ذكر خطبته صلى الله عليه وسلم وتهيئته للقتال

قال محمد بن عمر الأسلمي : ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال : «أيها الناس أوصيكم بما أوصاني الله تعالى به في كتابه ، من العمل بطاعته ، والتناهي عن محارمه ، ثم إنكم اليوم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه ، ثم وطن نفسه له على الصبر واليقين ، والجد والنشاط ، فإن جهاد العدو شديد كريه ، قليل من يصبر عليه إلا من عزم الله تعالى رشده ، فإن الله تعالى مع من أطاعه ، وإن الشيطان مع من عصاه فافتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد ، والتمسوا بذلك ما وعدكم الله تعالى [وعليكم ] بالذي أمركم به ، فإني حريص على رشدكم ، وإن الاختلاف والتنازع والتثبيط من أمر العجز ، والضعف ، مما لا يحب الله تعالى ، ولا يعطي عليه النصر ولا الظفر يا أيها الناس [جدد في صدري أن ] من كان على حرام فرق الله تعالى بينه وبينه ، ومن رغب له عنه غفر الله له ذنبه ، ومن صلى علي صلاة صلى الله عليه وملائكته عشرا ، ومن أحسن من مسلم أو كافر وقع أجره على الله ، في عاجل دنياه وآجل آخرته ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبدا مملوكا ، ومن استغنى عنها استغنى الله عنه ، والله غني حميد ، ما أعلم من عمل يقربكم إلى الله تعالى إلا وقد أمرتكم به ، ولا أعلم من عمل يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه ، وأنه قد نفث في روعي الروح الأمين أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها لا ينقص منه شيء ، وإن أبطأ عنها ، فاتقوا الله ربكم ، وأجملوا في طلب الرزق ، ولا يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية الله تعالى ، فإنه لا يقدر على ما عنده إلا بطاعته ، قد بين لكم الحلال والحرام غير أن بينهما شبها من الأمر ، لم يعلمها كثير من الناس إلا من عصم الله تعالى فمن تركها حفظ عرضه ودينه ، ومن وقع فيها كان كالراعي إلى جنب الحمى أوشك أن يقع فيه ، وليس ملك إلا وله حمى ، ألا وإن حمى الله تعالى محارمه ، والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى عليه سائر جسده ، والسلام عليكم » . [ نزول الرسول بالشعب وتعبيته للقتال ]

قال : ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد ، في عدوة الوادي إلى الجبل ، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد ، وقال : لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع كانت بالصمغة ، من قناة للمسلمين : فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال : أترعى زروع بني قيلة ولما نضارب وتعبى رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال ، وهو في سبع مئة رجل ، وأمر على الرماة عبد الله بن جبير ، أخا بني عمرو بن عوف وهو معلم يومئذ بثياب بيض ، والرماة خمسون رجلا ، فقال : انضح الخيل عنا بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا ، إن كانت لنا أو علينا ، فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين ، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ، أخي بني عبد الدار . حدثنا أبو إسحاق أن البراء بن عازب قال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلا - عبد الله بن جبير . قال : ووضعهم موضعا . وقال : إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا ، حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطأناهم ، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم . [ من أجازهم الرسول وهم في الخامسة عشرة ]

قال ابن هشام : وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سمرة بن جندب الفزاري ، ورافع بن خديج ، أخا بني حارثة ، وهما ابنا خمس عشرة سنة ، وكان قد ردهما ، فقيل له : يا رسول الله إن رافعا رام ، فأجازه ، فلما أجاز رافعا ، قيل له : يا رسول الله ، فإن سمرة يصرع رافعا ، فأجازه ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسامة بن زيد ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت ، أحد بني مالك بن النجار ، والبراء بن عازب ، أحد بني حارثة ، وعمرو بن حزم ، أحد بني مالك بن النجار ، وأسيد بن ظهير ، أحد بني حارثة ، ثم أجازهم يوم الخندق ، وهم أبناء خمس عشرة سنة . فائدة قال ابن القيم: لا يأذن -يعني الإمام- لمن لا يطيق القتال من الصبيان غير البالغين ، بل يردهم إذا خرجوا ، كما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ومن معه . [ شعار المسلمين ]

وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد : أمت ، أمت فيما قال ابن هشام .

التالي السابق


الخدمات العلمية