ذكر محاصرة المسلمين لبني قريظة

غدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سحرا ، وقدم الرماة وعبأ أصحابه فأحاطوا بحصون يهود ، ورموهم بالنبل والحجارة ، وهم يرمون من حصونهم حتى أمسوا ، فباتوا حول الحصون ، وجعل المسلمون يعتقبون ، يعقب بعضهم بعضا ، فما برح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يراميهم حتى أيقنوا بالهلكة ، وتركوا رمي المسلمين ، وقالوا : دعونا نكلمكم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «نعم» فأنزلوا نباش بن قيس ، فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم على أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النضير من الأموال والحلقة وتحقن دماءنا ، ونخرج من بلادك بالنساء والذراري ، ولنا ما حملت الإبل إلا الحلقة ، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : تحقن دماءنا وتسلم لنا النساء والذرية ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل ، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن ينزلوا على حكمه ، وعاد نباش إليهم بذلك . وحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسا وعشرين ليلة ، حتى جهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب . وقد كان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم ، حين رجعت عنهم قريش وغطفان ، وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه . فلما أيقنوا بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير منصرف عنهم حتى يناجزهم ، قال كعب بن أسد لهم : يا معشر يهود ، قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا ، فخذوا أيها شئتم ؛ قالوا : وما هي ؟ قال : نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل ، وأنه للذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم .

قالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا ، ولا نستبدل به غيره ؛ قال : فإذا أبيتم علي هذه ، فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين السيوف ، لم نترك وراءنا ثقلا ، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، فإن نهلك نهلك ، ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه ، وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء ، قالوا : نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم ؟

قال : فإن أبيتم علي هذه ، فإن الليلة ليلة السبت ، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها ، فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة ؛ قالوا : نفسد سبتنا علينا ، ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلا من قد علمت ، فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ قال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما .

التالي السابق


الخدمات العلمية