[ تعذيب قريش لابن ياسر ، وتصبير رسول الله صلى الله عليه وسلم له ]

قال ابن إسحاق : وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر ، وبأبيه وأمه ، وكانوا أهل بيت إسلام ، إذا حميت الظهيرة ، يعذبونهم برمضاء مكة ، فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ، فيما بلغني : صبرا آل ياسر ، موعدكم الجنة فأما أمه فقتلوها ، وهي تأبى إلا الإسلام . وكان ياسر حليفا لبني مخزوم ، فكانوا يخرجون عمارا وأباه وأمه إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء يعذبونهم بحر الرمضاء ، فمر بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة " . فمات ياسر في العذاب ، وأغلظت امرأته سمية القول لأبي جهل ، فطعنها في قبلها بحربة في يديه فماتت ، وهي أول شهيد في الإسلام ، وشددوا العذاب على عمار ، بالحر تارة ، وبوضع الصخر على صدره أخرى ، وبالتغريق أخرى فقالوا : لا نتركك حتى تسب محمدا وتقول في اللات والعزى خيرا ، ففعل ، فتركوه فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يبكي . فقال : ما وراءك ؟ قال : شر يا رسول الله ، كان الأمر كذا وكذا . قال فكيف تجد قلبك ؟ قال : أجده مطمئنا بالإيمان . فقال : يا عمار فعد ، فأنزل الله تعالى : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) من امتنع عن الإسلام ظاهرا لسبب تعذيبه [ سئل ابن عباس عن عذر من امتنع عن الإسلام لسبب تعذيبه فأجاز ]

قال ابن إسحاق : وحدثني حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لعبد الله بن عباس : أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم ؟ قال : نعم والله ، إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي نزل به ، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة ، حتى يقولوا له ؛ آللات والعزى إلهك من دون الله ؟ فيقول : نعم ، حتى إن الجعل ليمر بهم ، فيقولون له : أهذا الجعل إلهك من دون الله ؟ فيقول : نعم ، افتداء منهم مما يبلغون من جهده . [ رفض هشام تسليم أخيه لقريش ليقتلوه على إسلامه ، وشعره في ذلك ]

قال ابن إسحاق : وحدثني الزبير بن عكاشة بن عبد الله بن أبي أحمد أنه حدث أن رجالا من بني مخزوم مشوا إلى هشام بن الوليد ، حين أسلم أخوه الوليد بن الوليد ( بن المغيرة ) ، وكانوا قد أجمعوا على أن يأخذوا فتية منهم كانوا قد أسلموا ، منهم : سلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة . قال : فقالوا له . وخشوا شرهم : إنا قد أردنا أن نعاتب هؤلاء الفتية على هذا الدين الذي أحدثوا ، فإنا نأمن بذلك في غيرهم . قال : هذا ، فعليكم به ، فعاتبوه وإياكم ونفسه ، وأنشأ يقول :

:


ألا لا يقتلن أخي عييس فيبقى بيننا أبدا تلاحي

احذروا على نفسه ، فأقسم الله لئن قتلتموه لأقتلن أشرفكم رجلا . قال : فقالوا : اللهم العنه ، من يغرر بهذا الحديث ، فوالله لو أصيب في أيدينا لقتل أشرفنا رجلا . ( قال ) ، فتركوه ونزعوا عنه . قال : وكان ذلك مما دفع الله به عنهم . ما جاء في تعذيب خباب بن الأرت وخباب بن الأرت ، كان أبوه سواديا من كسكر ، فسباه قوم من ربيعة ، وحملوه إلى مكة فباعوه من سباع بن عبد العزى الخزاعي حليف بني زهرة ، وسباع هو الذي بارزه حمزة يوم أحد ، وخباب تميمي ، وكان إسلامه قديما ، قيل : سادس ستة قبل دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم ، فأخذه الكفار وعذبوه عذابا شديدا ، فكانوا يعرونه ويلصقون ظهره بالرمضاء ثم بالرضف ، وهي الحجارة المحماة بالنار ، ولووا رأسه ، فلم يجبهم إلى شيء مما أرادوا منه. وعن أبي ليلى الكندي قال ، جاء خباب إلى عمر رضي الله تعالى عنهما فقال له عمر : ادنه ، ادنه . فأجلسه على متكئه وقال : ما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا رجل واحد . قال : ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال : بلال - وفي رواية الشعبي ، عمار بن ياسر قال : ما هو بأحق مني إن بلالا كان له في المشركين من يمنعه الله به ، ولم يكن لي أحد ، لقد رأيتني يوما وقد أوقدوا لي نارا ثم سلقوني فيها ثم وضع رجل رجله على صدري فما اتقيت الأرض إلا بظهري ثم كشف خباب عن ظهره فإذا هو قد برص . وعن خباب بن الأرت قال : كنت رجلا قينا ، وكان لي على العاص بن وائل دين ، فأتيته أتقاضاه ، فقال : لا والله ، لا أقضيك حتى تكفر بمحمد . فقلت : لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ، ثم تبعث . قال : فإني إذا مت ثم بعثت ، جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيك . فأنزل الله تعالى أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا إلى قوله ونرثه ما يقول ويأتينا فردا [ مريم : 77 - 80 ] أخرجاه في " الصحيحين " ذكر بعض من كان يعذب من المؤمنين روى ابن سعد عن عروة قال : كان صهيب من المستضعفين من المؤمنين الذين كانوا يعذبون في الله .

ومنهم عامر بن فهيرة .

قال البلاذري : قالوا كان عامر من المستضعفين فكان يعذب بمكة ليرجع عن دينه حتى اشتراه أبو بكر وأعتقه .

وروى ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي - بضم القاف وكسر الظاء المشالة المعجمة- قال : كان عامر بن فهيرة يعذب حتى لا يدري ما يقول .

ومنهم أبو فكيهة واسمه أفلح ويقال يسار . وكان عبدا لصفوان بن أمية فأسلم حين أسلم بلال ، فمر به أبو بكر رضي الله عنه وقد أخذه أمية بن خلف فربط في رجله حبلا وأمر به فجر ثم ألقاه في الرمضاء فمر به جعل فقال : أليس هذا ربك فقال : الله ربي خلقني وخلقك وخلق هذا الجعل فغلط عليه وجعل يخنقه ومعه أخوه أبي بن خلف يقول : زده عذابا حتى يأتي محمد فيخلصه بسحره . فأخرجه نصف النهار في شدة الحر مقيدا إلى الرمضاء ووضع على بطنه صخرة فدلع لسانه فلم يزل على تلك الحال حتى ظنوا أنه قد مات ، ثم أفاق فمر به أبو بكر رضي الله عنه فاشتراه وأعتقه .

وروى ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال : كان أبو فكيهة يعذب حتى- لا يدري ما يقول .

التالي السابق


الخدمات العلمية