[ سبب تسمية الرسول لخراش بالقتال ] روى ابن أبي شيبة عن الزهري ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، قالوا : خرج غزي من هذيل في الجاهلية وفيهم جنيدب بن الأدلع الهذلي يريدون حي أحمر بأسا من أسلم - وكان أحمر بأسا رجلا من أسلم شجاعا لا يرام ، وكان لا ينام في حيه إلا ينام خارجا من حاضره ، وكان إذا نام غط غطيطا منكرا لا يخفى مكانه ، وكان الحاضر إذا أتاهم فزع صرخوا : يا أحمر بأسا . فيثور مثل الأسد ، فلما جاءهم ذلك الغزي من هذيل قال لهم جنيدب بن الأدلع : إن كان

أحمر بأسا قد قيل في الحاضر فليس إليهم سبيل ، وإن له غطيطا لا يخفى ، فدعوني أتسمع فتسمع الحس فسمعه ، فأتاه حتى وجده نائما فقتله ، وضع السيف على صدره ، ثم اتكأ عليه فقتله ثم حملوا على الحي فصاح الحي يا أحمر بأسا ، فلا شيء لأحمر بأسا ، قد قتل - فنالوا من الحي حاجتهم ، ثم انصرفوا وتشاغل الناس بالإسلام ، فلما كان بعد الفتح بيوم دخل جنيدب بن الأدلع الهذلي مكة يرتاد وينظر والناس آمنون ، فرآه جندب بن الأعجم الأسلمي فقال : جنيدب بن الأدلع قاتل أحمر بأسا ؟ قال : نعم فمه ، فخرج جندب يستجيش عليه حيه ، فكان أول من لقي خراش بن أمية الكعبي فأخبره . فاشتمل خراش على السيف ثم أقبل إليه - والناس حوله ، وهو يحدثهم عن قتل أحمر بأسا فبينما هم مجتمعون عليه إذ أقبل خراش بن أمية فقال : هكذا عن الرجل . فو الله ما ظن الناس إلا أنه يفرج الناس عنه لينصرفوا ، فانفرجوا فحمل عليه خراش بن أمية بالسيف فطعنه به في بطنه وابن الأدلع مستند إلى جدار من جدر مكة ، فجعلت حشوته تسيل من بطنه ، وإن عينيه لتزنقان في رأسه ، وهو يقول : فعلتموها يا معشر خزاعة ؟ فانجعف فوقع فمات .

فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال : «يا معشر خزاعة” ارفعوا أيديكم عن القتل ، فقد كثر القتل ، لقد قتلتم قتيلا لأدينه ، إن خراشا لقتال - يعيبه بذلك .

لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلت خراشا
.

وروى الشيخان والترمذي عن ابن شريح خويلد بن عمرو العدوي ، والشيخان عن ابن عباس ، وابن منيع بسند صحيح ، وابن أبي عمرو . والإمام أحمد ، والبيهقي عن ابن عمر ، وابن أبي شيبة ، والشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - وابن أبي شيبة عن الزهري ، وابن إسحاق عن بعض أهل العلم ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، قالوا : لما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه - وهو مشرك - فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا بعد الظهر ، وأسند ظهره إلى الكعبة .

وعند ابن أبي شيبة عن أبي هريرة : أنه - صلى الله عليه وسلم - ركب راحلته فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : «أيها الناس إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ويوم خلق الشمس والقمر ، ووضع هذين الجبلين ، ولم يحرمها الناس ، فهي حرام إلى يوم القيامة ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرا ، لم تحل لأحد كان قبلي ، ولم تحل لأحد يكون بعدي ، ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها - ألا قد رجعت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد منكم الغائب ، فمن قال لكم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قاتل فيها فقولوا له : إن الله تعالى قد أحلها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يحلها لكم ، أيها الناس ، إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم ، أو قتل غير قاتله ، أو قتل بذحول الجاهلية ، يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فقد والله كثر إن نفع ، فقد قتلتم قتيلا لأدينه ، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين إن شاءوا فديته كاملة ، وإن شاءوا فقتله ثم ودى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الرجل الذي قتلته خزاعة .
[ أول قتيل وداه الرسول يوم الفتح ]

قال ابن هشام : وبلغني أن أول قتيل وداه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح جنيدب بن الأكوع ، قتلته بنو كعب ، فوداه بمئة ناقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية