فصل في ذكر الوقت الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومبلغ سنه حال وفاته ، عن ابن عباس ، قال: ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين ، [واستنبئ يوم الاثنين] ، وتوفي يوم الاثنين ، وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين ، وقدم المدينة يوم الاثنين ، ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين" .

وقال غيره: بعث يوم الاثنين ، وخرج من مكة يوم الاثنين .
وقال السهيلي وابن كثير والحافظ : لا خلاف أنه- صلى الله عليه وسلم- توفي يوم الاثنين في ربيع الأول .

قال ابن عقبة : حين زاغت الشمس .

قال في المنهل : والأكثر على أنه حين اشتد الضحى .

قال الأكثر في الثاني عشر منه وعند ابن عقبة ، والليث والخوارزمي من هلال ربيع الأول .

وعند أبي مخنف والكلبي في ثانيه ، وجزم به سليمان بن طرخان في «مغازيه» ورواه ابن سعد عن محمد بن قيس ، ورواه ابن عساكر عن سعيد بن إبراهيم عن الزهري وعن أبي نعيم الفضل بن دكين ورجحه السهيلي .

وعلى القولين يتنزل ما نقله الرافعي أنه عاش بعد حجته ثمانين يوما .

وقيل : إحدى وثمانين ، وأما على ما جزم به النووي فيكون عاش بعد حجته تسعين يوما ، أو إحدى وتسعين يوما .

واستشكل السهيلي وتابعه غير واحد ما عليه الأكثر من كونه مات يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول ، وذلك أنهم اتفقوا على أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة ، وهو التاسع من ذي الحجة ، فدخل ذي الحجة يوم الخميس ، فكان المحرم إما الجمعة وإما السبت ، فإن كان الجمعة فقد كان صفر إما السبت وإما الأحد ، وإن كان السبت فقد كان ربيع الأول الأحد أو الاثنين ، وكيفما دارت الحال على هذا الحساب فلم يكن الثاني عشر من ربيع الأول بوجه .

وقول أبي مخنف والكلبي وإن كان خلاف [أهل] الجمهور ، فإنه لا يبعد أن كانت الثلاثة الأشهر التي قبله كلها تسعة وعشرين فتدبره ، فإنه صحيح .

وقول ابن عقبة والخوارزمي أقرب في القياس من قول أبي مخنف ومن تابعه .

قال ابن كثير : وقد حاول جماعة الجواب عنه ، ولا يمكن الجواب عنه إلا بمسلك واحد ، وهو اختلاف المطالع ، بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس ، وأما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة .

ويؤيد هذا قول عائشة وغيرها ، خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لخمس بقين من ذي القعدة ، يعني : من المدينة إلى حجة الوداع [ويتعين بما ذكرناه أنه خرج يوم السبت ، وليس كما زعم ابن حزم أنه خرج يوم الخميس ، لأنه قد بقي أكثر من خمس بلا شك ، ولا جائز أن يكون خرج يوم الجمعة لأن أنسا قال : صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين فتعين أنه خرج يوم السبت لخمس بقين] .

فعلى هذا إنما رأى أهل المدينة هلال ذي الحجة ليلة الجمعة ، وإذا كان هلال ذي الحجة عند أهل المدينة الجمعة ، وحسبت الشهور بعده كوامل يكون أول ربيع الأول يوم الخميس ، فيكون ثاني عشر يوم الاثنين ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية