روى الإمام أحمد في تاريخه بسند صحيح عن عامر الشعبي قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة ، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين ، فكان يعلمه الكلمة والشيء ، ولم ينزل القرآن على لسانه ، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل ، فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة ، عشرا بمكة وعشرا بالمدينة ، فمات وهو ابن ثلاث وستين سنة .

وهذا يقتضي أن إسرافيل قرن معه بعد الأربعين ثلاث سنين ، ثم جاءه جبريل .

قال الإمام أبو شامة رحمه الله تعالى : وحديث عائشة- أي الآتي في الباب بعده- لا ينافي هذا فإنه يجوز أن يكون أول أمره الرؤيا ، ثم وكل به إسرافيل في تلك المدة التي كان يخلو فيها بحراء فكان يلقي إليه الكلمة بسرعة ولا يقيم معه تدريجا وتمرينا ، إلى أن جاءه جبريل فعلمه بعد ما غطه ثلاث مرات . فحكت عائشة ما جرى له مع جبريل ولم تحك ما جرى له مع إسرافيل اختصارا للحديث ، أو لم تكن وقفت على قصة إسرافيل . انتهى .

وذكر بعض العلماء في حكمة مجيء إسرافيل إليه أنه الموكل بالنفخ في الصور ، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث قرب الساعة وكانت بعثته من أشراطها ، فبعث إسرافيل لهذه المناسبة ولم يبعث إلى نبي قبله .

وقد أنكر الواقدي رحمه الله تعالى خبر الشعبي وقال : لم يقرن به من الملائكة إلا جبريل .

قال الحافظ : ولا يخفى ما فيه ، فإن المثبت مقدم على النافي إلا إن صحب النافي دليل نفيه فيقدم . انتهى .

قال الشيخ رحمه الله تعالى في فتاويه : قد ورد ما يوهي أثر الشعبي ، وهو ما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : بينا النبي صلى الله عليه وسلم جالس وعنده جبريل إذ سمع نقيضا من السماء من فوق فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال : يا محمد هذا ملك قد نزل لم ينزل إلى الأرض قط . قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منها إلا أوتيته .

قال جماعة من العلماء إن هذا الملك إسرافيل . انتهى كلام الشيخ .

وروى الطبراني والبيهقي في الزهد بسند حسن عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجبريل على الصفا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جبريل والذي بعثك بالحق ما أمسى لآل محمد سفه دقيق ولا كف من سويق . فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هدة من السماء أفزعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمر الله القيامة أن تقوم؟ فقال : لا ولكن أمر إسرافيل فنزل إليك حتى يسمع كلامك فأتاه إسرافيل فقال : إن الله تعالى بعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض وأمرني أن أعرض إليك أسير معك جبال تهامة زمردا وياقوتا وذهبا وفضة .

فقلت : فإن شئت نبيا ملكا وإن شئت نبيا عبدا؟ فأومأ إليه جبريل : أن تواضع . فقال بل نبيا عبدا . ثلاثا
.

ورواه ابن حبان في صحيحه مختصرا من حديث أبي هريرة ولفظه : جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل فقال له جبريل : هذا الملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة . وذكر الحديث .

فظهر أن المعتمد ما مشى عليه الواقدي رحمه الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية