وقد كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة . نص على ذلك ابن إسحاق ، وعروة بن الزبير ، وقتادة ، والبيهقي ، وغير واحد من العلماء ، سلفا وخلفا .

وقد روى موسى بن عقبة عن الزهري ، أنه قال : ثم كانت وقعة الأحزاب في شوال سنة أربع . وكذلك قال الإمام مالك بن أنس ، فيما رواه أحمد بن حنبل ، عن موسى بن داود ، عنه .

قال البيهقي : ولا اختلاف بينهم في الحقيقة لأن مرادهم أن ذلك بعد مضي أربع سنين وقبل استكمال خمس . ولا شك أن المشركين لما انصرفوا عن أحد واعدوا المسلمين إلى بدر العام القابل ، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما تقدم في شعبان سنة أربع ، ورجع أبو سفيان بقريش لجدب ذلك العام ، فلم يكونوا ليأتوا إلى المدينة بعد شهرين ، فتعين أن الخندق في شوال من سنة خمس . والله أعلم .

وقد صرح الزهري بأن الخندق كانت بعد أحد بسنتين ، ولا خلاف أن أحدا في شوال سنة ثلاث ، إلا على قول من ذهب إلى أن أول التاريخ من محرم السنة التالية لسنة الهجرة ، ولم يعدوا الشهور الباقية من سنة الهجرة من ربيع الأول إلى آخرها ، كما حكاه البيهقي ، وبه قال يعقوب بن سفيان الفسوي ، وقد صرح بأن بدرا في الأولى ، وأحدا في سنة ثنتين ، وبدرا الموعد في شعبان سنة ثلاث ، والخندق في شوال سنة أربع . وهذا مخالف لقول الجمهور ؛ فإن المشهور أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب جعل أول التاريخ من محرم سنة الهجرة . وعن مالك : من ربيع الأول سنة الهجرة . فصارت الأقوال ثلاثة . والله أعلم .

والصحيح قول الجمهور أن أحدا في شوال سنة ثلاث ، وأن الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة . والله أعلم .

فأما الحديث المتفق عليه في " الصحيحين " من طريق عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه قال : عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني . فقد أجاب عنها جماعة من العلماء ، منهم البيهقي بأنه عرض يوم أحد في أول الرابعة عشرة ، ويوم الأحزاب في أواخر الخامسة عشرة .

قلت : ويحتمل أنه أراد أنه لما عرض عليه يوم الأحزاب ، كان قد استكمل خمس عشرة سنة ، التي يجاز لمثلها الغلمان ، فلا يبقى على هذا زيادة عليها . ولهذا لما بلغ نافع عمر بن عبد العزيز هذا الحديث قال : إن هذا لفرق بين الصغير والكبير . ثم كتب به إلى الآفاق . واعتمد على ذلك جمهور العلماء . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية