الصلاة عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه

قال ابن إسحاق : فلما فرغ من جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الثلاثاء وضع في سريره في بيته ، ثم دخل الناس على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلون عليه أرسالا ، حتى إذا فرغوا دخل النساء ، حتى إذا فرغن دخل الصبيان ، ولم يؤم الناس على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحد .

ورواه ابن ماجه والبيهقي .

وروى الإمام أحمد عن أبي عسيب مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا : كيف نصلي عليك ؟ قال : ادخلوا علي أرسالا أرسالا قال : فكانوا يدخلون عليه ، فيصلون ثم يخرجون من الباب الآخر .

وروى أبو يعلى والإمام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : أضجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على السرير ، ثم أذن للناس ، فدخلوا عليه فوجا فوجا يصلون عليه بغير إمام ، حتى لم يبق أحد بالمدينة حر ولا عبد إلا صلى عليه .

وروى ابن سعد عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما وضع على سريره ، فقال علي : لا يقوم عليه أحد ، هو إمامكم حيا وميتا! فكان يدخل الناس رسلا رسلا ، فيصلون عليه صفا صفا ، ليس لهم إمام وعلي قائم بحيال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، اللهم إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه ، ونصح لأمته ، وجاهد في سبيل الله ، حتى أعز الله دينه ، وتمت كلمته ، اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل الله إليه ، وثبتنا بعده ، واجمع بيننا وبينه .

قال محمد بن عمرالأسلمي : حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال : وجدت هذا في صحيفة بخط أبي فيها أنه : لما كفن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووضع على سريره دخل أبو بكر وعمر فقالا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار قدر ما يسع البيت ، فسلموا كما سلم أبو بكر وعمر وصفوا صفوفا لا يؤمهم أحد ، فقال أبو بكر وعمر : وهما في الصف الأول حيال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اللهم إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته ، وجاهد في سبيل الله تعالى ، حتى أعز الله تعالى دينه وتمت كلماته ، فآمن به وحده لا شريك له ، فاجعلنا يا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه ، واجمع بيننا وبينه حتى يعرفنا ونعرفه؛ فإنه كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما ، لا نبتغي بالإيمان بدلا ولا نشتري به ثمنا أبدا ، فيقول الناس : آمين آمين! ثم يخرجون ويدخل آخرون حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان .

قال بعض العلماء : صلوا عليه بعد الزوال يوم الاثنين إلى مثله من الثلاثاء .

وقيل : إنهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون .

قال الشيخ مجد الدين الفيروزآبادي في القاموس : صلوا عليه ، فنادى مناد : صلوا أفواجا بلا إمام .

وقيل : جماعات جماعات ، وحزروا ثلاثين ألفا من الملائكة ، فيكونون ستين ألفا؛ لأن مع كل واحد ملكين . انتهى .

وروي عن سالم بن عبد الله - رحمه الله تعالى- قال : قالوا لأبي بكر : هل يصلى على الأنبياء ؟ قال : يجيء قوم فيكبرون ويدعون ، ويجيء آخرون حتى يفرغ الناس . [وأخبرنا إسماعيل بن أحمد ، أخبرنا أبو منصور العكبري ، أخبرنا ابن بشران ، أخبرنا عمر بن الحسن ، حدثنا أبو بكر القرشي ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا سفيان بن عيينة] ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال: صلي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغير إمام ، يدخل عليه المسلمون زمرا فيصلون عليه ويخرجون ، فلما صلي عليه نادى عمر رضي الله عنه: خلوا الجنازة وأهلها . تنبيهات

قال ابن كثير وغيره : وصلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه أمر مجمع عليه لا خلاف فيه .

قال ابن كثير : فلو صح حديث ابن مسعود؛ أي السابق في باب جمعه أصحابه لكان نصا في ذلك ، ويكون في باب التعبد الذي لا نعقل معناه .

قلت : الحديث سنده جيد ، وليس لأحد أن يقول إنه لم يكن لهم إمام؛ لأنهم إنما شرعوا في تجهيزه- عليه الصلاة والسلام- بعد تمام بيعة أبي بكر .

وقد اختلف في تعليله ، فقال الإمام الشافعي : إنما صلوا عليه فرادى لعظم أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه ، وصلوا مرة بعد أخرى . انتهى .

قال بعض العلماء : إنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه ، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد أخرى ، من كل فرد فرد من آحاد الصحابة ، رجالهم ونسائهم ، وصبيانهم ، حتى العبيد والإماء .

