صفحة جزء
( وأما غيره فميقات المتوجه من المدينة ذو الحليفة ) تصغير الحلفة بفتح أوله واحدة الحلفاء نبات معروف ، وهو المسمى الآن بأبيار علي كرم الله وجهه لزعم العامة أنه قاتل الجن فيها على نحو ثلاثة أميال من المدينة ( ومن الشام ( ومصر والمغرب الميقات ) ) إذا لم يسلكوا طريق تبوك ( ومصر والمغرب الجحفة ) ، وهي بعيد رابغ شرقي المتوجه إلى مكة نحو خمس مراحل من مكة والإحرام من رابغ الذي اعتيد ليس مفضولا لكونه قبل الميقات ؛ لأنه لضرورة انبهام الجحفة على أكثر الحجاج ولعدم مائها ، فإن قلت كيف جعلت ميقاتا مع نقل حمى المدينة أنها أوائل الهجرة لكونها مسكن اليهود بدعائه صلى الله عليه وسلم حتى لو مر بها طائر حم قلت ما علم من قواعد الشرع أنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر بما فيه ضرر يوجب حمل ذلك على أنها انتقلت إليها مدة مقام اليهود بها ثم زالت بزوالهم من الحجاز أو قبله حين التوقيت بها .

( ومن تهامة اليمن يلملم ومن نجد اليمن ونجد الحجاز قرن ) [ ص: 40 ] بإسكان الراء ( ومن المشرق ) العراق وغيره ( ذات عرق ) ويسن لهم الإحرام من العقيق قبيلها لخبر فيه ضعيف وكل من الثلاثة على مرحلتين من مكة وذلك للنص الصحيح في الكل حتى ذات عرق وتوقيت عمر رضي الله عنه بها اجتهاد وافق النص وعبر بالمتوجه ليوافق الخبر { هن لهن } أي لأهلهن { ولمن أتى عليهن من غير أهلهن } ممن أراد الحج والعمرة ويستثنى مما ذكر الأجير ، فإنه يحرم من مثل مسافة ميقات من أحرم عنه إن كان أبعد من ميقاته ، فإن أحرم من ميقات أقرب فوجهان أحدهما عليه دم الإساءة والحط ورجحه البغوي وآخرون والثاني لا شيء عليه وعليه الأكثرون ونقل عن النص وأنه علله بأن الشرع سوى بين المواقيت ورجحه الأذرعي ، لكن مفهوم قول الروضة وأصلها إذا عدل أجير عن ميقات معين لفظا أو شرعا إلى آخر مساو له أو أبعد لا شيء عليه أنه إذا كان أقرب عليه شيء وبه يترجح الوجه الأول .

قال الإسنوي وفرع المحب الطبري [ ص: 41 ] على ذلك فرعا طويلا في مكي استؤجر عن آفاقي بحج أو عمرة فأحرم من مكة وترك ميقات المستأجر عنه فعلى الوجه الأول يلزمه ما مر بالأولى وعلى مقابله يحتمل وجهين أحدهما لا شيء عليه ؛ لأن مكة ميقات شرعي وأصحهما عليه دم الإساءة والحط ، وإن عينها له الولي في الإجارة ولو شرط عليه ميقات أبعد لزمه منه اتفاقا


حاشية ابن قاسم

( قوله : ليوافق الخبر ) فيه أنه لا يشمل المتوجه .

( قوله : أهلهن ) والخبر يشمل ذلك صريحا .

