ذكر انهزام المشركين والنهي عن قتل ذراريهم

قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - لما نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار كروا راجعين فجعلوا يقولون : يا بني عبد الرحمن ، يا بني عبد الله ، يا بني عبيد الله ، يا خيل الله .

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد سمى خيله خيل الله ، وجعل شعار المهاجرين : بني عبد الرحمن ، وجعل شعار الأوس : بني عبيد الله ، وشعار الخزرج : بني عبد الله .


روى محمد بن عمر عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة : أن سعد بن عبادة جعل يصيح يومئذ : يا للخزرج ثلاثا ، وأسيد بن الحضير يصيح : يا للأوس - ثلاثا فثابوا من كل ناحية كأنهم النحل تأوي إلى يعسوبها ، قال أهل المغازي فحنق المسلمون على المشركين فقتلوهم حتى أسرع القتل في ذراري المشركين . فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : «ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذرية! ألا لا تقتل الذرية ، ألا لا تقتل الذرية” ثلاثا - فقال أسيد بن الحضير : يا رسول الله ، أليس إنما هم أولاد المشركين ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أليس خياركم أولاد المشركين! كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها ، فأبواها يهودانها أو ينصرانها” . ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من خصائص النبوة ألا يومئ قال محمد بن عمر : قال شيوخ ثقيف ، ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبنا ، فيما نرى - ونحن مولون حتى إن الرجل منا ليدخل حصن الطائف وإنه ليظن أنه على أثره ، من رعب الهزيمة .

قال أنس بن مالك كما رواه الإمام أحمد : كان في المشركين رجل يحمل علينا فيدقنا ويحطمنا فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل ، فهزمهم الله - تعالى - فولوا ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رأى الفتح ، فجعل يجاء بهم أسارى رجل رجل ، فيبايعونه على الإسلام ، فقال رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن علي نذرا لئن جيء بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجيء بالرجل فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يا نبي الله تبت إلى الله ، فأمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مبايعته ليوفي الآخذ بنذره ، وجعل ينظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليأمره بقتله ، وهاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم الرجل لا يصنع شيئا بايعه ، فقال : يا رسول الله نذري ؟ قال : «لم أمسك عنه إلا لتوفي بنذرك” فقال : يا رسول الله ألا أومأت إلي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه ليس لنبي أن يومئ . روى البزار بسند رجاله ثقات عن أنس - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين : «اجزروهم جزرا” وأومأ بيده إلى الحلق . إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لأخته من الرضاع قال محمد بن عمر : وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطلب العدو وقال لخيله إن قدرتم على «بجاد” رجل من بني سعد بن بكر فلا يفلتن منكم ، وقد كان أحدث حدثا عظيما ، كان قد أتاه رجل مسلم فأخذه فقطعه عضوا عضوا ثم حرقه بالنار ، وكان قد عرف جرمه فهرب فأخذته الخيل فضموه إلى الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى ، أخت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة ، وأتعبوها في السياق ، فتعبت الشيماء بتعبهم ، فجعلت تقول : إني والله أخت صاحبكم ، فلا يصدقونها ، وأخذها طائفة من الأنصار ، وكانوا أشد الناس على هوازن - فأتوا بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا محمد!! إني أختك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «وما علامة ذلك ؟ فأرته عضة بإبهامها ، وقالت : عضة عضضتنيها وأنا متوركتك بوادي السرر ونحن يومئذ نرعى البهم ، وأبوك أبي ، وأمك أمي ، وقد نازعتك الثدي ، وتذكر يا رسول الله حلابي لك عنز أبيك أطلان ، فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العلامة ، فوثب قائما ، فبسط رداءه ، ثم قال : «اجلسي عليه” ورحب بها ، ودمعت عيناه ، وسألها عن أمه وأبيه ، فأخبرته بموتهما فقال : «إن أحببت فأقيمي عندنا محببة مكرمة ، وإن أحببت أن ترجعي إلى قومك وصلتك ورجعت إلى قومك” قالت : بل أرجع إلى قومي ، فأسلمت ، فأعطاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أعبد وجارية وأمر لها ببعير أو بعيرين وقال لها : «ارجعي إلى الجعرانة تكونين مع قومك ، فأنا أمضي إلى الطائف” فرجعت إلى الجعرانة ، ووافاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة فأعطاها نعما وشاء ، ولمن بقي من أهل بيتها ، وكلمته في بجاد أن يهبه لها ويعفو عنه ففعل - صلى الله عليه وسلم . فصل ( هزيمة هوازن ) .

ولما انهزمت هوازن وقف ملكهم مالك بن عوف النصري على ثنية مع طائفة من أصحابه ، فقال : قفوا حتى تجوز ضعفاؤكم وتلحق أخراكم .

قال ابن إسحاق : فبلغني أن خيلا طلعت ومالك وأصحابه على الثنية ، فقال لأصحابه : ماذا ترون؟ قالوا : نرى قوما واضعي رماحهم بين آذان خيلهم ، طويلة بوادهم . فقال : هؤلاء بنو سليم ، ولا بأس عليكم منهم . فلما أقبلوا سلكوا بطن الوادي ، ثم طلعت خيل أخرى تتبعها ، فقال لأصحابه : ماذا ترون؟ قالوا : نرى قوما عارضي رماحهم أغفالا على خيلهم . فقال : هؤلاء الأوس والخزرج ، ولا بأس عليكم منهم . فلما انتهوا إلى أصل الثنية سلكوا طريق بني سليم ، ثم طلع فارس فقال لأصحابه : ماذا ترون؟ فقالوا : نرى فارسا طويل الباد ، واضعا رمحه على عاتقه ، عاصبا رأسه بملاءة حمراء . قال : هذا الزبير بن العوام وأقسم باللات ليخالطنكم فاثبتوا له . فلما انتهى الزبير إلى أصل الثنية أبصر القوم فصمد لهم ، فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها . قال ابن إسحاق : ولما هزم الله تعالى المشركين من أهل حنين ، وأمكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم ، قالت امرأة من المسلمين - رضي الله عنها - وعنهم :


قد غلبت خيل الله خيل اللات والله أحق بالثبات

ويروى : وخيله أحق بالثبات .

زاد محمد بن عمر :


إن لنا ماء حنين فخلوه     إن تشربوا منه فلن تعلوه

هذا رسول الله لن تغلوه

ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جهة المشركين بعد انهزامهم إلى العسكر ، وأمر أن يقتل كل من قدر عليه ، وثاب من انهزم من المسلمين .

ذكر عدد من قتل من المشركين واستحر القتل من ثقيف في بني مالك ، فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم ، فيهم عثمان بن عبد الله بن الحارث ، وكانت رايتهم مع ذي الخمار ، فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله ، فقاتل حتى قتل ،

ولما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتله ، قال : «أبعده الله ، فإنه كان يبغض قريشا .

وروى البيهقي عن عبد الله بن الحارث عن أبيه قال : قتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر .

التالي السابق


الخدمات العلمية