[ اختصاص الرسول عليا بتأدية براءة عنه ]

قال ابن إسحاق : وحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف ، عن أبي جعفر محمد بن علي رضوان الله عليه ، أنه قال : لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان بعث أبا بكر الصديق ليقيم للناس الحج ، قيل له : يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر ، فقال : لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ، ثم دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال له : اخرج بهذه القصة من صدر براءة ، وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى ، أنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته ، فخرج علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء ، حتى أدرك أبا بكر بالطريق ، فلما رآه أبو بكر بالطريق قال : أأمير أم مأمور ؟ فقال : بل مأمور ، ثم مضيا . فأقام أبو بكر للناس الحج ، والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج ، التي كانوا عليها في الجاهلية ، حتى إذا كان يوم النحر ، قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أيها الناس ، إنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريانا ، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته ، وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم أو بلادهم ، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة إلا أحد كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة ، فهو له إلى مدته . فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ، ولم يطف بالبيت عريان . ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال ابن إسحاق : فكان هذا من براءة فيمن كان من أهل الشرك من أهل العهد العام ، وأهل المدة إلى الأجل المسمى . وفي هذه القصة دليل على أن يوم الحج الأكبر يوم النحر ، واختلف في حجة الصديق هذه ، هل هي التي أسقطت الفرض ، أو المسقطة هي حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ على قولين : أصحهما : الثاني ، والقولان مبنيان على أصلين ، أحدهما : هل كان الحج فرض قبل عام حجة الوداع أو لا ؟ والثاني : هل كانت حجة الصديق - رضي الله عنه - في ذي الحجة ، أو وقعت في ذي القعدة من أجل النسيء الذي كان الجاهلية يؤخرون له الأشهر ويقدمونها ؟ على قولين ، والثاني : قول مجاهد وغيره .

وعلى هذا فلم يؤخر النبي - صلى الله عليه وسلم - الحج بعد فرضه عاما واحدا ، بل بادر إلى الامتثال في العام الذي فرض فيه ، وهذا هو اللائق بهديه وحاله صلى الله عليه وسلم ، وليس بيد من ادعى تقدم فرض الحج سنة ست أو سبع أو ثمان أو تسع دليل واحد . وغاية ما احتج به من قال : فرض سنة ست ، قوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) [ البقرة : 196 ] ، وهي قد نزلت بالحديبية سنة ست ، وهذا ليس فيه ابتداء فرض الحج ، وإنما فيه الأمر بإتمامه إذا شرع فيه ، فأين هذا من وجوب ابتدائه ، وآية فرض الحج ، وهي قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من ) ( استطاع إليه سبيلا ) [ آل عمران : 97 ] نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع .

التالي السابق


الخدمات العلمية