( قوله : ورجحه الأذرعي ) عبارة حاشية الإيضاح قال الأذرعي والظاهر أنه المذهب ثم استشكله بأن مقتضى اعتبار بلد المحجوج عنه أنه لا يجوز العدول إلى أقرب منه وأنه لو كان ميقاته أقرب من ميقات طريقه جاز له مجاوزته بلا إحرام إلى محاذاة ميقات بلد المحجوج عنه ثم قال ولا أراهم يسمحون بذلك وأجيب عن الأول بأنه إنما يجيء ذلك لو سلك طريق بلد [ ص: 41 ] المحجوج عنه وإلا فلا لما ذكره الشافعي وعن الثاني بأنهم لم يسمحوا بذلك لأجل مروره على ميقات شرعي لا نظرا لجانب المحجوج عنه ا هـ وقضية الجواب عن الثاني التزام أنهم لا يسمحون بما ذكر وعلى هذا فيحتمل أن يؤخذ منه أنه لو استأجر مصري بمصر عن مكي مات بمكة أو عضب بها ، وهو مقيم بها بعد امتنع عليه مجاوزة الجحفة للإحرام من مكة التي هي ميقات المحجوج عنه ؛ لأن ذلك نظير ما لو استأجر مدني عن مصري حيث يمتنع عليه مجاوزة ذي الحليفة للإحرام من الجحفة كما اقتضاه هذا الجواب ويحتمل أن يفرق بأن المحجوج عنه في صورتنا لم يكن يلزمه قطع المسافة التي قبل ميقاته فلم يلزم نائبه ذلك فلم يلزمه الإحرام قبل ميقات المحجوج عنه على أنه كان يمكن في الجواب عن الثاني التزام أنهم يسمحون بما ذكر كما هو قضية عبارتهم إلا أن يوجد نقل عنهم بخلاف ذلك ( تنبيه ) قال في المجموع لا يشترط أي في صحة الاستئجار ذكر الميقات ويحمل على ميقات تلك البلدة في العادة الغالبة ا هـ . قال الشارح في شرح العباب وكأنه قصد بهذا رد طريقة ضعيفة حكاها بعد ، وهي إن كان للبلد طريقان مختلفا الميقات أو طريق يفضي إلى ميقاتين كالعقيق وذات عرق لأهل العراق وكالجحفة وذي الحليفة لأهل الشام ، فإنهم تارة يمرون بهذا وتارة يمرون بهذا اشترط بيانه وإلا فلا ا هـ . والراجح لا يشترط ويحمل على ميقات بلد المحجوج عنه في العادة الغالبة ا هـ . ويبقى الكلام في حال الاستواء ويحتمل أنه يتخير وأن يعتبر ما سلكه بالفعل ومن هنا يعلم حكم أجير أهل الروم الذين تارة يمرون على مصر وتارة على الشام

حاشية الشرواني

قول المتن ( وأما غيره إلخ ) ، وهو من لم يكن بمكة عند إرادته الحج نهاية قول المتن ( ذو الحليفة ) أي : إن سلك طريقها وإلا بأن سلك طريق الجحفة فهي ميقاته إن مر بعين الجحفة ونائي .

( قوله : بفتح أوليه إلخ ) قال في المختار كقصبة وطرفة وقال الأصمعي حلفة بكسر اللام انتهى ا هـ ع ش .

( قوله : لزعم العامة إلخ ) أي : ولا أصل له كردي على بافضل بل تنسب إليه لكونه حفرها باعشن .

( قوله : على نحو ثلاثة أميال إلخ ) وتصحيح المجموع وغيره أنها على ستة أميال لعله باعتبار أقصى عمران المدينة وحدائقها من جهة تبوك أو خيبر والرافعي أنها على ميل لعله باعتبار عمرانها الذي كان من جهة الحليفة ، وهي أبعد المواقيت من مكة نهاية عبارة المغني قال الشيخان ، وهو على نحو عشر مراحل من مكة فهي أبعد المواقيت من مكة ا هـ قول المتن ( ومن الشام ) بالهمز والقصر ويجوز ترك الهمز والمد مع فتح الشين ضعيف وأوله نابلس وآخره العريش قاله ابن حبان وقال غيره حده طولا من العريش إلى الفرات وعرضا من جبل طي من نحو القبلة إلى بحر الروم وما سامت ذلك من البلاد ، وهو مذكر على المشهور نهاية ومغني .

( قوله : إذا لم يسلكوا طريق تبوك ) سكت عن ميقاتهم إذا سلكوها وقضية قول الإيعاب في الإيجار للحج ، وإن كان للبلد طريقان مختلفا الميقاتكالجحفة وذي الحليفة لأهل الشام ، فإنهم تارة يمرون بهذا وتارة يمرون بهذا فالراجح لا يشترط بيان الميقات ويحمل على ميقات المحجوج عنه في العادة الغالبة ا هـ أنه ذو الحليفة .

( قوله : ومصر ) وهي المدينة المعروفة تذكر وتؤنث وحدها طولا من برقة التي في جنوب البحر الرومي إلى أيلة ومسافة ذلك قريب أربعين يوما وعرضه من مدينة أسوان وما سامتها من الصعيد الأعلى إلى رشيد وما حاذاها من مساقط النيل في بحر الروم ومسافة ذلك قريب من ثلاثين يوما سميت باسم من سكنها أولا ، وهو مصر بن نوح نهاية وفي المغني وحاشية شيخنا على الغزي مثله إلا أنهما زادا ابن سام قبل ابن نوح قول المتن ( الجحفة ) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة ، وهي قرية كبيرة بين مكة والمدينة على خمسين فرسخا كما قاله الرافعي وهي أوسط المواقيت سميت بذلك ؛ لأن السيل أجحفها أي : أزالها فهي الآن خراب ولذلك بدلوها الآن برابغ شيخنا ونهاية ومغني .

( قوله : وهي بعيد رابغ إلخ ) تصغير بعد فالإحرام من رابغ حرام قبل الميقات وبينهما قريب من نصف يوم كردي على بافضل .

( قوله : والإحرام ) إلى قوله ، فإن قلت في النهاية .

( قوله : لكونه إلخ ) متعلق بمفضولا و ( قوله : ؛ لأنه إلخ ) متعلق بليس إلخ .

( قوله : ؛ لأنه لضرورة انبهام الجحفة إلخ ) قال الشيخ أبو الحسن البكري فلو عرف واحد عينها يقينا كان توجهه إلى الإحرام منها أفضل انتهى وبمحاذاتها من الطريق بني علمان في زماننا عن يمين الطريق واحد والآخر عن يسارها كردي على بافضل .

( قوله : بدعائه إلخ ) متعلق بقوله نقل إلخ ( قوله ثم زالت ) ينبغي الاقتصار على هذا وحذف قوله بزوالهم إلخ ؛ لأنه لا يدفع إشكال بصري .

( قوله : أو قبله ) أي قبل زوالهم إلخ .

( قوله : حين التوقيت إلخ ) وقد { أقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت عام حجه } نهاية ومغني قول المتن ( ومن تهامة اليمن ) أي : من الأرض المنخفضة من أرض اليمن فالتهامة اسم للأرض المنخفضة ويقابلها نجد ، فإن معناه الأرض المرتفعة واليمن الذي هو إقليم معروف مشتمل على نجد وتهامة وفي الحجاز مثلهما وهما المرادان عند الإطلاق شيخنا ونهاية ومغني إلا أن الآخرين قالا إذا أطلق نجد فالمراد نجد الحجاز ا هـ قول المتن .

( قرن ) جبل عند الطائف على مرحلتين من مكة قيل والمحرم الآن مسيل معروف محاذ لبعض الجبال ثم لكن لا يعرف من جهة مكة ا هـ وعليه فيتعين الاحتياط كذا في الفتح ونائي قول المتن ( يلملم ) بالتحتية المفتوحة ويقال ألملم ويرمرم جبل من [ ص: 40 ] جبال تهامة جنوبي مكة مشهور في زماننا بالسعدية بينه وبين مكة مرحلتان كردي .

( قوله : بإسكان الراء ) أي : وقول الصحاح بفتحها وأن أويسا القرني منها مردود ، وإنما هو منسوب لقبيلة من مراد كما ثبت في مسلم قال المناوي في مناسكه جبل أملس كأنه بيضة في تدويره مطل على عرفة كردي على بافضل وكذا في النهاية والمغني إلا قوله قال المناوي إلخ .

( قوله : وغيره ) أي : كخراسان ونائي قول المتن ( ذات عرق ) هي جبل قبيل السيل للآتي من جهة المشرق بعد وادي العقيق على مرحلتين تقريبا ونائي .

( قوله : وكل من الثلاثة إلخ ) كذا في النهاية والمغني وقال الونائي يلملم جبل من تهامة على مرحلتين ونصف ا هـ .

( قوله : اجتهاد وافق النص ) مراده به الجمع بين ما وقع للأصحاب من الخلاف في أن ذلك بالنص أو باجتهاد عمر رضي الله عنه كما حكاه الأذرعي فكأنه يقول لا خلاف بين الأصحاب في المغني رشيدي .

( قوله : { هن لهن } إلخ ) بدل من الخبر .

( قوله : أي لأهلهن ) والخبر يشمل ذلك صريحا سم .

( قوله : ويستثنى ) إلى قوله ، فإن أحرم في النهاية والمغني .

( قوله : الأجير ) أي والمتبرع ونائي .

( قوله : من مثل مسافة ميقات من أحرم عنه ) عبارة النهاية والمغني من ميقات المنوب عنه مر بغير ذلك الميقات أحرم من موضع بإزائه إذا كان أبعد من ذلك الميقات من مكة حكاه في الكفاية عن الفوراني وأقره ا هـ قال ع ش قوله م ر من ميقات المنوب عنه أي : أو ما قيد به من أبعد كما يعلم من كتاب الوصية انتهى شرح المنهج أقول ، فإن جاوزه بغير إحرام فالأقرب أنه إن أحرم من مثله فلا دم عليه وإلا فعليه دم وفي حج ما يوافقه أما لو عين له مكان ليس ميقاتا لأحد كأن قال له أحرم من مصر فهل يلزمه دم بمجاوزته أم لا فيه نظر والظاهر عدم اللزوم لكن يحط قسط من المسمى باعتبار أجرة المثل ، فإن كان أجرة مثل المدة بتمامها من مصر مثلا عشرة ومن الموضع الذي أحرم منه تسعة حط من المسمى عشره ا هـ عبارة الونائي ويلزم الأجير لحج أو عمرة أن يحرم مما عين له في العقد إن كان أبعد من ميقات المحجوج عنه ، فإن كان مثله لم يتعين فله الإحرام من الميقات وأبعد منه ، فإن أحرم من دون ميقات مستأجره ولو من ميقات آخر أساء ولزمه العود إلى ميقات المستأجر ، فإن لم يعد إليه ولو لعذر فعليه الدم ويحط من الأجرة ما يقابل المسافة المتروكة باعتبار السير والأعمال ، فإن شرط عليه أن يحرم بعد الميقات فسد العقد ، فإن فعل وقع المستأجر بأجرة المثل للإذن والدم على المعضوب أو الولي المستأجر عن الميت إذ هو مقصر بتعيين ذلك وكذا المتبرع فلو استؤجر مكي أو تبرع عن ميت آفاقي بحج أو عمرة حرم عليه أن يحرم من مكة وفيه ما ذكر أي : الحط والدم ا هـ . قال باعشن قوله ولو من ميقات آخر إلخ أي : الأعلى ما عليه الجمال الطبري وتبعه في مواضع من الإيعاب والحاشية فيكفي ولا دم ولا حط وقوله فعليه الدم إلخ أي على المعتمد خلافاللجمال الطبري وقوله حرم عليه أن يحرم من مكة إلخ هذا على المعتمد ومر عن الجمال الطبري أن العبرة بميقات الأجير قال في المنح ومشى عليه جمع متقدمون ا هـ باعشن عبارة الرئيس قوله وفيه ما ذكر أي خلافا للجمال الطبري وجماعة حيث قالوا ميقاته ميقات الأجير أو المتبرع ا هـ .

( قوله : وأنه علله بأن إلخ ) أي ونقل أن النص علله إلخ ( قوله مفهوم قول الروضة إلخ ) مبتدأ خبره قوله أنه إذا كان إلخ كردي .

( قوله : عليه شيء ) خبر أنه إلخ ( قوله وبه إلخ ) بهذا المفهوم ( قوله يترجح الوجه الأول ) هذا اعتمده الشارح في معظم كتبه وشيخ الإسلام والخطيب والجمال الرملي وغيرهم واعتمد الشارح في مواضع من حاشية الإيضاح والإيعاب الاكتفاء بميقات آفاقي يمر عليه الأجير ، وإن كان أقرب من ميقات المحجوج عنه واعتمده سم في شرح أبي شجاع كردي على بافضل وأقول إنما يظهر الترجيح بذلك فيما إذا كان التعيين لفظيا بأن عينوا في العقد ميقات المحجوج عنه بخلاف ما إذا كان شرعيا بأن لم يتعرضوا للميقات ، فإنه لا عدول حينئذ ، فإن ميقات الأجير [ ص: 41 ] ميقات شرعي أيضا .

( قوله : على ذلك ) أي : الخلاف المذكور .

( قوله : في مكي ) أي : فيمن كان بمكة ولو آفاقيا .

( قوله : من مكة ) أي : أو من نحو التنعيم ( قوله فعلى الوجه الأول ) أي الذي رجحه البغوي ( قوله ما مر ) أي : من الدم والحط .

( قوله : بالأولى ) أي : ؛ لأن مكة ليست ميقاتا لغير من فيها .

( قوله : وعلى مقابله ) أي الذي رجحه الأذرعي .

( قوله : أحدهما لا شيء عليه ) عبارة باعشن وقضية ما تقرر من جواز العدول للأقرب أن المكي لو استؤجر للحج عن آفاقي جاز الإحرام من مكة ولا شيء عليه واعتمده الجمال الطبري لكن اعتمد المحب الطبري لزوم الخروج إلى الميقات ولو أقرب من ميقات المنوب عنه على ما تقدم من جواز العدول ، فإن خالف لزمه الدم والحط ا هـ ولا يسع لأهل مكة إلا تقليد ما اعتمده الجمال الطبري وإلا فيأثمون عند عدم الخروج إلى الميقات بترك الدم وترك الحط .

( قوله : وإن عينها له الولي إلخ ) بل هو مفسد للعقد كما مر عن الونائي ( قوله ولو شرط عليه ميقات إلخ ) والحاصل أن العبرة بالأبعد من ميقات الأجير وميقات المناب عنه وما شرطه فيجب الأبعد من هذه الثلاثة وأنه يتخير في حالة الاستواء وأن له العدول عما وجب من ميقات شرعي أو نذري أو شرطي إلى مثله في المسافة فيحرم منه ، وإن لم يكن ميقاتا باعشن

التالي السابق


الخدمات العلمية