قال السهيلي وغيره : أن المسلمين صلوا عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد ، كلما جاءت طائفة صلت عليه ، وهذا مخصوص به- صلى الله عليه وسلم- ولا يكون هذا الفعل إلا عن توقيف .

وكذلك روي أنه أوصى بذلك . ذكره الطبري [مسندا] ووجه الفقه فيه أن الله تعالى افترض الصلاة علينا عليه بقوله صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب : 56] وحكم هذه الصلاة التي تضمنتها الآية أن لا تكون بإمام ، والصلاة عليه عند موته داخلة في لفظ الآية ، وهي متناولة لها وللصلاة عليه على كل حال .

وأيضا : فإن الرب تبارك وتعالى [قد أخبر أنه يصلي عليه وملائكته ، فإذا كان الرب تعالى] هو المصلي والملائكة ، قيل : المؤمنين ، وجب أن تكون صلاة المؤمنين تبعا لصلاة الملائكة وأن تكون الملائكة هم الإمام . انتهى .

وقال أبو عمر - رحمه الله تعالى- : وصلاة الناس عليه أفذاذا لم يؤمهم أحد أمر مجمع عليه عند أهل السنة وجماعة أهل النقل لا يختلفون فيه ، ووافق أبا عمر على ذلك خلائق من العلماء حكوا فيه الإجماع ، وتعقب أبو عمر بعض المغاربة بأن ابن القصار ، حكى الخلاف هل صلوا عليه الصلاة المعهودة أو دعوا فقط ؟ وهل صلوا أفرادا أو جماعة ؟ واختلفوا فيمن أم بهم .

فقيل : أبو بكر ، وروي ذلك بإسناد لا يصح فيه حرام بن عثمان وهو ضعيف جدا .

قال ابن دحية : وهو ضعيف بيقين لضعف رواته وانقطاعه ، وتعقبه بعض العلماء بوجوه .

الأول : أن الموجود في كتب «المغازي» و «الحديث» هو ما ذكره ولم يوجد أنهم صلوا عليه بإمام في حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف .

الثاني : قال الإمام الشافعي ، ويحيى بن معين ، والجوزجاني : الرواية عن حرام .

وقال الإمام مالك ويحيى : ليس بثقة ، واتهمه غير واحد من الحفاظ .

الثالث : حديث ابن مسعود السابق ، وقد ورد من طرق يقوي بعضها بعضا ويرتقي بها الحديث إلى قريب من درجة الحسن ، وهو نص فيما قاله أبو عمر .

قال أبو الخطاب بن دحية : والصحيح أن المسلمين صلوا عليه فرادى لا يؤمهم أحد ، وبه جزم الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه- قال : وذلك لعظم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي ، وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه وصلوا عليه مرة بعد أخرى .

قال ابن كثير : وعلى تقدير صحته يكون ذلك من باب التعبد الذي لا يعقل معناه .

والصحيح الذي عليه الجمهور أن صلاة الصحابة عليه كانت حقيقة لا مجرد الدعاء فقط ، قاله القاضي عياض ، وتبعه النووي رحمهما الله تعالى .

وذهب شرذمة إلى أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يصل عليه الصلاة المعتادة ، وإنما كان الناس يأتون فيدعون ويترحمون .

قال الباجي : ووجه : أنه- صلى الله عليه وسلم- أفضل من كل شهيد ، والشهيد يغنيه فضله عن الصلاة عليه ، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أولى ، قال : وفارق الشهيد في الغسل؛ لأن الشهيد حذر من غسله لإزالة الدم عنه ، وهو مطلوب بقاؤه لطيبه ، ولأنه عنوان شهادته في الآخرة ، وليس على النبي- صلى الله عليه وسلم- ما يكره إزالته فافترقا .

الرابع : قال في «المورد» نقلت من خط شيخنا الحافظ الزاهد أبي عبد الله محمد بن عثمان المعروف بالضياء الرازي قال : قال سحنون بن سعيد : سألت جميع من لقيت من فقهاء الأمصار من أهل المغرب والمشرق ، عن الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته : هل صلوا عليه ؟ وكم كبر عليه ؟ فكل لم يدر حتى قدمت المدينة ، فلقيت عبد الله بن ماجشون ، فسألته فقال : صلى عليه اثنان وتسعون صلاة ، وكذلك صلى على عمه حمزة ، قال : قلت : من أين لك هذا دون الناس ؟ قال : وجدتها في الصندوق التي تركها مالك ، وفيه عميقات المسائل ومشكلات الأحاديث بخطه عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- .

قال الحافظ أبو الفضل العراقي في سيرته المنظومة .

وليس هذا بمتصل الإسناد عن مالك في كتب النقاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية