[ أمر أبي دجانة ]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقام إليه رجال ، فأمسكه عنهم ؛ حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة ، أخو بني ساعدة ، فقال : وما حقه يا رسول الله ؟ قال : أن تضرب به العدو حتى ينحني ، قال : أنا آخذه يا رسول الله بحقه ، فأعطاه إياه وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب ، إذا كانت ، وكان إذا أعلم بعصابة له حمراء ، فاعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل ؛ فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك ، فعصب بها رأسه ، وجعل يتبختر بين الصفين .

قال ابن إسحاق : فحدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم ، مولى عمر بن الخطاب ، عن رجل من الأنصار من بني سلمة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين رأى أبا دجانة يتبختر : إنها لمشية يبغضها الله ، إلا في مثل هذا الموطن . [ تمام قصة أبي دجانة ]

قال ابن إسحاق : فاقتتل الناس حتى حميت الحرب ، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس .

قال ابن هشام : حدثني غير واحد ، من أهل العلم ، أن الزبير بن العوام قال : وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة ، وقلت : أنا ابن صفية عمته ، ومن قريش ، وقد قمت إليه فسألته إياه قبله ، فأعطاه إياه وتركني ، والله لأنظرن ما يصنع ؛ فاتبعته ، فأخرج عصابة له حمراء ، فعصب بها رأسه ، فقالت الأنصار : أخرج أبو دجانة عصابة الموت ، وهكذا كانت تقول له إذا تعصب بها فخرج وهو يقول :


أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل     ألا أقوم الدهر في الكيول
أضرب بسيف الله والرسول



قال ابن هشام : ويروى في الكبول .

قال ابن إسحاق : فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله . وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا ذفف عليه ، فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه . فدعوت الله أن يجمع بينهما ، فالتقيا ، فاختلفا ضربتين ، فضرب المشرك أبا دجانة ، فاتقاه بدرقته ، فعضت بسيفه ، وضربه أبو دجانة فقتله ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ، ثم عدل السيف عنها . قال الزبير فقلت : الله ورسوله أعلم .

قال ابن إسحاق : وقال أبو دجانة سماك بن خرشة : رأيت إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا ، فصمدت له ، فلما حملت عليه السيف ولول فإذا امرأة ، فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة . وذكر موسى بن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرضه ، طلبه منه عمر فأعرض عنه ، ثم طلبه منه الزبير فأعرض عنه ، فوجدا في أنفسهما من ذلك ، ثم عرضه الثالثة ، فطلبه أبو دجانة فدفعه إليه ، فأعطى السيف حقه . قال : فزعموا أن كعب بن مالك قال : كنت فيمن جرح من المسلمين ، فلما رأيت مثل المشركين بقتلى المسلمين قمت فتجاوزت ، فإذا رجل من المشركين جمع اللأمة يحوز المسلمين ، وهو يقول : استوسقوا كما استوسقت جزر الغنم . قال : وإذا رجل من المسلمين ينتظره وعليه لأمته ، فمضيت حتى كنت من ورائه ، ثم قمت أقدر المسلم والكافر ببصري ، فإذا الكافر أفضلهما عدة وهيئة . قال : فلم أزل أنتظرهما حتى التقيا ، فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربة بالسيف فبلغت وركه ، وتفرق فرقتين ، ثم كشف المسلم عن وجهه وقال : كيف ترى يا كعب ؟ أنا أبو دجانة .

التالي السابق


الخدمات العلمية