[ زواجه بخديجة ] أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، زوجه إياها أبوها قبل البعثة - خويلد بن أسد ، ويقال أخوها عمرو بن خويلد ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بكرة فولدت له القاسم ، وبه كان يكنى ، والطيب ، والطاهر ، وزينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة .

قلت : وهي أم أولاده كلهم سوى إبراهيم فمن مارية ، وقال الزبير بن بكار -رحمه الله تعالى- : كانت خديجة -رضي الله تعالى عنها- قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي ، فولدت له جارية اسمها هند ، ثم خلف عليها أبو هالة مالك بن نباش بن زرارة بن واقد بن حبيب بن سلامة بن عدي بن أسد بن عمرو بن تميم ، حليف بني عبد الدار بن قصي ، فولدت له هند وهالة ، فهما أخوا ولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رواه الطبراني والأكثر ، تقدم أبي هالة على عتيق . وأما عن كيفية زواجه -صلى الله عليه وسلم- إياها :

روى الإمام أحمد برجال الصحيح عن ابن عباس ، والبزار والطبراني برجال ثقات أكثرهم رجال الصحيح عن جابر بن سمرة أو رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والبزار والطبراني بسند ضعيف (عن عمار بن ياسر ، والبزار والطبراني بسند ضعيف) عن عمران بن حصين -رضي الله تعالى عنهم- قال جابر أو الرجل المبهم : إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرعى غنما فاستعلى الغنم ، فكان يرعى الإبل هو وشريك له ، فأكريا أخت خديجة ، فلما قضوا السفر بقي لهما عليها شيء ، فجعل شريكه يأتيها ، فيتقاضيا ، ويقول لمحمد : انطلق ، فيقول : اذهب أنت ، فإني أستحي . فقالت مرة وأتاهم شريكه ، فقالت : أين محمد ؟ قال : قد قلت فزعم أنه يستحي ، فقالت : ما رأيت رجلا أشد حياء ، ولا أعف ولا ولا ، فوقع في نفس أختها خديجة ، فبعثت إليه ، فقالت : ائت أبي فاخطبني ، قال : إن أباك رجل كثير المال ، وهو لا يفعل .

وفي حديث عمار قال : خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم حتى مررنا على أخت خديجة وهي جالسة على أدم لها فنادتني ، فانصرفت إليها ، ووقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت : أما لصاحبك في تزوج خديجة حاجة ؟ فأخبرته ، فقال : بلى ، لعمري ، فرجعت إليها فأخبرتها .

وفي حديث جابر والرجل المبهم ، فقالت : انطلق إلى أبي فكلمه وأنا أكفيك ، وائت عندنا بكرة ، ففعل .

وفي حديث ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر خديجة ، وكان أبوها يرغب أن يزوجه إياها ، فصنعت طعاما وشرابا .

وفي حديث عمار : فذبحت بقرة . قال ابن عباس : فدعت أباها ونفرا من قريش فطعموا وشربوا حتى علوا ، فقالت خديجة : إن محمد بن عبد الله يخطبني ، فزوجني إياه ، وفي حديث جابر والرجل المبهم : فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلمه .

قال ابن عباس : فخلفته وألبسته حلة ، زاد عمار : وضربت عليه قبة ، وقال ابن عباس : وكذلك كانوا يفعلون بالآباء ، فلما سري عنه سكره نظر فإذا هو مخلق وعليه قبة ، فقال : ما شأني ؟ ما هذا ؟ قالت : زوجتني محمد بن عبد الله ، وقال : جابر أو الرجل المبهم : فلما أصبح جلس في المجلس ، فقيل له : أحسنت ، زوجت محمدا ، فقال : أوقد فعلت ، قالوا : نعم ، فقام ، فدخل عليها ، فقال : إن الناس يقولون : إني قد زوجت محمدا! وما فعلت ، قالت : بلى .

وروى ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- فقال : أنا أزوج يتيم أبي طالب ؟ لا ، لعمري ، فقالت خديجة : ألا تستحي تريد أن تسفه نفسك عند قريش ، وتخبر الناس أنك كنت سكران ، فإن محمدا كذا ، فلم تزل به حتى رضي .

وقال جابر أو الرجل المبهم : ثم بعثت إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- بوقيتين من فضة أو ذهب ، وقالت : اشتر حلة وأهدها لي ، وكيسا ، وكذا وكذا ، ففعل .

وكانت رضي الله عنها تدعى في الجاهلية الطاهرة ، تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل المبعث بخمس عشرة سنة. قال : لم يتزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على خديجة -رضي الله تعالى عنها- حتى ماتت بعد أن مكثت عنده -صلى الله عليه وسلم- أربعا وعشرين سنة وأشهرا . تنبيه : تقدم أن عمها هو الذي زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره أكثر علماء أهل السير . قال السهيلي : وهو الصحيح ، لما رواه الطبري عن جبير بن مطعم وابن عباس وعائش .

كلهم قال : إن عمرو بن أسد هو الذي أنكح خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن خويلد كان قد هلك قبل الفجار . ورجحه الواقدي وغلط من قال بخلافه .

وقال عمر بن أبي بكر المؤملي : المجتمع عليه أن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها منه .

وذكر الزهري في سيرته أن خويلدا أباها الذي زوجها منه وكان قد سكر من خمر ، فألقت عليه خديجة حلة وضمخته بخلوق فلما صحا من سكره قال : ما هذه الحلة والطيب؟

فقيل : إنك أنكحت محمدا خديجة وقد ابتنى بها . فأنكر ذلك ثم رضيه وأمضاه . ووافقه ابن إسحاق على ذلك ، وذكر ابن إسحاق في آخر كتابه أن عمرو بن خويلد أخاها هو الذي زوجها . فالله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية