قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وقدمنا في قصة يحيى بن زكريا عن بعض السلف أن عيسى ، عليه السلام ، كان يلبس الشعر ويأكل من ورق الشجر ، ولا يأوي إلى منزل ولا أهل ولا مال ، ولا يدخر شيئا لغد . وقال بعضهم : كان يأكل من غزل أمه ، صلوات الله وسلامه عليه .

وروى ابن عساكر بسنده عن الشعبي ، أنه قال : كان عيسى عليه السلام ، إذا ذكر عنده الساعة صاح ، ويقول : لا ينبغي لابن مريم أن تذكر عنده الساعة ويسكت . وعن عبد الملك بن سعيد بن أبجر ، أن عيسى كان إذا سمع الموعظة صرخ صراخ الثكلى .

وعن جعفر بن برقان : أن عيسى كان يقول : اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ، ولا أملك نفع ما أرجو ، وأصبح الأمر بيد غيري ، وأصبحت مرتهنا بعملي ، فلا فقير أفقر مني ، اللهم لا تشمت بي عدوي ، ولا تسؤ بي صديقي ، ولا تجعل مصيبتي في ديني ، ولا تسلط علي من لا يرحمني . وقال الفضيل بن عياض عن يونس بن عبيد كان عيسى يقول : لا يصيب أحد حقيقة الإيمان حتى لا يبالي من أكل الدنيا . قال الفضيل : وكان عيسى يقول : فكرت في الخلق ، فوجدت من لم يخلق أغبط عندي ممن خلق .

وعن الحسن ، قال : إن عيسى رأس الزاهدين يوم القيامة . قال : وإن الفرارين بذنوبهم يحشرون يوم القيامة مع عيسى . قال : وبينما عيسى يوما نائم على حجر قد توسده ، وقد وجد لذة النوم ، إذ مر به إبليس ، فقال : يا عيسى ، ألست تزعم أنك لا تريد شيئا من عرض الدنيا ؟ فهذا الحجر من عرض الدنيا . فقام عيسى فأخذ الحجر فرمى به إليه ، وقال : هذا لك مع الدنيا . وقال معتمر بن سليمان : خرج عيسى على أصحابه ، وعليه جبة صوف وكساء وتبان ، حافيا باكيا شعثا ، مصفر اللون من الجوع ، يابس الشفتين من العطش ، فقال : السلام عليكم يا بني إسرائيل ، أنا الذي أنزلت الدنيا منزلتها بإذن الله ، ولا عجب ولا فخر ، أتدرون أين بيتي ؟ قالوا : أين بيتك يا روح الله ؟ قال : بيتي المساجد ، وطيبي الماء ، وإدامي الجوع ، وسراجي القمر بالليل ، وصلاتي في الشتاء مشارق الشمس ، وريحاني بقول الأرض ، ولباسي الصوف ، وشعاري خوف رب العزة ، وجلسائي الزمنى والمساكين ، أصبح وليس لي شيء ، وأمسي وليس لي شيء ، وأنا طيب النفس غني مكثر ، فمن أغنى مني وأربح ؟ رواه ابن عساكر .

وعن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : أوحى الله تعالى إلى عيسى ، أن يا عيسى انتقل من مكان إلى مكان ، لئلا تعرف فتؤذى ، فوعزتي وجلالي ، لأزوجنك ألف حوراء ، ولأولمن عليك أربعمائة عام . وهذا حديث غريب رفعه ، وقد يكون موقوفا من رواية شفي بن ماتع عن كعب الأحبار أو غيره من الإسرائيليين . والله أعلم .

وعن خلف بن حوشب قال : قال عيسى للحواريين : كما ترك لكم الملوك الحكمة ، فكذلك فاتركوا لهم الدنيا .

وقال قتادة : قال عيسى ، عليه السلام : سلوني فإني لين القلب ، وإني صغير عند نفسي . وعن ابن عمر قال : قال عيسى ، عليه السلام ، للحواريين : كلوا خبز الشعير ، واشربوا الماء القراح ، واخرجوا من الدنيا سالمين آمنين ، لحق ما أقول لكم : إن حلاوة الدنيا مرارة الآخرة ، وإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة ، وإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين ، لحق ما أقول لكم : إن شركم عالم يؤثر هواه على علمه ، يود أن الناس كلهم مثله .

وقال أبو مصعب ، عن مالك : إنه بلغه أن عيسى كان يقول : يا بني إسرائيل ، عليكم بالماء القراح ، والبقل البري ، والخبز الشعير ، وإياكم وخبز البر ، فإنكم لن تقوموا بشكره .

وعن يحيى بن سعيد ، قال : كان عيسى يقول : اعبروا الدنيا ولا تعمروها . وكان يقول : حب الدنيا رأس كل خطيئة ، والنظر يزرع في القلب الشهوة . وحكى وهيب بن الورد مثله ، وزاد : ورب شهوة أورثت أهلها حزنا طويلا . وعن عيسى ، عليه السلام : يا ابن آدم الضعيف ، اتق الله حيثما كنت ، وكن في الدنيا ضيفا ، واتخذ المساجد بيتا ، وعلم عينك البكاء ، وجسدك الصبر ، وقلبك التفكر ، ولا تهتم برزق غد ، فإنها خطيئة . وعنه ، عليه السلام ، أنه قال : كما أنه لا يستطيع أحدكم أن يتخذ على موج البحر دارا ، فلا يتخذ الدنيا قرارا . وفي هذا يقول سابق البربري :


لكم بيوت بمستن السيول وهل يبقى على الماء بيت أسه مدر

وقال سفيان الثوري : قال عيسى ابن مريم : لا يستقيم حب الدنيا وحب الآخرة في قلب مؤمن ، كما لا يستقيم الماء والنار في إناء . وعن أبي عبد الله الصوفي ، قال : قال عيسى : طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر ، كلما ازداد شربا ازداد عطشا ، حتى يقتله . وعن عيسى ، عليه السلام ، أن الشيطان مع الدنيا ، ومكره مع المال ، وتزيينه مع الهوى ، واستمكانه عند الشهوات . وقال الأعمش ، عن خيثمة : كان عيسى يصنع الطعام لأصحابه ويقوم عليهم ، ويقول : هكذا فاصنعوا بالقرى . وبه : قالت امرأة لعيسى ، عليه السلام : طوبى لحجر حملك ، ولثدي أرضعك . فقال : طوبى لمن قرأ كتاب الله واتبعه . وعنه : طوبى لمن بكى من ذكر خطيئته ، وحفظ لسانه ، ووسعه بيته . وعنه : طوبى لعين نامت ، ولم تحدث نفسها بالمعصية ، وانتبهت إلى غير إثم . وعن مالك بن دينار ، قال : مر عيسى وأصحابه بجيفة ، فقالوا : ما أنتن ريحها . فقال : ما أبيض أسنانها . لينهاهم عن الغيبة . وعن زكريا بن عدي ، قال : قال عيسى ابن مريم : يا معشر الحواريين ، ارضوا بدني الدنيا مع سلامة الدين ، كما رضي أهل الدنيا بدني الدين مع سلامة الدنيا . قال زكريا : وفي ذلك يقول الشاعر :


أرى رجالا بأدنى الدين قد قنعوا     ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما     استغنى الملوك بدنياهم عن الدين

وقال أبو مصعب ، عن مالك : قال عيسى ابن مريم ، عليه السلام : لا تكثروا الحديث بغير ذكر الله ، فتقسو قلوبكم ، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون ، ولا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب ، وانظروا فيها كأنكم عبيد ، فإنما الناس رجلان : معافى ومبتلى ، فارحموا أهل البلاء ، واحمدوا الله على العافية .

وقال الثوري : سمعت أبي يقول ، عن إبراهيم التيمي ، قال : قال عيسى لأصحابه : بحق أقول لكم : من طلب الفردوس ، فخبز الشعير له ، والنوم في المزابل مع الكلاب كثير .

وقال مالك بن دينار : قال عيسى : إن أكل الشعير مع الرماد ، والنوم على المزابل مع الكلاب لقليل في طلب الفردوس .

وعن سالم بن أبي الجعد ، قال : قال عيسى : اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم ، انظروا إلى هذه الطير تغدو وتروح ، لا تحرث ولا تحصد ، والله يرزقها ، فإن قلتم : نحن أعظم بطونا من الطير . فانظروا إلى هذه الأباقر من الوحوش والحمر ، فإنها تغدو وتروح لا تحرث ولا تحصد ، والله يرزقها .

وعن يزيد بن ميسرة ، قال : قال الحواريون للمسيح : يا مسيح الله ، انظر إلى مسجد الله ما أحسنه . قال : آمين آمين ، بحق أقول لكم : لا يترك الله من هذا المسجد حجرا قائما إلا أهلكه بذنوب أهله ، إن الله لا يصنع بالذهب ولا بالفضة ، ولا بهذه الأحجار التي تعجبكم شيئا ، إن أحب إلى الله منها القلوب الصالحة ، وبها يعمر الله الأرض ، وبها يخرب الله الأرض إذا كانت على غير ذلك .

وعن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : مر عيسى ، عليه السلام ، على مدينة خربة فأعجبه البنيان ، فقال : أي رب ، مر هذه المدينة أن تجيبني . فأوحى الله إلى المدينة أيتها المدينة الخربة جاوبي عيسى . قال : فنادت المدينة عيسى : حبيبي ، وما تريد مني ؟ قال : ما فعل أشجارك ، وما فعل أنهارك ، وما فعل قصورك ، وأين سكانك ؟ قالت : حبيبي ، جاء وعد ربك الحق ، فيبست أشجاري ، ونشفت أنهاري ، وخربت قصوري ، ومات سكاني . قال : فأين أموالهم ؟ قالت : جمعوها من الحلال والحرام موضوعة في بطني ، لله ميراث السماوات والأرض . قال : فنادى عيسى ، عليه السلام : فعجبت من ثلاث أناس : طالب الدنيا والموت يطلبه ، وباني القصور والقبر منزله ، ومن يضحك ملء فيه والنار أمامه ، ابن آدم ، لا بالكثير تشبع ، ولا بالقليل تقنع ، تجمع مالك لمن لا يحمدك ، وتقدم على رب لا يعذرك ، إنما أنت عبد بطنك وشهوتك ، وإنما تملأ بطنك إذا دخلت قبرك ، وأنت يا ابن آدم ترى حشد مالك في ميزان غيرك . هذا حديث غريب جدا ، وفيه موعظة حسنة ، فكتبناه لذلك .

وعن إبراهيم التيمي ، قال : قال عيسى ، عليه السلام : يا معشر الحواريين ، اجعلوا كنوزكم في السماء ، فإن قلب الرجل حيث كنزه . وعن عبد العزيز بن ظبيان ، قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : من تعلم وعلم وعمل ، دعي عظيما في ملكوت السماء . وقال أبو كريب : روي أن عيسى ، عليه السلام ، قال : لا خير في علم لا يعبر معك الوادي ، ولا يعمر بك النادي .

وروى ابن عساكر ، بإسناد غريب عن ابن عباس مرفوعا ، أن عيسى ، عليه السلام ، قام في بني إسرائيل فقال : يا معشر الحواريين ، لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها ، فتظلموهم ، والأمور ثلاثة : أمر تبين رشده فاتبعوه ، وأمر تبين غيه فاجتنبوه ، وأمر اختلف عليكم .

فيه فردوا علمه إلى الله ، عز وجل وعن عكرمة ، قال : قال عيسى : لا تطرحوا اللؤلؤ إلى الخنزير ; فإن الخنزير لا يصنع باللؤلؤ شيئا ، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها ; فإن الحكمة خير من اللؤلؤ ، ومن لا يريدها شر من الخنزير . وكذا حكى وهب وغيره عنه . وعنه أنه قال لأصحابه : أنتم ملح الأرض ، فإذا فسدتم فلا دواء لكم ، وإن فيكم خصلتين من الجهل : الضحك من غير عجب ، والصبحة من غير سهر . وعنه أنه قيل له : من أشد الناس فتنة ؟ قال : زلة العالم ، فإن العالم إذا زل يزل بزلته عالم كثير . وعنه أنه قال : يا علماء السوء جعلتم الدنيا على رءوسكم ، والآخرة تحت أقدامكم ، قولكم شفاء وعملكم داء ، مثلكم مثل شجرة الدفلى ، تعجب من رآها ، وتقتل من أكلها . وقال وهب : قال عيسى : يا علماء السوء ، جلستم على أبواب الجنة ، فلا أنتم تدخلونها ، ولا تدعون المساكين يدخلونها ، إن شر الناس عند الله عالم يطلب الدنيا بعلمه . وقال مكحول : التقى يحيى وعيسى ، فصافحه عيسى ، وهو يضحك ، فقال له يحيى : يا ابن خالة ، ما لي أراك ضاحكا كأنك قد أمنت . فقال له عيسى : ما لي أراك عابسا كأنك قد يئست . فأوحى الله إليهما : إن أحبكما إلي أبشكما بصاحبه . وقال وهب بن منبه : وقف عيسى هو وأصحابه على قبر ، وصاحبه يدلى فيه ، فجعلوا يذكرون القبر وضيقه ، فقال : قد كنتم فيما هو أضيق منه في أرحام أمهاتكم ، فإذا أحب الله أن يوسع وسع . وقال أبو عمر الضرير : بلغني أن عيسى كان إذا ذكر الموت يقطر جلده دما .

والآثار في مثل هذا كثيرة جدا ، وقد أورد الحافظ ابن عساكر منها طرفا صالحا ، اقتصرنا منه على هذا القدر ، والله تعالى الموفق للصواب . ذكر طرف من مواعظ عيسى عليه السلام

عن وهب بن منبه قال: قال عيسى بن مريم : " إن للحكمة أهلا ، إن كتمتها عن أهلها جهلت ، وإن تكلمت بها عند غير أهلها جهلت ، فكن كالطبيب العالم الذي يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع " .

وعن عيسى بن عطية السعدي ، وعبد الله بن زياد بن سمعان ، قالا: عن بعض من أسلم من أهل الكتاب ، قال: قال عيسى عليه السلام للحواريين : " لا تجالسوا الخطائين ، فإن مجالستهم تقسي القلب ، تقربوا إلى الله عز وجل بمفارقتهم . يا معشر الحواريين ، لا تحملوا على اليوم هم غد ، حسب كل يوم همه ، ولا يهتم أحدكم لرزق غد ، خالق غد يأتيكم فيه بالرزق . ولا يقولن أحدكم إذا استقبل الشتاء: من أين آكل ومن أين [ ألبس ؟ وإذا استقبله الصيف يقول: من أين آكل ومن أين ] أشرب ؟ فإن كان لك في الشتاء بقاء فلك فيه رزق ، وإن كان لك في الصيف بقاء فلك فيه رزق . ولا تحمل هم شتائك وصيفك على يومك ، حسب هم كل يوم بما فيه .

يا معشر الحواريين . إن ابن آدم خلق في الدنيا على أربعة منازل ، فهو في ثلاثة منها بالله واثق ، وظنه بالله حسن ، وهو في الرابعة سيئ ظنه بربه يخاف خذلان الله إياه:

أما المنزلة الأولى ، فإنه يخلق في بطن أمه خلقا من بعد خلق ، في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة ، يدر الله عليه رزقه في ظلمة البطن ، فإذا خرج من البطن وقع في اللبن ، لا يسعى إليه بقدم ، ولا يتناوله بيده ، ولا ينهض إليه بقوة بل يكره عليه ، حتى يرتفع عن اللبن ويفطم ، ويقع في المنزلة الثالثة بين أبوين يحنان عليه ، فإذا ماتا وتركاه يتيما تعطف عليه الناس ، يطعمه هذا ويكسوه هذا رحمة له ، حتى إذا بلغ منزلته الرابعة واستوى خلقه واجتمع حتى أنه لا يرزقه إلا الله ، اجترأ على الله ، وغدا على الناس يقاتلهم على الدنيا .

يا معشر الحواريين ، اعتبروا بالطير ، هل رأيتم طيرا قط يدخر ، وكذلك البهائم والسباع ، الحق أقول لكم: أمسيتم في زمان [ قوم ] كلامهم كلام الأنبياء ، وفعالهم فعال السفهاء ، كلامهم دواء يبرئ الداء ، وقلوبكم ما تقبل الدواء . قلوبكم تبكي من أعمالكم ، أصبحت الدنيا عندكم بمنزلة العروس المجلية يعشقها كل من يراها ، وهي بمنزلة الحية ، لين لمسها ، يقتل سمها .

يا معشر الحواريين ، ليكن همكم من الدنيا أنفسكم تفوزوا بها ، ولا تكن همكم بطونكم وفروجكم ، تملئوها من الطعام وتضمروها من الحكمة ، كلوا خبز الشعير ، وملح الجريش ، واخرجوا من الدنيا سالمين . واعلموا أن النظر إلى النساء سهم من سهام إبليس مسموم ، وهو يزرع الشهوة في القلب ، وإن مثل الحكيم يعمل حكمته كمثل الشمس: تضيء للخلائق ولا تحرق نفسها ، وإن مثل الحكيم الذي لا يعمل بحكمته كمثل السراج: يضيء لمن حوله ، ويحرق نفسه .

يا معشر الحواريين ، لا تضعوا البعوض عن شرابكم وتشترطون الفيلة ، لا تنظروا في ذنوب الناس كالأرباب وانظروا في ذنوبكم كالعبيد ، ما الناس إلا كرجلين: مبتلى ومعافى ، فارحموا صاحب البلاء ، واحمدوا الله على العافية .

يا بني إسرائيل ، كونوا حكماء علماء ، لا تضعوا الحكمة إلا عند أهلها ولا تكتموها أهلها ، فإنكم إن تكلمتم بالحكمة عند غير أهلها جهلتم ، وإن منعتموها أهلها فقد ظلمتموها وضيعتموها ، فكونوا كالطبيب العالم الذي يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع ، اعفوا عن الناس يعف الله عز وجل عنكم .

يا بني إسرائيل ، ما يغني عن البيت المظلم السراج على ظهره وباطنه مظلم ، تخرجون الحكمة إلى الناس وتمسكون الغل في صدوركم . لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق ويمسك النخالة ، كذلك الحكمة تخرج من أفواهكم وتبقي الغل في صدوركم . إن الذي يخوض الماء لا بد أن يصيب ثوبه الماء ، وكذلك من يحب الدنيا لا ينجو من الخطايا . طوبى للمجتهدين بالليل ، ورعوا في مساجدهم العمل ، وسقوا زرعهم من دموع أعينهم حتى نبت وأدرك الحصاد ليوم فقرهم ، فوجدوا عاقبة ذلك عند ربهم ، ومن يكن زرعه المر لا يحصد حلوا .

يا عبد الدنيا ، ما أكثر الشجر وليس كله يثمر ، وما أكثر العلماء وليس كلهم يعمل ، إن الدابة ما لم ترض تستصعب .

يا عبيد الدنيا ، إنكم لا تدركون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون ، ولا تبلغون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون ، كنتم أمواتا فأحياكم ، وحين أحياكم متم ، وحين كنتم .

ضلالا هداكم ، وحين اهتديتم ضللتم . إن الزانية إذا حملت يفضحها حملها ، وكذلك يفتضح بالعمل من كان يغر الناس بالقول الحسن ويقول ما لا يفعل .

التالي السابق


الخدمات العلمية