[ زواجه بأم حبيبة ] وتزوج صلى الله عليه وسلم أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، وكانت قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند عبيد الله بن جحش ، وولدت له حبيبة وبها كانت تكنى ، وهاجر بها إلى الحبشة في الهجرة الثانية ، ثم تنصر هناك ، ومات عنها على النصرانية ، وبقيت أم حبيبة - رضي الله تعالى عنها - على دين الإسلام وأبى الله عز وجل لأم حبيبة ألا تتنصر ، فأتم الله تعالى - الإسلام والهجرة وتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي فزوجه إياها والذي عقد عليها خالد بن سعيد بن العاص وأصدقها النجاشي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعمائة دينار على خلاف محكي في الصداق ، والعاقد ، وبعثها مع شرحبيل بن حسنة وجهزها من عنده ، كل ذلك في سنة تسع ، وقيل : كان الصداق مائتي دينار ، وقيل : أربعة آلاف درهم ، والأول النسب ، وروى ابن سعد عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد الأموي ، قال : قالت أم حبيبة - رضي الله تعالى عنها - : رأيت في النوم كأن زوجي عبيد الله بن جحش بأسوأ صورة فأصبحت ، فإذا به قد تنصر ، فأخبرته بالمنام ، فلم يحفل وأكب على الخمر حتى مات فأتاني آت في النوم ، فقال : يا أم المؤمنين ، ففزعت فما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي يستأذن ، فذكر لأم حبيبة خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها من النجاشي وروى الطبراني بسند حسن عن الزهري - رحمه الله تعالى - قال : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة وأنكح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقية رضي الله عنها عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - من أجل أن أم حبيبة ، أمها صفية بنت أبي العاص ، وصفية عمة عثمان أخت عفان لأبيه وأمه ، وقدم بأم حبيبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرحبيل بن حسنة .

    وروى ابن أبي خيثمة في تاريخه عن مصعب بن عبد الله الزبيري ، قال : تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة ، زوجه إياها النجاشي ، فقيل لأبي سفيان يومئذ وهو مشرك (يحارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : إن محمدا قد نكح ابنتك ، قال : ذاك الفحل لا يقرع أنفه ، وروي أيضا عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال : تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة ست .

 وروى ابن الجوزي في الصفوة عن سعيد بن العاص قال : قالت أم حبيبة : رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهها . ففزعت فقلت : تغيرت والله حاله . فإذا هو يقول حين أصبح : يا أم حبيبة إني نظرت في الدين فلم أر دينا خيرا من النصرانية ، وكنت قد دنت بها ثم دخلت في دين محمد ، ثم رجعت في النصرانية .

  فقلت : والله ما خير لك . وأخبرته بالرؤيا التي رأيتها فلم يحفل بها وأكب على الخمر حتى مات : فأرى في النوم كأن آتيا يقول : يا أم المؤمنين ففزعت فأولتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتزوجني .

  قالت : فما هو إلا أن قد انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن . فإذا جارية له يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت علي فقالت : إن الملك يقول لك إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلي أن أزوجه فقالت : بشرك الله بخير . قالت : يقول لك الملك وكلي من يزوجك .

  فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وأعطت أبرهة سوارين من فضة وخدمتين كانتا في رجليها وخواتيم فضة كانت في أصابع رجليها سرورا بما بشرتها .

  فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا فخطب النجاشي فقال : الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - .

  أما بعد : فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أصدقتها أربعمائة دينار .

  ثم سكب الدنانير بين يدي القوم فتكلم خالد بن سعيد فقال : الحمد لله ، أحمده وأستعينه وأستنصره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون - أما بعد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

  ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص فقبضها . ثم أرادوا أن يقوموا فقال : اجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج . فدعا بطعام وأكلوا ثم تفرقوا .

  قالت أم حبيبة : فلما وصل إلي المال أرسلت إلى أبرهة التي بشرتني فقلت لها : إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ ولا مال بيدي فهذه خمسون مثقالا فخذيها فاستعيني بها . فأبت وأخرجت حقا فيه كل ما كنت أعطيتها فردته علي وقالت : عزم علي الملك أن لا أرزأك شيئا وأنا التي أقوم على ثيابه ودهنه وقد اتبعت دين محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسلمت لله عز وجل وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر .

  قالت : فلما كان الغد جاءتني بعود وورس وعنبر وزباد كثير فقدمت بذلك كله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان يراه علي وعندي فلا ينكره . ثم قالت أبرهة : فحاجتي إليك أن تقرئي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني السلام وتعلميه أني قد اتبعت دينه . قالت : ثم لطفت بي وكانت التي جهزتني ، وكانت كلما دخلت علي تقول : لا تنسي حاجتي إليك .

  قالت : فلما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بي أبرهة فتبسم وأقرأته منها السلام فقال : وعليها السلام ورحمة الله وبركاته .


  فيما نزل بسبب زواج أم حبيبة - رضي الله تعالى عنها - من القرآن .

  قال الله - سبحانه وتعالى - : عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة [الممتحنة 7 ] .

  تنبيهات :

 الأول : اختلف فيمن زوجها فروي عن سعيد بن العاص ، وروي عن عثمان بن عفان وليس بصواب ، لأن عثمان كان مقدمه من الحبشة قبل وقعة بدر ، وهي ابنة عمته ، وقال البيهقي : إن الذي زوجها خالد بن سعيد بن العاص - رضي الله تعالى عنه - وهو ابن عم أبيها ، لأن العاص بن أمية عم أبي سفيان بن حرب بن أمية ، وروى النجاشي ويحتمل أن يكون النجاشي هو الخاطب ، والعاقد إما عثمان أو خالد بن سعيد بن العاص على ما تضمنه الحديث السابق ، وقيل : عقد عليها النجاشي وكان قد أسلم ، وقيل : إنما تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند مرجعها من الحبشة ، والأول أثبت من ذلك كله .

  وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عمر بن أمية الضمري إلى النجاشي ليخطبها عليه فزوجه إياها ، وأصدقها أربعمائة دينار ، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة - رضي الله تعالى عنه - فجاءه - صلى الله عليه وسلم - بها ، فيحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم بعث عمرا للخطبة ، وشرحبيل لحملها إليه ، وكان ذلك في سنة سبع من الهجرة ، وكان أبوها حال نكاحها بمكة مشركا محاربا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم .

  الثاني : روى ابن حبان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : هاجر عبيد الله بن جحش بأم حبيبة بنت أبي سفيان وهي امرأته إلى أرض الحبشة ، فلما قدم أرض الحبشة مرض ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة ، وبعث معها النجاشي شرحبيل بن حسنة - رضي الله تعالى عنه - وفي هذا إشكالان أحدهما : في الاسم ، فإن المشهور أنه عبيد الله بالتصغير ، كما تقدم ذكره وأنه تنصر .

  ثانيهما : أن عبيد الله ثبت على إسلامه حتى استشهد بأحد - رضي الله تعالى عنه - .

التالي السابق


الخدمات العلمية