صفة طوافه صلوات الله وسلامه عليه فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسجد عمد إلى البيت ، ولم يركع تحية المسجد ، فإن تحية المسجد الحرام الطواف .

وكان طوافه- صلى الله عليه وسلم- في هذه المرة ماشيا فقد روى البيهقي- بإسناد جيد- كما قال ابن كثير عن جابر بن عبد الله قال : «دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى ، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- باب المسجد فأناخ راحلته ، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه ، وفاضت عيناه بالبكاء ، ثم رمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، حتى فرغ قبل الحجر ، ووضع يديه عليه ، ومسح بهما وجهه» .

وأما ما رواه مسلم ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : «طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على بعيره يستلم الركن كراهة أن يضرب عنه الناس» ، وما رواه أبو داود ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال : قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة يشتكي فطاف على راحلته وكلما أتى الركن استلم بمحجن ، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين .

وقول أبي الطفيل- رضي الله تعالى عنه- «يطوف حول البيت على بعير يستلم الركن بمحجن» رواه البيهقي .

قال : طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجته بالبيت على ناقته الجدعاء ، وعبد الله ابن أم مكتوم آخذ بخطامها يرتجز فقالا ، واللفظ لابن كثير ، إن حجة الوداع كان فيها ثلاثة أطواف ، هذا الأول ، والثاني طواف الإفاضة ، وهو طواف الفرض وكان يوم النحر . والثالث : طواف الوداع فلعل ركوبه- صلى الله عليه وسلم- كان في أحد الأخيرين ، أو في كليهما ، فأما الأول : وهو طواف القدوم فكان ماشيا فيه ، وقد نص على هذا الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه- والدليل على ذلك ما رواه البيهقي بإسناد جيد ، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال : «دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى ، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- باب المسجد فأناخ راحلته ، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه ، وفاضت عيناه بالبكاء ، ثم رمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، حتى فرغ يقبل الحجر ، ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه» .

قال ابن القيم : وحديث ابن عباس إن كان محفوظا فهي في إحدى عمره ، وإلا فقد صح عنه : الرمل في الثلاثة الأول من طواف القدوم ، إلا أن يقول كما قال ابن حزم في السعي : إنه رمل على بعيره ، فقد رمل لكن ليس في شيء من الأحاديث أنه كان راكبا في طواف القدوم .

فلما حاذى الحجر الأسود ، استلمه ولم يزاحم عليه ، ولم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني ، ولم يرفع يديه ، ولم يقل نويت بطوافي هذا الأسبوع كذا وكذا ، ولا افتتحه بالتكبير كما يفعله من لا علم عنده ، بل هو من البدع المنكرات ، ولا حاذى الحجر الأسود بجميع بدنه ثم انفتل عنه وجعله على شقه بل استقبله ، واستلمه ، ثم أخذ عن يمينه وجعل البيت عن يساره ، ولم يدع عند الباب بدعاء ولا تحت الميزاب ، ولا عند ظهر الكعبة وأركانها ، ولا وقت للطواف ذكرا معينا ، لا بفعله ولا بتعليمه بل حفظ عنه بين الركنين : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) وقال لعمر : «يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر تؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه ، وإلا فاستقبله وهلل وكبر» رواه الإمام أحمد وغيره ، والله تعالى أعلم .

ورمل- صلى الله عليه وسلم- في طوافه هذا الثلاثة الأشواط ، الأول قلت : «من الحجر إلى الحجر» رواه الإمام أحمد ، وأبو يعلى .

وكان يسرع مشيه ، ويقارب بين خطاه واضطبع بردائه فجعله على أحد كتفيه ، وأبدى كتفه الآخر ، ومنكبه ، وكلما حاذى الحجر الأسود أشار إليه واستلمه بمحجنه وقبل المحجن ، وهو عصا محنية الرأس .

وثبت عنه : أنه استلم الركن اليماني ، ولم يثبت عنه أنه قبله ، ولا قبل يده حين استلامه .

وقول ابن عباس كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقبل الركن اليماني ، ويضع خده عليه ، رواه الدارقطني ، من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز .

قال ابن القيم : «المراد بالركن اليماني ها هنا الحجر الأسود ، فإنه يسمى الركن اليماني مع الركن الآخر يقال لهما : اليمانيان ، ويقال له مع الركن الذي يلي الحجر من ناحية الباب العراقيان ، ويقال للركنين اللذين يليان الحجر الشاميان ، ويقال للركن اليماني ، والذي يلي الحجر من ظهر الكعبة الغربيان ، ولكن ثبت عنه أنه قبل الحجر الأسود ، وثبت عنه أنه استلمه بيده ، فوضع يده عليه ثم قبلها .

وثبت عنه : أنه استلمه بمحجنه ، فهذه ثلاث صفات .

وروي عنه «أنه وضع شفته عليه طويلا يبكي» .

وروى الطبراني بإسناد جيد أنه- صلى الله عليه وسلم- كان إذا استلم الركن اليماني قال : بسم الله ، والله أكبر ، وكان كلما أتى الحجر الأسود ، قال : «الله أكبر» .

وروى أبو داود الطيالسي ، عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله قبل الركن ، ثم سجد عليه ، ثم قبله ، ثم سجد عليه ، ثلاث مرات ، ولم يمس من الركنين إلا اليمانيين فقط .

قلت : «واستسقى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في طوافه» . رواه الطبراني ، عن العباس ، وفي سنده رجل لم يسم ، والله تعالى أعلم .

فلما فرغ من طوافه جاء إلى خلف المقام ، فقرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى ركعتين- والمقام بينه وبين البيت- قرأ فيهما بعد الفاتحة : بسورة الإخلاص ، وقراءته الآية المذكورة . قلت : في حديث جابر : «أنه قرأ فيهما قل هو الله أحد ، وقل يا أيها الكافرون ، فلما فرغ من صلاته أقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية