( ركوب النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا إلى منى قبل الزوال ) قال ابن سعد : فلما كان قبل يوم التروية بيوم خطب بمكة بعد الظهر فلما كان يوم الخميس ضحى توجه بمن معه من المسلمين إلى منى فأحرم بالحج من كان أحل منهم في رحالهم ، ولم يدخلوا المسجد فأحرموا منه ، بل أحرموا ومكة خلف ظهورهم فلما وصل إلى منى نزل بها فصلى بها الظهر والعصر ، وبات بها ، وكانت ليلة الجمعة ، فلما طلعت الشمس ساروا منها إلى عرفة وأخذ على طريق ضب على يمين طريق الناس اليوم ، وكان من الصحابة الملبي والمكبر ، وهو يسمع ذلك ولا ينكر على هؤلاء ولا على هؤلاء .

قلت : وفي حديث ابن عباس قال : غدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة من منى ، فلما انبعثت به راحلته وعليها قطيفة قد اشتريت بأربعة دراهم ، قال : «اللهم اجعله حجا مبرورا ، لا رياء فيه ولا سمعة» رواه الطبراني بسند جيد .

وفي حديث جابر ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أتى نمرة ، فوجد القبة قد ضربت له هناك بأمره فنزل فيها ، حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي من أرض عرفة .

قال ابن سعد : فوقف بالهضبات من عرفات وقال : «كل عرفة موقف إلا بطن عرنة» أي بالنون قال ابن تيمية وهو يعني بطن عرنة وادي من حدود عرفة .

فخطب الناس قبل الصلاة على راحلته خطبة عظيمة . قرر فيها قواعد الإسلام ، وهدم فيها قواعد الشرك والجاهلية ، وقرر فيها تحريم المحرمات التي اتفقت الملل على تحريمها ، وهي الدماء ، والأموال ، والأعراض ، ووضع فيها أمور الجاهلية تحت قدميه ، ووضع فيها ربا الجاهلية كله ، وأبطله ، وأوصاهم بالنساء خيرا ، وذكر الحق ، الذي لهن ، والذي عليهن ، وأن الواجب لهن الرزق ، والكسوة بالمعروف ، ولم يقدر ذلك بتقدير ، وأباح للأزواج ضربهن إذا أدخلن إلى بيوتهن من يكرهه أزواجهن ، وأوصى الأمة فيها بالاعتصام بكتاب الله ، وأخبر أنهم لن يضلوا ما داموا معتصمين به ، ثم أخبرهم أنهم مسئولون عنه ، واستنطقهم : بماذا يقولون ، وبماذا يشهدون ، فقالوا : نشهد أنك قد بلغت ، وأديت ، ونصحت فرفع أصبعه إلى السماء ، واستشهد الله عليهم ثلاث مرات ، وأمرهم أن يبلغ شاهدهم غائبهم .

قال ابن حزم : وأرسلت إليه أم الفضل بنت الحارث الهلالية وهي أم عبد الله بن عباس ، بقدح لبن فشربه أمام الناس ، وهو على بعيره ، فلما أتم الخطبة أمر بلالا فأقام الصلاة ، وهذا من وهمه - رحمه الله - ، فإن قصة شربه اللبن إنما كانت بعد هذا ، حين سار إلى عرفة ، ووقف بها هكذا جاء في " الصحيحين " مصرحا به عن ميمونة : أن الناس شكوا في صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة ، فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف ، فشرب منه ، والناس ينظرون . وفي لفظ ، وهو واقف بعرفة .

وموضع خطبته لم يكن من الموقف ، فإنه خطب بعرنة ، وليست من الموقف ، وهو - صلى الله عليه وسلم - ، نزل بنمرة ، وخطب بعرنة ، ووقف بعرفة ، وخطب خطبة واحدة ، ولم تكن خطبتين ، جلس بينهما ، فلما أتمها أمر بلالا فأذن ، ثم أقام الصلاة ، فصلى الظهر ركعتين ، أسر فيهما بالقراءة ، وكان يوم الجمعة ، فدل على أن المسافر لا يصلي جمعة ، ثم أقام فصلى العصر ركعتين أيضا ، ومعه أهل مكة ، وصلوا بصلاته قصرا وجمعا بلا ريب ، ولم يأمرهم بالإتمام ، ولا بترك الجمع ، ومن قال : إنه قال لهم : " أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر " فقد غلط فيه غلطا بينا ، ووهم وهما قبيحا ، وإنما قال لهم ذلك في غزاة الفتح بجوف مكة ، حيث كانوا في ديارهم مقيمين .

