صفة حلقه رأسه الكريم ، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم

فلما أكمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نحره استدعى بالحلاق فحلق رأسه ، فقال للحلاق- وهو معمر بن عبد الله بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف- وحضر المسلمون يطلبون من شعره- وهو قائم على رأسه بالموسى ، ونظر في وجهه وقال : «يا معمر أمكنك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من شحمة أذنه وفي يدك الموسى» ، قال معمر ، فقلت : أما والله يا رسول الله إن ذلك من نعم الله علي ومنه .

قال للحلاق : «خذ» ، وأشار إلى جانبه الأيمن ، فلما فرغ منه قسم شعره على من يليه ، ثم أشار إلى الحلاق ، فحلق جانبه الأيسر ، ثم قال : «هاهنا أبو طلحة» ، فدفعه إليه .

قال ابن سعد : وحلق رأسه وأخذ من شاربه وعارضيه وقلم أظفاره وأمر بشعره وأظفاره أن تدفن .

وروى البخاري ، عن ابن سيرين ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ شعره ، قال : وهذا لا يناقض رواية مسلم : لجواز أن يصيب أبا طلحة من الشق الأيمن مثل ما أصاب غيره ، ويختص بالشق الآخر ، لكن قد روى مسلم- أيضا- من حديث أنس «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما رمى الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه ، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر فقال : «احلق» فحلقه فأعطاه أبا طلحة فقال : «اقسمه بين الناس» .

ففي هذه الرواية ، كما ترى أن نصيب أبي طلحة كان الشق الأيمن وفي الأولى أنه كان الأيسر وفي رواية أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعطاه أم سليم ولا يعارض هذا دفعه لأبي طلحة لأنها امرأته ،

وفي لفظ : فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس ، ثم قال : بالأيسر فصنع به مثل ذلك ثم قال : «ها هنا أبو طلحة» فدفعه إليه ، وفي لفظ ثالث : دفع إلى أبي طلحة شعر شق رأسه الأيسر ، ثم أظفاره وقسمها بين الناس .

وكلمه خالد بن الوليد في ناصيته حين حلق فدفعها إليه فكان يجعلها في مقدم قلنسوته ، فلا يلقى جمعا إلا فضه .

وذكر الإمام أحمد - رحمه الله - من حديث محمد بن عبد الله بن زيد ، أن أباه حدثه أنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عند المنحر ، ورجل من قريش ، وهو يقسم أضاحي فلم يصبه شيء ، ولا صاحبه فحلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه في ثوبه ، فأعطاه فقسم منه على رجال ، وقلم أظفاره فأعطاه صاحبه ، قال : فإنه عندنا مخضوب بالحناء والكتم يعني شعره .

ودعا للمحلقين بالمغفرة ثلاثا ، وللمقصرين مرة ، وحلق كثير من الصحابة ، بل أكثرهم وقصر بعضهم ، وهذا مع قوله تعالى : ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين ) [ الفتح 27 ] ومع قول عائشة - رضي الله عنها - ، طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم ولإحلاله قبل أن يحل ، دليل على أن الحلق نسك وليس بإطلاق من محظور .

التالي السابق


الخدمات العلمية