ذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول ذكر أسلم

قال ابن إسحاق : ثم كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلى معه وصدق بما جاءه من الله تعالى : علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، رضوان الله وسلامه عليه ، وهو يومئذ ابن عشر سنين .

[ نشأته في حجر الرسول صلى الله عليه وسلم وسبب ذلك ]

وكان مما أنعم الله ( به ) على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام .

قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج قال : كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب ، ومما صنع الله له ، وأراده به من الخير ، أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثير : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه ، وكان من أيسر بني هاشم ، يا عباس : إن أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة ، فانطلق بنا إليه ، فلنخفف عنه من عياله ، آخذ من بنيه رجلا ، وتأخذ أنت رجلا ، فنكلهما عنه فقال العباس : نعم . فانطلقا حتى أتيا أبا طالب ، فقالا له : إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه ؛ فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما - قال ابن هشام : ويقال : عقيلا وطالبا . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ، فضمه إليه ، وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه ؛ فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيا ، فاتبعه علي رضي الله عنه ، وآمن به وصدقه ؛ ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه . وفي الكامل عن ابن إسحاق : أول من أسلم علي وعمره إحدى عشرة سنة . وقال الكلبي : كان عمره تسع سنين ، وقيل : إحدى عشرة سنة . وفي زاد المعاد: وبادر إلى الإسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكان ابن ثمان سنين ، وقيل : أكثر من ذلك ، وكان في كفالة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق : ثم إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه جاء بعد ذلك بيوم ، وهما يصليان ، فقال علي : يا محمد ما هذا ؟ قال : " دين الله الذي اصطفى لنفسه ، وبعث به رسله ، فأدعوك إلى الله وحده لا شريك له ، وإلى عبادته ، وأن تكفر باللات والعزى " . فقال علي : هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم ، فلست بقاض أمرا حتى أحدث به أبا طالب . فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره . فقال له : " يا علي إذا لم تسلم فاكتم " . فمكث علي تلك الليلة ، ثم إن الله أوقع في قلب علي الإسلام ، فأصبح غاديا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جاءه ، فقال : ماذا عرضت علي يا محمد ؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وتكفر باللات والعزى ، وتبرأ من الأنداد " . ففعل علي وأسلم ، ومكث يأتيه على خوف من أبي طالب وكتم علي إسلامه ، ولم يظهره . [ خروج علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شعاب مكة يصليان ، ووقوف أبي طالب على أمرهما ]

قال ابن إسحاق : وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة ، وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من أبيه أبي طالب . ومن جميع أعمامه وسائر قومه ، فيصليان الصلوات فيها ، فإذا أمسيا رجعا . فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا . ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا ابن أخي ما هذا الدين الذي أراك تدين به ؟ قال : أي عم ، هذا دين الله ، ودين ملائكته ، ودين رسله ، ودين أبينا إبراهيم - أو كما قال صلى الله عليه وسلم - بعثني الله به رسولا إلى العباد ، وأنت أي عم ، أحق من بذلت له النصيحة ، ودعوته إلى الهدى ، وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه ، أو كما قال ؛ فقال أبو طالب : أي ابن أخي ، إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه ، ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت وذكروا أنه قال لعلي : أي بني ، ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟ فقال : يا أبت ، آمنت بالله وبرسول الله ، وصدقته بما جاء به ، وصليت معه لله واتبعته . فزعموا أنه قال له : أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه . عن حية العوفي قال : رأيت عليا عليه السلام ضحك على المنبر لم أره ضحك ضحكا قط أكثر منه ، حتى بدت نواجذه ، ثم قال:

ذكرت قول أبي طالب ظهر علينا أبو طالب وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن نصلي ببطن نخلة ، فقال: ماذا تصنعان يا بن أخي؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقال: ما بالذي تصنعان من باس - أو ما بالذي تقولان بأس - ولكني لا والله لا تعلوني استي أبدا ، وضحك تعجبا بقول أبيه ، ثم قال: لا أعرف أن عبدا لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك - ثلاث مرات - لقد صليت قبل أن يصلي الناس سبعا
. وعن عفيف وكان عفيف أخا الأشعث بن قيس لأمه أنه قال : كنت امرأ تاجرا ، فقدمت منى أيام الحج ، وكان العباس بن عبد المطلب امرأ تاجرا ، فأتيته أبتاع منه وأبيعه ، قال : فبينا نحن إذ خرج رجل من خباء فقام يصلي تجاه الكعبة ، ثم خرجت امرأة فقامت تصلي ، وخرج غلام فقام يصلي معه ، فقلت : يا عباس ما هذا الدين ؟ إن هذا الدين ما ندري ما هو ؟ فقال : هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله ، وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه ، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به ، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به . قال عفيف : فليتني كنت آمنت يومئذ فكنت أكون ثانيا . وقال محمد بن كعب : أول من أسلم من هذه الأمة خديجة ، وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي وأسلم علي قبل أبي بكر وكان علي يكتم إيمانه خوفا من أبيه ، حتى لقيه أبوه ، قال : أسلمت ؟ قال : نعم . قال : وآزر ابن عمك وانصره . قال : وكان أبو بكر الصديق أول من أظهر الإسلام . وعن جابر قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين ، وصلى علي يوم الثلاثاء . وقال آخرون : أول من أسلم من هذه الأمة أبو بكر الصديق . والجمع بين الأقوال كلها أن خديجة أول من أسلم من النساء ، وظاهر السياقات ، وقبل الرجال أيضا . وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة وأول من أسلم من الغلمان علي بن أبي طالب فإنه كان صغيرا دون البلوغ على المشهور ، وهؤلاء كانوا إذ ذاك أهل البيت ، وأول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر الصديق وإسلامه كان أنفع من إسلام من تقدم ذكرهم ; إذ كان صدرا معظما ، ورئيسا في قريش مكرما ، وصاحب مال ، وداعية إلى الإسلام ، وكان محببا متألفا يبذل المال في طاعة الله ورسوله.

التالي السابق


الخدمات العلمية