فيما جاء أنه خير بين أن يبقى حتى يرى ما يفتح على أمته وبين التعجيل واستغفاره- صلى الله عليه وسلم- لأهل البقيع

روى ابن إسحاق والإمام أحمد وابن سعد والبيهقي عن أبي مويهبة والإمام أحمد وابن سعد والبيهقي عن أبي رافع موليا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهما- واللفظ لأبي مويهبة- قال : أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يصلى على أهل البقيع فصلى عليهم ثلاث مرات ، فلما كان في الثانية هبني من جوف الليل فقال : «يا أبا مويهبة إني أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فأسرج لي دابتي» قال : فركب ومشيت حتى انتهى إليهم فنزل عن دابته ، وأمسكت الدابة ، فلما وقف بين أظهرهم قال : «السلام عليكم يا أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس ، لو تعلمون ما نجاكم الله منه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا ، يتبع آخرهم أولها ، الآخرة شر من الأولى» ، ثم أقبل علي وقال : «يا أبا مويهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة . فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة» قال : قلت بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة ، قال : «لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة» ، ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف ، فبدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في وجعه الذي قبضه الله عز وجل فيه حين أصبح .

وروى ابن سعد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فلبس ثيابه ثم خرج ، فأمرت خادمتي بريرة ، فتبعته حتى إذا جاء البقيع وقف في أدناه ما شاء الله أن يقف ثم انصرف فسبقته بريرة فأخبرتني فلم أذكر له شيئا حتى أصبح ، ثم ذكرت له ذلك فقال «إني بعثت لأهل البقيع لأصلي عليهم» .

وروى أيضا عنها قالت : فقدت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الليل فتبعته فإذا هو بالبقيع فقال : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أنتم لنا فرط آتانا الله وآتاكم ما توعدون ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم» قالت : ثم التفت إلي فقال : «ويحها لو تستطيع ما فعلت» .

قال ابن إسحاق : وقال الزهري : حدثني أيوب بن بشير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ، ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد ، واستغفر لهم ، فأكثر الصلاة عليهم ، ثم قال : إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عند الله . قال : ففهمها أبو بكر ، وعرف أن نفسه يريد ، فبكى وقال : بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا ، فقال : على رسلك يا أبا بكر ، ثم قال : انظروا هذه الأبواب اللافظة في المسجد ، فسدوها إلا بيت أبي بكر ، فإني لا أعلم أحدا كان أفضل في الصحبة عندي يدا منه

قال ابن هشام : ويروى : إلا باب أبي بكر .

قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله ، عن بعض آل أبي سعيد بن المعلى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال يومئذ في كلامه هذا : فإني لو كنت متخذا من العباد خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صحبة وإخاء إيمان حتى يجمع الله بيننا عنده وروى عبد الرزاق بسند جيد قوي عن طاووس مرسلا قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «نصرت بالرعب وأعطيت الخزائن ، وخيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل» .

وروي عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع على المنبر فقال : «إني بين أيديكم فرط ، وأنا عليكم شهيد ! وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا ، لست أخشى عليكم أن تشركوا ، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها» .

قال عقبة : وكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

التالي السابق


الخدمات العلمية