وهذه وصيته لموسى حين قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا [ الكهف : 78 ] . روي في ذلك آثار منقطعة كثيرة . قال البيهقي بسنده عن أبو عبد الله الملطي ، قال : لما أراد موسى أن يفارق الخضر ، قال له موسى : أوصني . قال : كن نفاعا ولا تكن ضرارا ، كن بشاشا ولا تكن غضبان ، ارجع عن اللجاجة ، ولا تمش في غير حاجة . وفي رواية من طريق أخرى زيادة : ولا تضحك إلا من عجب . وقال وهب بن منبه قال الخضر : يا موسى ، إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها . وقال بشر بن الحارث الحافي : قال موسى للخضر : أوصني . فقال : يسر الله عليك طاعته . وقد ورد في ذلك حديث مرفوع ، رواه ابن عساكر ، بسنده عن أبو سعيد الخدري : قال عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال أخي موسى : يا رب . ذكر كلمة ، فأتاه الخضر ، وهو فتى طيب الريح ، حسن بياض الثياب ، مشمرها ، فقال : السلام عليك ورحمة الله يا موسى بن عمران ، إن ربك يقرأ عليك السلام . قال موسى : هو السلام ، وإليه السلام ، والحمد لله رب العالمين ، الذي لا أحصي نعمه ، ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته ، ثم قال موسى : أريد أن توصيني بوصية ، ينفعني الله بها بعدك . فقال الخضر : يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة من المستمع ، فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم ، واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعاءك؟ واعزف عن الدنيا وأنبذها وراءك ، فإنها ليست لك بدار ، ولا لك فيها محل قرار . وإنما جعلت بلغة للعباد ، والتزود منها ليوم المعاد . ورض نفسك على الصبر ، تخلص من الإثم ، يا موسى تفرغ للعلم إن كنت تريده ، فإنما العلم لمن تفرغ له ، ولا تكن مكثارا بالمنطق مهدارا; فإن كثرة المنطق تشين العلماء ، وتبدي مساوئ السخفاء ، ولكن عليك بالاقتصاد ، فإن ذلك من التوفيق والسداد ، وأعرض عن الجهال وباطلهم ، واحلم عن السفهاء ، فإن ذلك فعل الحكماء ، وزين العلماء ، إذا شتمك الجاهل فاسكت عنه حلما ، وجانبه حزما; فإن ما بقي من جهله عليك ، وسبه إياك أكثر وأعظم . يا ابن عمران ، ولا تر أنك أوتيت من العلم إلا قليلا; فإن الاندلاث والتعسف ، من الاقتحام والتكلف ، يا ابن عمران لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه ، ولا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه . يا ابن عمران من لا تنتهي من الدنيا نهمته ، ولا تنقضي منها رغبته ، كيف يكون عابدا؟! ومن يحقر حاله ويتهم الله فيما قضى له ، كيف يكون زاهدا؟! هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه ، أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه; لأن سعيه إلى آخرته ، وهو مقبل على دنياه؟! يا موسى تعلم ما تعلمت لتعمل به ، ولا تعلمه لتحدث به ، فيكون عليك بواره ولغيرك نوره . يا موسى بن عمران ، اجعل الزهد والتقوى لباسك ، والعلم والذكر كلامك ، واستكثر من الحسنات ، فإنك مصيب السيئات ، وزعزع بالخوف قلبك ، فإن ذلك يرضي ربك ، واعمل خيرا فإنك لا بد عامل سوءا . قد وعظت إن حفظت قال : فتولى الخضر ، وبقي موسى محزونا مكروبا يبكي .

لا يصح هذا الحديث ، وأظنه من صنعة زكريا بن يحيى الوقار المصري ، كذبه غير واحد من الأئمة ، والعجب أن الحافظ ابن عساكر سكت عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية