[ ابن أم مكتوم ، ونزول سورة عبس ]

ووقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه ، وقد طمع في إسلامه ، فبينا هو في ذلك ، إذ مر به ابن أم مكتوم الأعمى ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل يستقرئه القرآن ، فشق ذلك منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضجره ، وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد ، وما طمع فيه من إسلامه . فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسا وتركه . فأنزل الله تعالى فيه : عبس وتولى أن جاءه الأعمى إلى قوله تعالى : في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة أي إنما بعثتك بشيرا ونذيرا ، لم أخص بك أحدا دون أحد ، فلا تمنعه ممن ابتغاه . ولا تتصدين به لمن لا يريده .

قال ابن هشام : ابن أم مكتوم ، أحد بني عامر بن لؤي ، واسمه عبد الله ، ويقال : عمرو . قال السهيلي : وفي ذكره إياه بالعمى من الحكمة والإشارة اللطيفة التنبيه على موضع العتب لأنه قال : أن جاءه الأعمى فذكر المجيء مع العمى ، وذلك كله ينبئ عن تجشم كلفة ومن تجشم القصد إليك على ضعفه فحقك الإقبال عليه لا الإعراض عنه .

وفائدة أخرى : وهي تعليق الحكم بهذه الصفة متى وجدت وجب ترك الإعراض ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم معتوبا على توليه عن الأعمى فغيره أحق بالعتب .

وما يدريك يعلمك لعله أي الأعمى أو الكافر يزكى فيه إدغام التاء في الأصل في الزاي أو يذكر أي يتعظ فتنفعه الذكرى العظة المسموعة منك . وفي قراءة بنصب تنفعه جواب الترجي .

أما من استغنى بالمال . فأنت له تصدى . وفي قراءة بتشديد الصاد وبإدغام الثانية في الأصل فيها ، أي تقبل وتتعرض ، وما عليك ألا يزكى يؤمن وأما من جاءك يسعى حال من فاعل جاء ، وهو يخشى الله حال من فاعل يسعى وهو الأعمى . فأنت عنه تلهى فيه حذف التاء الأخرى في الأصل أي تتشاغل ، كلا لا تفعل مثل ذلك .

فلما نزلت هذه الآيات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فأكرمه ، واستخلفه على المدينة ثلاث عشرة مرة كما ذكره أبو عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية