ولنذكر ملخص كلام ابن إسحاق رحمه الله ، فإنه قال بعد ذكر ما تقدم من الفصول : ثم أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس من إيلياء ، وقد فشا الإسلام بمكة ، في قريش وفي القبائل كلها ، قال : وكان من الحديث فيما بلغني عن مسراه - صلى الله عليه وسلم - عن ابن مسعود وأبي سعيد وعائشة ، ومعاوية وأم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنهم والحسن بن أبي الحسن وابن شهاب الزهري وقتادة وغيرهم من أهل العلم ما اجتمع في هذا الحديث ، كل يحدث عنه بعض ما ذكر لي من أمره وكان في مسراه - صلى الله عليه وسلم - وما ذكر لي منه بلاء وتمحيص ، وأمر من أمر الله ، في قدرته وسلطانه ، فيه عبرة لأولي الألباب ، وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق ، وكان من أمر الله على يقين ، فأسري به كيف شاء ، وكما شاء ، ليريه من آياته ما أراد ، حتى عاين ما عاين من أمره ، وسلطانه العظيم ، وقدرته التي يصنع بها ما يريد ، فكان عبد الله بن مسعود فيما بلغني ، يقول : أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبراق ، وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله ، تضع حافرها في منتهى طرفها ، فحمل عليها ، ثم خرج به صاحبه ، يرى الآيات فيما بين السماء والأرض ، حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى ، في نفر من الأنبياء ، قد جمعوا له ، فصلى بهم ، ثم أتي بثلاثة آنية ; من لبن ، وخمر ، وماء . فذكر أنه شرب إناء اللبن ، " فقال لي جبريل : هديت وهديت أمتك " .

وذكر ابن إسحاق في سياق الحسن البصري مرسلا . ، أن جبريل أيقظه ، ثم خرج به إلى باب المسجد الحرام ، فأركبه البراق ، وهو " دابة أبيض ، بين البغل والحمار ، وفي فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه ، يضع حافره في منتهى طرفه ، ثم حملني عليه ، ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته " .

قلت : وفي الحديث ، وهو عن قتادة فيما ذكره ابن إسحاق ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد ركوب البراق ، شمس به ، فوضع جبريل يده على معرفته ، ثم قال : ألا تستحي يا براق مما تصنع ! فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه . قال : فاستحى حتى ارفض عرقا ، ثم قر حتى ركبته . قال الحسن في حديثه : فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومضى معه جبريل حتى انتهى به إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى ، في نفر من الأنبياء ، فأمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم . ثم ذكر اختياره إناء ال?بن على إناء الخمر ، وقول جبريل له : هديت وهديت أمتك ، وحرمت عليكم الخمر . أنكر حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس تلك الليلة ، واحتج بأنه لو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه . قال البيهقي وابن كثير : والمثبت مقدم على النافي ، يعني من أثبت الصلاة في بيت المقدس ، وهم الجمهور من الصحابة معه زيادة علم على من نفى ذلك ، فهو أولى بالقبول . والجواب عما استند إليه حذيفة رضي الله عنه منع التلازم في الصلاة إن كان أراد بقوله كتب عليكم الفرض ، وإن أريد التشريع فيلتزمه ، وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس ، فقرنه بالمسجد الحرام ومسجده في شد الراحلة وذكر فضيلة الصلاة فيه في غير ما حديث . تظافرت الروايات على أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالأنبياء قبل العروج وهو أحد الاحتمالين للقاضي ، وقال الحافظ : «إنه الأظهر» ، والاحتمال الثاني «أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم بعد أن هبط من السماء أيضا فهبطوا . وصححه الحافظ ابن كثير ، وقال صاحب السراج : «وما المانع من أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم مرتين ، فإن في بعض الأحاديث ذكر الصلاة بهم بعد ذكره المعراج» .

التالي السابق


الخدمات العلمية