فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر : عبد الله بن عتيك ، ومسعود بن سنان ، وعبد الله بن أنيس الجهني حليف الأنصار ، وأبو قتادة الحارث بن ربعي ، وخزاعي بن أسود . وعند محمد بن عمر ، ومحمد بن سعد أسود بن خزاعي ، حليف لهم من أسلم . زاد البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما- كما في الصحيح – عبد الله بن عتبة- بضم العين المهملة وسكون الفوقية- فيكونون ستة . وزاد موسى بن عقبة والسهيلي أسعد بن حرام- بالراء- فيكونون سبعة . وأمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك ونهاهم عن أن يقتلوا وليدا أو امرأة .
فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا- وفي الصحيح من حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه : «وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه ، وكان في حصن له بأرض الحجاز . فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم قال عبد الله بن عتيك لأصحابه : امكثوا أنتم مكانكم فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي أن أدخل؛ فأقبل حتى دنا من الباب» .
قال ابن عتيك : فتلطفت أن أدخل الحصن ففقدوا حمارا لهم فخرجوا بقبس يطلبونه ، فخشيت أن أعرف فغطيت رأسي ورجلي فتقنعت وجلست كأني أقضي حاجة . ثم هتف صاحب الباب ، فدخلت ثم اختبأت ، وفي لفظ : فكمنت في مربط حمار ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوة . وفي رواية : فلما دخل الناس أغلق الباب ثم علق الأغاليق على وتد . وكان أبو رافع يسمر عنده ، وكان في علالي له . فتعشوا عنده وتحدثوا حتى ذهبت ساعة من الليل ثم رجعوا إلى بيوتهم . وفي رواية : فلما ذهب عنه أهل سمره وهدأت الأصوات فلا أسمع حركة خرجت وقمت إلى الأقاليد ففتحت باب الحصن . وقلت : إن نذر بي القوم انطلقت على مهل ثم عمدت إلى أبواب بيوتهم فأقفلتها من ظاهر . ثم صعدت إلى أبي رافع فجعلت كلما فتحت بابا أغلقته علي من داخل .
قلت : إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إلي حتى أقتله . فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم قد طفئ سراجه [وهو] في وسط عياله لا أدري أين هو من البيت . فقلت : يا أبا رافع ، فقال : من هذا ؟ فعمدت- وفي لفظ- فأجويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش- أو قال : داهش فلم تغن شيئا ، وصاح فخرجت من البيت فما مكثت غير بعيد ثم جئت فقلت : ما لك يا أبا رافع ؟ وغيرت صوتي . فقال : «ألا أعجبك ؟ لأمك الويل ، دخل علي رجل فضربني بالسيف» .
قال ابن عتيك : فعمدت له أيضا فأضربه أخرى فلم تغن شيئا . فصاح وقام أهله . ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المغيث فإذا هو مستلق على ظهره فأضع ظبة السيف في بطنه ثم أنكفئ عليها حتى سمعت صوت العظم ، فعرفت أني قتلته ، ثم خرجت دهشا فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى انتهيت إلى درجة له . وفي لفظ : حتى أتيت السلم أريد أن أنزل .
فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي- وفي رواية فانخلعت رجلي- فعصبتها بعمامة ثم أتيت أصحابي أحجل فقلت : «النجاء ، فقد قتل الله أبا رافع» . وفي رواية : فقلت لهم : انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية ، فجلست على الباب حتى صاح الديك . وفي لفظ : فلما كان وجه الصبح صعد الناعية على السور فقال : أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز . فقمت أمشي ما بي قلبة ، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فبشرته . وفي رواية : فحدثته فقال لي : «ابسط رجلك» فبسط .
رجلي فمسها فكأنها لم أشتكيها قط . هذا ما ذكره البخاري في الصحيح من حديث البراء بن عازب ، وصرح فيه بأن عبد الله بن عتيك انفرد بقتله .
قلت : يحتمل أن عبد الله بن عتيك لما سقط من تلك الدرجة ، انفكت قدمه ، وانكسرت ساقه ، ووثئت رجله ويده ، فلما عصبها استكن ما به ؛ لما هو فيه من الأمر الباهر ، ولما أراد المشي أعين على ذلك ؛ لما هو فيه من الجهاد النافع ، ثم وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقرت نفسه ، ثاوره الوجع في رجله ، فلما بسط رجله ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذهب ما كان بها من بأس في الماضي ، ولم يبق بها وجع يتوقع حصوله في المستقبل. وذكر ابن عقبة وابن إسحاق ، ومحمد بن عمر ، وابن سعد ، وغيرهم خلاف ذلك ، أدخلت حديث بعضهم في بعض ، قالوا : أن عبد الله بن عتيك وأصحابه قدموا خيبر ليلا حين نام أهلها ، وأتوا دار ابن أبي الحقيق فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله [وكان في علية له فأسندوا فيها] حتى قاموا على بابه فاستأذنوا عليه . قال ابن سعد : وقدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يرطن باليهودية- وكانت أمه يهودية أرضعته بخيبر- فخرجت إليهم امرأته فقالت : من أنتم ؟ فقالوا : ناس من العرب نلتمس الميرة- وفي لفظ : فقال عبد الله بن عتيك ورطن باليهودية : جئت أبا رافع بهدية- ففتحت لهم وقالت : ذاكم صاحبكم . فادخلوا عليه . قال : فلما دخلنا أغلقنا علينا وعليها الحجرة تخوفا أن تكون دونه مجادلة تحول بيننا وبينه . قالت :
فصاحت امرأته فنوهت بنا .
ولفظ ابن سعد : «فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشاروا إليها بالسيف فسكتت» وابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا ، فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه قبطية ملقاة . قال : ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكف يده ولولا ذلك لفرغنا منها بليل . قال : فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس [بسيفه] في بطنه حتى أنفذه وهو يقول : قطني قطني ، أي حسبي حسبي .
قال : وخرجنا ، وكان عبد الله بن عتيك رجلا سيئ البصر ، فوقع من الدرجة فوثئت يده وثأ شديدا- ويقال رجله فيما قال ابن هشام- وحملناه حتى نأتي به منهرا من عيونهم فندخل فيه . وصاحت امرأته فتصايح أهل الدار بعد قتله ، فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبوننا .
وعند ابن سعد أن «الحارث أبا زينب اليهودية التي سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في آثار الصحابة في ثلاثة آلاف يطلبونهم بالنيران فلم يروهم فرجعوا ، ومكث القوم في مكانهم يومين حتى سكن الطلب . ثم خرجوا مقبلين إلى المدينة ) . فلما أيس اليهود رجعوا إلى صاحبهم فاكتنفوه وهو يفيض بينهم .
قال عبد الله بن أنيس : فقلنا : كيف لنا بأن نعلم بأن عدو الله قد مات ؟ ! فقال رجل منا- قال محمد بن عمر : هو الأسود بن خزاعي- أنا أذهب فانظر لكم . قال : فانطلق حتى دخل في الناس . قال : فوجدت امرأته ورجال يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه وتحدثهم وتقول : «أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي وقلت : أنى ابن عتيك بهذه البلاد» ؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه وتحدثهم ثم قالت : «فاظ وإله يهود» . فما سمعت كلمة كانت ألذ إلى نفسي منها .
ثم جاءنا فأخبرنا الخبر
nindex.php?page=hadith&LINKID=73425فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم-
زاد ابن عقبة ، ومحمد بن عمر : وهو على المنبر- فقال : «فأفلحت الوجوه» فقالوا : أفلح وجهك يا رسول الله .
فأخبرناه بقتل عدو الله . واختلفنا عنده في قتله ، كلنا يدعيه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هاتوا أسيافكم» . فجئناه بها ، فنظر إلى سيف عبد الله بن أنيس فقال : «هذا قتله ، أرى فيه أثر الطعام»