم .

التالي السابق


الخدمات العلمية