ولهذا كان أصح أقوال العلماء : إن أهل مكة يقصرون ويجمعون بعرفة ، كما فعلوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي هذا أوضح دليل على أن سفر القصر لا يتحدد بمسافة معلومة ، ولا بأيام معلومة ، ولا تأثير للنسك في قصر الصلاة البتة ، وإنما التأثير لما جعله الله سببا وهو السفر ، هذا مقتضى السنة ، ولا وجه لما ذهب إليه المحددون . فلما فرغ من صلاته ، ركب حتى أتى الموقف ، فوقف في ذيل الجبل عند الصخرات ، واستقبل القبلة ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، وكان على بعيره فأخذ في الدعاء ، والتضرع ، والابتهال إلى غروب الشمس ، وأمر الناس أن يرفعوا عن بطن عرنة ، وأخبر أن عرفة لا تختص بموقفه ذلك ، بل قال : " وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ".

وأرسل إلى الناس أن يكونوا على مشاعرهم ، ويقفوا بها ، فإنها من إرث أبيهم إبراهيم ، وهنالك أقبل ناس من أهل نجد ، فسألوه عن الحج ، فقال :" الحج عرفة ، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع ، تم حجه ، أيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين ، فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه ".

وكان في دعائه رافعا يديه إلى صدره كاستطعام المسكين ، وأخبرهم أن خير الدعاء دعاء يوم عرفة . وهناك سقط رجل من المسلمين عن راحلته ، وهو محرم ، فمات ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفن في ثوبيه ، ولا يمس بطيب ، وأن يغسل بماء ، وسدر ، ولا يغطى رأسه ، ولا وجهه ، وأخبر أن الله تعالى يبعثه يوم القيامة يلبي .

وفي هذه القصة اثنا عشر حكما .

الأول : وجوب غسل الميت لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به . الحكم الثاني : أنه لا ينجس بالموت ؛ لأنه لو نجس بالموت لم يزده غسله إلا نجاسة ؛ لأن نجاسة الموت للحيوان عينية ، فإن ساعد المنجسون على أنه يطهر بالغسل ، بطل أن يكون نجسا بالموت ، وإن قالوا : لا يطهر ، لم يزد الغسل أكفانه وثيابه وغاسله إلا نجاسة .

الحكم الثالث : أن المشروع في حق الميت ، أن يغسل بماء وسدر ، لا يقتصر به على الماء وحده ، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسدر في ثلاثة مواضع هذا أحدها ، والثاني : في غسل ابنته بالماء والسدر ، والثالث : في غسل الحائض .

وفي وجوب السدر في حق الحائض قولان في مذهب أحمد . الحكم الرابع : أن تغير الماء بالطاهرات لا يسلبه طهوريته ، كما هو مذهب الجمهور ، وهو أنص الروايتين عن أحمد ، وإن كان المتأخرون من أصحابه على خلافها ، ولم يأمر بغسله بعد ذلك بماء قراح ، بل أمر في غسل ابنته أن يجعلن في الغسلة الأخيرة شيئا من الكافور ، ولو سلبه الطهورية ، لنهى عنه ، وليس القصد مجرد اكتساب الماء من رائحته حتى يكون تغير مجاورة ، بل هو تطييب البدن ، وتصليبه ، وتقويته ، وهذا إنما يحصل بكافور مخالط لا مجاور . الحكم الخامس : إباحة الغسل للمحرم ، وقد تناظر في هذا عبد الله بن عباس ، والمسور بن مخرمة ، ففصل بينهما أبو أيوب الأنصاري ، بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اغتسل وهو محرم ، واتفقوا على أنه يغتسل من الجنابة ولكن كره مالك - رحمه الله - أن يغيب رأسه في الماء ؛ لأنه نوع ستر له ، والصحيح أنه لا بأس به فقد فعله عمر بن الخطاب وابن عباس . الحكم السادس : أن المحرم غير ممنوع من الماء والسدر ، وقد اختلف في ذلك ، فأباحه الشافعي ، وأحمد في أظهر الروايتين عنه ومنع منه مالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد في رواية ابنه صالح عنه . قال : فإن فعل أهدى ، وقال صاحبا أبي حنيفة : إن فعل فعليه صدقة .

وللمانعين ثلاث علل .

إحداها : أنه يقتل الهوام من رأسه ، وهو ممنوع من التفلي .

الثانية : أنه ترفه ، وإزالة شعث ينافي الإحرام .

الثالثة : أنه يستلذ رائحته ، فأشبه الطيب ولا سيما الخطمي . والعلل الثلاث واهية جدا ، والصواب جوازه للنص ، ولم يحرم الله ورسوله على المحرم إزالة الشعث بالاغتسال ، ولا قتل القمل ، وليس السدر من الطيب في شيء . الحكم السابع : أن الكفن مقدم على الميراث ، وعلى الدين ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يكفن في ثوبيه ، ولم يسأل عن وارثه ، ولا عن دين عليه . ولو اختلف الحال ، لسأل .

وكما أن كسوته في الحياة مقدمة على قضاء دينه ، فكذلك بعد الممات ، هذا كلام الجمهور ، وفيه خلاف شاذ لا يعول عليه . الحكم الثامن : جواز الاقتصار في الكفن على ثوبين ، وهما إزار ورداء ، وهذا قول الجمهور . وقال القاضي أبو يعلى : لا يجوز أقل من ثلاثة أثواب عند القدرة ؛ لأنه لو جاز الاقتصار على ثوبين لم يجز التكفين بالثلاثة لمن له أيتام والصحيح : خلاف قوله ، وما ذكره ينقض بالخشن مع الرفيع . الحكم التاسع : أن المحرم ممنوع من الطيب ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يمس طيبا ، مع شهادته له أنه يبعث ملبيا ، وهذا هو الأصل في منع المحرم من الطيب .

وفي " الصحيحين " : من حديث ابن عمر " لا تلبسوا من الثياب شيئا مسه ورس أو زعفران ".

وأمر الذي أحرم في جبة بعد ما تضمخ بالخلوق ، أن تنزع عنه الجبة ، ويغسل عنه أثر الخلوق . فعلى هذه الأحاديث الثلاثة مدار منع المحرم من الطيب . وأصرحها : هذه القصة ، فإن النهي في الحديثين الأخيرين إنما هو عن نوع خاص من الطيب لا سيما الخلوق ، فإن النهي عنه عام في الإحرام وغيره .

وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى أن يقرب طيبا ، أو يمس به تناول ذلك الرأس والبدن والثياب وأما شمه من غير مس فإنما حرمه من حرمه بالقياس ، وإلا فلفظ النهي لا يتناوله بصريحه ولا إجماع معلوم فيه ، يجب المصير إليه ، ولكن تحريمه من باب تحريم الوسائل ، فإن شمه يدعو إلى ملامسته في البدن والثياب ، كما يحرم النظر إلى الأجنبية ؛ لأنه وسيلة إلى غيره ، وما حرم تحريم الوسائل فإنه يباح للحاجة ، أو المصلحة الراجحة ، كما يباح النظر إلى الأمة المستامة ، والمخطوبة ، ومن شهد عليها ، أو يعاملها ، أو يطبها .

وعلى هذا ، فإنما يمنع المحرم من قصد شم الطيب للترفه ، واللذة ، فأما إذا وصلت الرائحة إلى أنفه من غير قصد منه ، أو شمه قصدا لاستعلامه عند شرائه ، لم يمنع منه ، ولم يجب عليه سد أنفه ، فالأول بمنزلة نظر الفجأة ، والثاني : بمنزلة نظر المستام والخاطب ، ومما يوضح هذا ، أن الذين أباحوا للمحرم استدامة الطيب قبل الإحرام منهم من صرح بإباحة تعمد شمه بعد الإحرام ، صرح بذلك أصحاب أبي حنيفة فقالوا : في"جوامع الفقه" لأبي يوسف : لا بأس بأن يشم طيبا تطيب به قبل إحرامه ، قال : صاحب " المفيد " : إن الطيب يتصل به فيصير تبعا له ؛ ليدفع به أذى التعب بعد إحرامه ، فيصير كالسحور في حق الصائم ، يدفع به أذى الجوع والعطش في الصوم ، بخلاف الثوب فإنه بائن عنه .

وقد اختلف الفقهاء ، هل هو ممنوع من استدامته كما هو ممنوع من ابتدائه أو يجوز له استدامته ؟ على قولين .

فمذهب الجمهور : جواز استدامته اتباعا لما ثبت بالسنة الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يتطيب قبل إحرامه ، ثم يرى وبيص الطيب في مفارقه بعد إحرامه ، وفي لفظ "وهو يلبي" وفي لفظ " بعد ثلاث " . وكل هذا يدفع التأويل الباطل الذي تأوله من قال : إن ذلك كان قبل الإحرام فلما اغتسل ذهب أثره . وفي لفظ : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد ، ثم يرى ، وبيص الطيب في رأسه ، ولحيته بعد ذلك ، ولله ما يصنع التقليد ، ونصرة الآراء بأصحابه .

وقال آخرون منهم : إن ذلك كان مختصا به ، ويرد هذا أمران ، أحدهما : أن دعوى الاختصاص لا تسمع إلا بدليل .

والثاني : ما رواه أبو داود ، عن عائشة ، ( كنا نخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ، فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإحرام ، فإذا عرقت إحدانا ، سال على وجهها ، فيراه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينهانا ) . الحكم العاشر : أن المحرم ممنوع من تغطية رأسه ، والمراتب فيه ثلاث : ممنوع منه بالاتفاق ، وجائز بالاتفاق ، ومختلف فيه ، فالأول : كل متصل ملامس يراد لستر الرأس ، كالعمامة ، والقبعة ، والطاقية ، والخوذة وغيرها .

والثاني : كالخيمة ، والبيت والشجرة ، ونحوها ، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ضربت له قبة بنمرة وهو محرم ، إلا أن مالكا منع المحرم أن يضع ثوبه على شجرة ؛ ليستظل به ، وخالفه الأكثرون ، ومنع أصحابه المحرم أن يمشي في ظل المحمل .

والثالث : كالمحمل ، والمحارة ، والهودج ، فيه ثلاثة أقوال : الجواز ، وهو قول الشافعي ، وأبي حنيفة - رحمهما الله - ، والثاني : المنع . فإن فعل افتدى ، وهو مذهب مالك - رحمه الله - . والثالث : المنع فإن فعل فلا فدية عليه ، والثلاثة روايات عن أحمد - رحمه الله - . الحكم الحادي عشر : منع المحرم من تغطية وجهه ، وقد اختلف في هذه المسألة ، فمذهب الشافعي ، وأحمد في رواية إباحته ومذهب مالك ، وأبي حنيفة ، وأحمد في رواية المنع ، منه وبإباحته قال ستة من الصحابة عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وزيد بن ثابت ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وجابر - رضي الله عنهم - . وفيه قول ثالث شاذ : إن كان حيا ، فله تغطية وجهه ، وإن كان ميتا ، لم يجز تغطية وجهه ، قاله ابن حزم ، وهو اللائق بظاهريته .

واحتج المبيحون بأقوال هؤلاء الصحابة ، وبأصل الإباحة ، وبمفهوم قوله : " ولا تخمروا رأسه " وأجابوا عن قوله : " ولا تخمروا وجهه " بأن هذه اللفظة غير محفوظة فيه . قال شعبة : حدثنيه أبو بشر ، ثم سألته عنه بعد عشر سنين ، فجاء بالحديث كما كان ، إلا أنه قال : " لا تخمروا رأسه ، ولا وجهه " قالوا : وهذا يدل على ضعفها . قالوا : وقد روي في هذا الحديث " خمروا وجهه ، ولا تخمروا رأسه ". الحكم الثاني عشر : بقاء الإحرام بعد الموت ، وأنه لا ينقطع به ، وهذا مذهب عثمان ، وعلي ، وابن عباس ، وغيرهم - رضي الله عنهم - ، وبه قال أحمد ، والشافعي ، وإسحاق ، وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي : ينقطع الإحرام بالموت ، ويصنع به كما يصنع بالحلال ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا مات أحدكم انقطع عمله إلا من ثلاث ".

قالوا : ولا دليل في حديث الذي وقصته راحلته ؛ لأنه خاص به ، كما قالوا في صلاته على النجاشي : إنها مختصة به .

قال الجمهور : دعوى التخصيص على خلاف الأصل ، فلا تقبل ، وقوله في الحديث : " فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " ، إشارة إلى العلة . فلو كان مختصا به لم يشر إلى العلة ، ولا سيما إن قيل : لا يصح التعليل بالعلة القاصرة . وقد قال نظير هذا في شهداء أحد ، فقال : " زملوهم في ثيابهم ، بكلومهم ، فإنهم يبعثون يوم القيامة اللون لون الدم ، والريح ريح المسك " . وهذا غير مختص بهم وهو نظير قوله : " كفنوه في ثوبيه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " ولم تقولوا : إن هذا خاص بشهداء أحد فقط ، بل عديتم الحكم إلى سائر الشهداء مع إمكان ما ذكرتم من التخصيص فيه . وما الفرق ؟ وشهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الموضعين واحدة ، وأيضا : فإن هذا الحديث موافق لأصول الشرع والحكمة التي رتب عليها المعاد ، فإن العبد يبعث على ما مات عليه ، ومن مات على حالة بعث عليها فلو لم يرد هذا الحديث ، لكانت أصول الشرع شاهدة به . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية