وقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى : كان النبي صلى الله عليه وسلم في مقام الخوف ، وصاحبه في مقام الرجاء ، وكلا المقامين سواء في الفضل . قال تلميذه السهيلي : لا يريد أن النبي صلى الله عليه وسلم والصديق سواء ، ولكن الرجاء والخوف مقامان لا بد للإيمان منهما ، فأبو بكر كان في تلك الساعة في مقام الرجاء لله تعالى ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مقام الخوف من الله تعالى؛ لأن الله تعالى يفعل ما يشاء ، فخاف ألا يعبد الله تعالى في الأرض بعدها .
وقال قاسم بن ثابت في دلائله : إنما قال الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم ما قال معاونة ورقة عليه؛ لما رأى من نصبه في الدعاء والتضرع حتى سقط الرداء عن منكبيه ، فقال له : بعض هذا يا رسول الله ، أي : لم تتعب نفسك هذا التعب والله تعالى قد وعدك بالنصر ؟ ! وكان رقيق القلب ، شديد الإشفاق على النبي صلى الله عليه وسلم ، وزل من لا علم عنده ممن ينسب إلى التصوف في هذا الموضع زللا شديدا ، فلا يلتفت إليه ، ولعل الخطابي أشار إليه . قال في الروض : سبب شدة اجتهاده ونصبه في الدعاء أنه رأى الملائكة تنصب في القتال وجبريل على ثناياه الغبار ، وأنصار الله تعالى يخوضون غمرات الموت .
والجهاد على ضربين : جهاد بالسيف ، وجهاد بالدعاء ، ومن سنة الإمام أن يكون من وراء الجند لا يقاتل معهم ، فكأن الكل في جهاد وجد ، ولم يكن ليريح نفسه من أحد الجدين والجهادين وأنصار الله وملائكته يجتهدون ، ولا يؤثر الدعة وحزب الله تعالى مع أعدائه يجتلدون .