فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين ، وخرج لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في أربعمائة وخمسين ، معهم عدة أفراس ، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان ، فأصابوا بالمدينة رجلا منهم بذي القصة يقال له : جبار من بني ثعلبة ، فقال له المسلمون : أين تريد ؟ فقال : أريد يثرب لأرتاد لنفسي وأنظر ، فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره من خبرهم ، قال : قال لن يلاقوك ولو سمعوا بسيرك هربوا في رؤوس الجبال وأنا سائر معك ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وأسلم ، وضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلال ، فأخذ به جبار طريقا ، وهبط به عليهم ، وسمع القوم بميسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهربوا في رءوس الجبال ، فبلغ ماء يقال له : ذو أمر ، فعسكر به ، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مطر كثير ، فابتلت ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثياب أصحابه ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة ونشر ثيابه لتجف ، واضطجع ، وذلك بمرأى من المشركين ، واشتغل المسلمون في شؤونهم ، فبعث المشركون رجلا شجاعا منهم يقال له : دعثور بن الحارث ، وقد روي في الصحيح أن اسمه عورب ، وكان سيدها وأشجعها، ومعه سيف متقلد به ، فبادر دعثور وأقبل مشتملا على السيف ، حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف مشهورا ، فقال : يا محمد ، من يمنعك مني اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الله » . ودفع جبريل في صدره ، فوقع السيف من يده ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال له : «من يمنعك مني ؟ » فقال : لا أحد ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، والله لا أكثر عليك جمعا أبدا ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ، ثم أتى قومه فقالوا : ما لك ؟ ويلك ! فقال : نظرت إلى رجل طويل ، فدفع في صدري ، فوقعت لظهري ، فعرفت أنه ملك ، وشهدت بأن محمدا رسول الله ، والله لا أكثر عليه جمعا . وجعل يدعو قومه إلى الإسلام . وأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم [المائدة 11 ] . وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ولم يلق كيدا ، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة ، وقال أبو عمر : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بنجد صفر كله . قال البيهقي : سيأتي في غزوة ذات الرقاع قصة تشبه قصة دعثور ، فلعلهما قصتان . قال في البداية : إن كانت هذه محفوظة فهي غيرها قطعا ، لأن ذلك الرجل اسمه غورث [ابن الحارث ] أيضا ولم يسلم ، بل استمر على دينه ، لكن عاهد النبي صلى الله عليه وسلم ألا يقاتله .

التالي السابق


الخدمات العلمية