وقد اشتغل الصحابة رضي الله عنهم ، ببيعة الصديق بقية يوم الاثنين وبعض يوم الثلاثاء ، فلما تمهدت وتوطدت وتمت ، شرعوا بعد ذلك في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مقتدين في كل ما أشكل عليهم بأبي بكر الصديق ، رضي الله عنه . قال ابن إسحاق : فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الثلاثاء .

وروى ابن سعد ، عن علي ، وأبو داود ومسدد ، وأبو نعيم وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه الذهبي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : لما أرادوا غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اختلفوا فيه ، فقالوا : والله ما ندري كيف نصنع أنجرد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثيابه كما نجرد موتانا ، أم نغسله وعليه ثيابه ، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم ، حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن غسلوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه ، فقاموا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليه قميصه ، فغسلوه يفاض عليه الماء والسدر فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم [فكانت عائشة تقول : لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ، ما غسله إلا نساؤه] .

وروى ابن سعد عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال : لما أخذنا في جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أغلقنا الباب دون الناس جميعا ، فنادت الأنصار : نحن أخواله ، ومكاننا من الإسلام مكاننا . ونادت قريش : نحن عصبته ، فصاح أبو بكر : يا معشر المسلمين ، كل قوم أحق بجنازتهم من غيرهم فننشدكم الله ، فإنكم إن دخلتم أخرتموهم عنه ، والله لا يدخل عليه إلا من دعي . وروى ابن سعد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه عن علي - رضي الله تعالى عنه- قال : غسلت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذهبت أنظر ما يكون من الميت ، فلم أر شيئا ، وكان طيبا حيا وميتا [وولي دفنه وإخباءه دون الناس أربعة : علي والعباس والفضل ، وصالح مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولحد رسول الله لحدا ، ونصب عليه اللبن نصبا .

وروى ابن سعد والبزار والبيهقي بسند فيه ضعف عنه قال : أوصى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن لا يغسله أحد غيري؛ فإنه لا يرى أحد عورته إلا طمست عيناه .

قال علي : فكان الفضل وأسامة يناولان الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين .

قال علي : فما تناولت عضوا إلا كأنما يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله
.

وروى البيهقي من طريق أبي معشر عن محمد بن قيس مرسلا وفيه ضعف قال : قال علي : وما كنا نريد أن نرفع منه عضوا لنغسله إلا رفع لنا حتى انتهينا إلى عورته ، فسمعنا من جانب البيت صوتا لا تكشفوا عن عورة نبيكم .

وروى ابن سعد عن عبد الله بن الحارث : أن عليا غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجعل يقول : طبت حيا وميتا ، وقال : وسطعت ريح طيبة لم يجدوا مثلها قط .

وروى الطبراني مثله عن ابن عباس .



وروى ابن سعد عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال : غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي ، والفضل ، وأسامة بن زيد وشقران ، وولي غسل سفلته علي ، والفضل محتضنه ، وكان العباس وأسامة بن زيد وشقران يصبون الماء .

وروى ابن سعد بسند ضعيف عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن العباس لم يحضر غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : لأني كنت أراه يستحي أن أراه حاسرا .

وفي عدة أحاديث أنه حضر غسله .

وروى ابن ماجه عن علي - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « إذا أنا مت فاغسلوني بسبع قرب من بئر غرس » .

وروى ابن سعد والبيهقي عن أبي جعفر محمد بن علي قال : غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثا بالسدر ، وغسل وعليه قميص وغسل من بئر يقال لها الغرس [ لسعد بن حيثمة بقباء] وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يشرب منها وولي غسله علي ، والفضل محتضنه ، والعباس يصب الماء ، فجعل الفضل يقول : أرحني ، قطعت وتيني ، إني لأجد شيئا يترطل علي مرتين .

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه- قال : اجتمع القوم لغسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وليس في البيت إلا أهله : عمه العباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، والفضل بن عباس ، وقثم بن عباس ، وأسامة بن زيد بن حارثة ، وصالح مولاه . فلما اجتمعوا لغسله نادى مناد من وراء الناس ، وهو أوس بن خولي الأنصاري ، أحد بني عوف بن الخزرج ، وكان بدريا على علي بن أبي طالب فقال : يا علي ننشدك الله وحظنا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له علي : ادخل ، فدخل ، فحضر غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم يل من غسله شيئا ، فأسنده علي إلى صدره ، وعليه قميصه ، وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه مع علي ، وكان أسامة بن زيد ، وصالح مولاه يصبان الماء ، وجعل علي يغسله ولم ير من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا مما يرى من الميت ، وهو يقول : بأبي وأمي ، ما أطيبك حيا وميتا! حتى إذا فرغوا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان يغسل بالماء والسدر جففوه ، ثم صنع به ما يصنع بالميت .

وروى ابن سعد والحاكم في «الإكليل» عن هارون بن سعد قال : كان عند علي مسك ، فأوصى أن يحنط به ، وكان علي يقول : هو فضل حنوط رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

. [وقال أحمد: وحدثنا يحيى بن يمان ، عن حسن بن صالح] ، عن جعفر بن محمد ، قال: كان الماء يستبقع في جفون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان علي يحسوه . وقال الإمام مالك - رحمه الله تعالى- في موطئه : رواية سعيد بن عفير : حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «غسل في قميص» .

قال الباجي : يحتمل أن يكون ذلك خاصا به؛ لأن السنة عند مالك وأبي حنيفة والجمهور أن يجرد الميت ولا يغسل في قميصه . انتهى .

قلت : الأصل عدم الخصوصية حتى يقوم عليه الدليل ولم يوجد .

التالي السابق


الخدمات العلمية