ذكر من توفي في سنة خمس ومائة من الأكابر
أبان بن عثمان بن عفان
أبان بن عثمان بن عفان ، يكنى أبا سعيد
ولي المدينة لعبد الملك سبع سنين وأشهر ، وهو أحد سبعة من فصحاء الإسلام ، سعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن عمير الليثي ، وأبو الأسود الدؤلي ، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص ، والحسن البصري ، وقبيصة بن جابر الأسدي .
وولد [له] ستة ذكور منهم عبد الرحمن بن أبان . وكان من أزهد الناس ، وعقب أبان كثير بناحية الأندلس . توفي بالمدينة في هذه السنة بعد أن فلج سنه أعظم فالج حتى ضرب به المثل . وكان به وضح عظيم ، وصمم شديد ، وحول قبيح . وهو وأخواه عمرو وعمر لأم واحدة .
شفي بن ماتع ، أبو عبيد الأصبحي شفي بن ماتع ، أبو عبيد الأصبحي :
يروي عن عبد الله بن عمرو ، وأبي هريرة . وكان عالما حكيما . روى عنه أبو قبيل المعافري وغيره . وكان شفي إذا أقبل يقول عبد الله بن عمرو : جاءكم أعلم من عليها .
عبد الله بن حبيب بن ربيعة عبد الله بن حبيب بن ربيعة ، أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي :
سمع عثمان ، وعليا ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وغيرهم . روى عنه سعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي . وأقرأ القرآن الناس أربعين سنة ، وصام ثمانين رمضان .
عن عطاء بن السائب ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=658069دخلنا على عبد الله بن حبيب وهو يقضي في مسجده ، فقلنا: يرحمك الله لو تحولت إلى فراشك ، فقال: حدثني من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة ، تقول الملائكة: اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه" .
فأريد أن أموت وأنا في مسجدي . توفي في هذه السنة وله تسعون سنة .
عكرمة مولى عبد الله بن عباس عكرمة مولى عبد الله بن عباس ، يكنى أبا عبد الله :
توفي ابن عباس وهو عبد ، فاشتراه خالد بن يزيد بن معاوية من علي بن عبد الله بن عباس بأربعة آلاف دينار ، فبلغ ذلك عكرمة فأتى عليا فقال: بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار ، فراح علي إلى خالد فاستقاله فأقاله فأعتقه .
وكان يروي عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، والحسين بن علي ، وعائشة .
عن عكرمة ، قال:
كان ابن عباس يجعل في رجلي الكبل يعلمني القرآن ، والسنن .
وكان الشعبي يقول: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة .
وقال جابر بن زيد : عكرمة أعلم الناس .
وقال قتادة : أعلمهم بالتفسير عكرمة .
توفي عكرمة بالمدينة في هذه السنة ، وقيل: في سنة سبع ، وقيل: في سنة ست ، وهو ابن ثمانين سنة .
غزوان بن غزوان الرقاشي غزوان بن غزوان الرقاشي ، وقيل: غزوان بن زيد :
كان من كبار الصالحين .
عن عثمان بن عبد الحميد الرقاشي ، قال:
سمعت مشيختنا يذكرون:
أن غزوان لم يضحك منذ أربعين سنة .
وكان غزوان يغزو ، فإذا أقبلت الرفاق راجعين تستقبلهم أمه فتقول لهم: أما تعرفون غزوان ، فيقولون: ويحك يا عجوز ، ذاك سيد القوم .
كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن عويمر بن مخلد ، أبو صخر الخزاعي الشاعر كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن عويمر بن مخلد ، أبو صخر الخزاعي الشاعر :
واسم أمه جمعة بنت الأشيم بن خالد ، وقيل: جمعة بنت كعب بن عمرو . وقيل:
كانت كنية جده أبي أمه أبا جمعة ، فلذلك قيل: ابن أبي جمعة . وكان شاعرا مجيدا إلا أنه كان رافضيا
يقول بإمامة محمد بن الحنفية ، وأنه أحق من الحسن والحسين بالإمامة ومن سائر الناس . وأنه حي مقيم بجبل رضوى لا يموت . ومدح عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ، وكان يقول بالتناسخ والرجعة . وكان يقول: أنا يونس بن متى ، يعني أن روحه نسخت في . وقال يوما: ما يقول الناس في؟ قيل: يقولون إنك الدجال ، فقال:
إني لأجد في عيني ضعفا منذ أيام .
وكان بمكة وقد ورد على الأمراء الأمر بلعن علي رضي الله عنه ، فرقى المنبر وأخذ بأستار الكعبة وقال:
لعن الله من يسب عليا وبنيه من سوقة وإمام أيسب المطهرون أصولا
والكرام الأخوال والأعمام يأمن الطير والحمام ولا
يأمن آل الرسول عند المقام
فأنزلوه عن المنبر وأثخنوه ضربا بالنعال وغيرها فقال:
إن امرأ كانت مساوئه حب النبي بغير ذي عتب
وبني أبي حسن ووالدهم من طاب في الأرحام والصلب
أترون ذنبا أن أحبهم بل حبهم كفارة الذنب
وكان كثير دميم الخلقة فاستزاره عبد الملك ، فازدراه لدمامته ، فقال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، فقال كثير:
ترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد مزير
فقال له: إن كنا أسأنا اللقاء فلسنا نسيء الثواء ، حاجتك ، قال: تزوجني عزة ، فأراد أهلها على ذلك ، فقالوا: هي بالغ وأحق بنفسها ، فقيل لها ، فقالت: أبعد ما تشبب بي وشهرني في العرب ما لي إلى ذلك سبيل .
وعن العتبي ، قال:
كان عبد الملك بن مروان يحب النظر إلى كثير إذ دخل عليه آذنه يوما ، فقال: يا أمير المؤمنين ، هذا كثير بالباب ، فاستبشر عبد الملك وقال: أدخله يا غلام ، فأدخل كثير - وكان دميما حقيرا تزدريه العين - فسلم بالخلافة ، فقال عبد الملك: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، فقال كثير: مهلا يا أمير المؤمنين ، فإنما الرجل بأصغريه:
لسانه وقلبه ، فإن نطق نطق ببيان ، وإن قاتل قاتل بجنان ، وأنا الذي أقول:
وجربت الأمور وجربتني فقد أبدت عريكتي الأمور
وما تخفى الرجال علي إني بهم لأخو مثاقفه خبير
ترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد مزير
ويعجبك الطرير فتبتليه فيخلف ظنك الرجل الطرير
وما عظم الرجال لهم بزين ولكن زينها كرم وخير
بغاث الطير أطولها جسوما ولم تطل البزاة ولا الصقور
بغاث الطير أكثرها فراخا وأم الصقر مقلات نزور
لقد عظم البعير بغير لب فلم يستغن بالعظم البعير
فيركب ثم يضرب بالهراوي ولا عرف لديه ولا نكير
ثم قال له: يا كثير أنشدني في إخوان ذكروك بهذا ، فأنشده:
خير إخوانك المنازل في المر وأين الشريك في المر أينا
الذي إن حضرت سرك في الحي وإن غبت كان أذنا وعينا
ذاك مثل الحسام أخلصه القين جلاه الجلاء فازداد زينا
أنت في معشر إذا غبت عنهم بدلوا كل ما يزينك شينا
وإذا ما رأوك قالوا جميعا أنت [من] أكرم الرجال علينا
فقال له عبد الملك: يغفر الله لك يا كثير ، فأين الإخوان غير أني أقول:
صديقك حين تستغني كثير وما لك عند فقرك من صديق
[فلا تنكر على أحد إذا ما طوى عنك الزيارة عند ضيق]
وكنت إذا الصديق أراد غيظي على حنق وأشرقني بريقي
غفرت ذنوبه وصفحت عنه مخافة أن أكون بلا صديق
وكان كثير يعشق عزة بنت حميد بن وقاص ، وهي من بني ضمرة ، وتشبب بها ، وكانت حلوة مليحة ، وكان ابتداء عشقه لها ما روى الزبير بن بكار ، بسنده عن إبراهيم بن يعقوب بن جميع :
أنه كان أمر كثير أنه مر بنسوة من بني ضمرة ومعه غنم ، فأرسلن إليه عزة وهي صغيرة ، فقالت: تقول لك النسوة: بعنا كبشا من هذه الغنم وأنسئنا بثمنه إلى أن ترجع ، فأعطاها كبشا فأعجبته حينئذ ، فلما رجع جاءته امرأة منهن بدراهمه ، فقال: أين الصبية التي أخذت مني الكبش؟ قالت: وما تصنع بها ، هذه دراهمك ، قال: لا آخذ دراهمي إلا ممن دفعت إليه ، وقال:
قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها
وفي رواية أنه أنشدهن:
نظرت إليها نظرة وهي عاتق على حين أن شبت وبان نهودها
نظرت إليها نظرة ما يسرني بها حمر أنعام البلاد وسودها
وكنت إذا ما جئت سعدا بأرضها أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ود جليسها إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
ثم أحبته عزة أشد من حبه إياها ، ودخلت إليه يوما وهو يبري السهام فحدثته وهو يبري فبرى ذراعه وسال الدم وهو لا يعلم .
وقد حكي عنه أنه لم يكن بالصادق في محبته . وروينا أن عزة تنكرت له فتبعها وقال: يا سيدتي قفي أكلمك ، قالت وهل تركت عزة فيك بقية لأحد ، فقال: لو أن عزة أمة لي لوهبتها لك ، قالت: فكيف بما قلت في عزة؟ قال: أقلبه لك ، فسفرت عن وجهها وقالت: أغدرا يا فاسق ، ومضت ، فقال:
ألا ليتني قبل الذي قلت شيب لي من السم جدحات بماء الذرارح
فمت ولم تعلم علي خيانة وكم طالب للربح ليس برابح
وعن الزبير بن بكار ، قال:
كتب إلي إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول: حدثني أبو المتيع قال:
خرج كثير يلتمس عزة ومعه شنينة فيها ماء فأخذه العطش فتناول الشنينة فإذا هي غطم ما فيها شيء من الماء ، فرفعت له نار فأمها ، فإذا بقربها مظلة بفنائها عجوز ، فقالت له: من أنت؟ قال: أنا كثير ، قالت: قد كنت أتمنى ملاقاتك فالحمد لله الذي أرانيك ، قال: وما الذي تلتمسينه عندي؟ قالت: ألست القائل:
إذا ما أتينا خلة كي تزيلها أبينا وقلنا الحاجبية أول
سنوليك عرفا إن أردت وصالنا ونحن لتلك الحاجبية أوصل
قال: بلى ، قالت: أفلا قلت كما قال سيدك جميل:
يا رب عارضة علي وصالها بالجد تخلطه بقول الهازل
فأجبتها في القول بعد تأمل حبي بثينة عن وصالك شاغلي
لو كان في قلبي كقدر قلامة فضلا وصلتك أو أتتك رسائلي
قال: دعي هذا واسقيني ماء ، قالت: والله لا سقيتك شيئا ، قال: ويحك إن العطش قد أضر بي ، قالت ثكلت بثينة إن طعمت عندي قطرة ماء ، فكان جهده أن ركضت راحلته ومضى يطلب الماء ، فما بلغه حتى أضحى النهار وقد أجهده العطش .
قال أبو بكر بن الأنباري : بسنده
لما أتي يزيد بن عبد الملك بأسارى بني المهلب أمر بضرب أعناقهم ، فكان كثير حاضرا ، فقام وأنشأ يقول:
فعفو أمير المؤمنين وحسبة فما يحتسب من صالح لك يكتب
أساءوا فإن تغفر فإنك قادر وأفضل حلم حسبة حلم مغضب
فقال يزيد: يا كثير أطت بك الرحم قد وهبناهم لك ، وأمر برفع القتل عنهم .
قال أبو بكر: أطت: حنت .
أخبرنا محمد بن ناصر ، بسنده عن حماد بن إسحاق ، عن أبيه ، قال:
خرج كثير يريد عبد العزيز بن مروان فأكرمه ورفع منزلته وأحسن جائزته وقال:
سلني ما شئت من الحوائج ، قال: نعم أحب أن تنظر لي من يعرف قبر عزة فيقفني عليه ، فقال رجل من القوم: إني لعارف به ، فانطلق به الرجل حتى انتهى إلى قبرها ، فوضع يده عليه وعيناه تجريان وهو يقول:
وقفت على ربع لعزة ناقتي وفي الترب رشاش من الدمع يسفح
فيا عز أنت البدر قد حال دونه رجيع تراب والصفيح المصرح
وقد كنت أبكي من فراقك خيفة فهذا لعمري اليوم إياي أنزح
فهلا فداك الموت من أنت قربه ومن هو أسوأ منك حالا وأقبح
ألا لا أرى بعد ابنة النضر لذة بشيء ولا ملحا لمن يتملح
فلا زال وادي رمس عزة سائلا به نعمة من رحمة الله تسفح
أرب لعيني البكا كل ليلة فقد كان مجرى دمع عيني يقرح
إذا لم يكن ماء تجلتنا دما وشر البكاء المستعار الممنح
ومن شعر كثير:
خليلي هذا رسم عزة فاعقلا قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ولا مرجفات الحزن حتى تولت
فقلت لها يا عز كل مصيبة إذا وطنت يوما لها النفس ذلت
أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها وحلت بلاغا لم تكن قبل حلت
وو الله ما قاربت إلا تباعدت بصرم ولا أكثرت إلا أقلت
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مولية إن تقلت
فلا يحسب الواشون أن صبابتي بعزة كانت غمرة فتجلت
وكنا ارتقينا من صعود من الهوى فلما علوناه ثبت وزلت
وكنا عقدنا عقدة الوصل بيننا فلما توافينا شددت وحلت
وللعين أسراب إذا ما ذكرتها وللقلب أسرار إذا العين ملت
وقال حماد الراوية ، عن كثير عزة : وفدت أنا والأحوص ونصيب إلى عمر بن عبد العزيز حين ولي الخلافة ، ونحن نمت إليه بصحبتنا إياه ومعاشرتنا له لما كان بالمدينة فكل منا يظن أنه سيشركه في الخلافة ، فنحن نسير ونختال في رحالنا ، فلما انتهينا إلى خناصرة ولاحت لنا أعلامها ، تلقانا مسلمة بن عبد الملك فقال : ما أقدمكم ؟ أوما علمتم أن صاحبكم لا يحب الشعر ؟ قال : فوجمنا لذلك ، فأنزلنا مسلمة عنده ، وأجرى علينا النفقات وعلف دوابنا ، وأقمنا عنده أربعة أشهر ، لا يمكنه أن يستأذن لنا على عمر فلما كان في بعض الجمع دنوت منه لأسمع خطبته فأسلم عليه بعد الصلاة ، فسمعته يقول في خطبته : لكل سفر زاد لا محالة ، فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى ، وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من عذابه وثوابه فترغبوا وترهبوا ، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم وتنقادوا لعدوكم ، فإنه والله ما بسط أمل من لا يدري لعله لا يمسي بعد إصباحه ولا يصبح بعد إمسائه ، وربما كانت له بين ذلك خطرات المنايا ، وإنما يطمئن من وثق بالنجاة من عذاب الله وأهوال يوم القيامة ، فأما من لا يداوي من الدنيا كلما إلا أصابه جارح من ناحية أخرى ، فكيف يطمئن ؟ ! أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسر صفقتي وتبدو مسكنتي في يوم لا ينفع فيه إلا الحق والصدق . ثم بكى حتى ظننا أنه قاض نحبه ، وارتج المسجد وما حوله بالبكاء والعويل . قال : فانصرفت إلى صاحبي ، فقلت : خذا شرجا من الشعر غير ما كنا نقول لعمر وآبائه ، فإنه رجل آخري ، ليس برجل دنيا . قال : ثم استأذن لنا مسلمة عليه يوم الجمعة ، فلما دخلنا عليه سلمت عليه ، ثم قلت : يا أمير المؤمنين ، طال الثواء ، وقلت الفائدة ، وتحدث بجفائك إيانا وفود العرب . فقال :
إنما الصدقات للفقراء والمساكين [ التوبة : 60 ] - وقرأ الآية - فإن كنتم من هؤلاء أعطيتكم ، وإلا فلا حق لكم فيها . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إني مسكين وعابر سبيل ومنقطع به . فقال : ألستم عند أبي سعيد ؟ يعني مسلمة بن عبد الملك فقلنا : بلى . فقال : إنه لا ثواء على من هو عند أبي سعيد . فقلت : ائذن لي يا أمير المؤمنين في الإنشاد . قال : نعم ، ولا تقل إلا حقا . فأنشدته قصيدة فيه :
وليت فلم تشتم عليا ولم تخف بريا ولم تقبل إشارة مجرم
وصدقت بالفعل المقال مع الذي أتيت فأمسى راضيا كل مسلم
ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه من الأود البادي ثقاف المقوم
وقد لبست تسعى إليك ثيابها تراءى لك الدنيا بكف ومعصم
وتومض أحيانا بعين مريضة وتبسم عن مثل الجمان المنظم
فأعرضت عنها مشمئزا كأنما سقتك مدوفا من سمام وعلقم
وقد كنت من أجبالها في ممنع ومن بحرها في مزبد الموج مفعم
وما زلت تواقا إلى كل غاية بلغت بها أعلى البناء المقدم
فلما أتاك الملك عفوا ولم تكن لطالب دنيا بعده في تكلم
تركت الذي يفنى وإن كان مونقا وآثرت ما يبقى برأي مصمم
وأضررت بالفاني وشمرت للذي أمامك في يوم من الشر مظلم
وما لك إذ كنت الخليفة مانع سوى الله من مال رغيب ولا دم
سما لك هم في الفؤاد مؤرق بلغت به أعلى المعالي بسلم
فما بين شرق الأرض والغرب كلها مناد ينادي من فصيح وأعجم
يقول أمير المؤمنين ظلمتني بأخذك ديناري ولا أخذ درهمي
ولا بسط كف لامرئ غير مجرم ولا السفك منه ظالما ملء محجم
ولو يستطيع المسلمون لقسموا لك الشطر من أعمارهم غير ندم
فعشت بها ما حج لله راكب ملب مطيف بالمقام وزمزم
فأربح بها من صفقة لمبايع وأعظم بها أعظم بها ثم أعظم
قال : فأقبل علي عمر بن عبد العزيز وقال : إنك تسأل عن هذا يوم القيامة . ثم استأذنه الأحوص فأنشده قصيدة أخرى ، فقال : إنك تسأل عن هذا يوم القيامة . ثم استأذنه نصيب ، فلم يأذن له ، وأمر لكل واحد منهم بمائة وخمسين درهما ، وأغزى نصيبا إلى مرج دابق . وقد وفد كثير عزة بعد ذلك على يزيد بن عبد الملك فامتدحه بقصائد ، فأعطاه سبعمائة دينار .
وقال الزبير بن بكار : كان كثير عزة شيعيا خشبيا يرى الرجعة ، وكان يرى التناسخ ، ويحتج بقوله تعالى :
في أي صورة ما شاء ركبك [ الانفطار : 8 ] . وقال موسى بن عقبة : هول كثير عزة ليلة في منامه ، فأصبح يمتدح آل الزبير ويرثي عبد الله بن الزبير وكان يسيء الرأي فيه :
بمفتضح البطحاء ثاو لو انه أقام بها ما لم ترمها الأخاشب
سرحنا سروبا آمنين ومن يخف بوائق ما يخشى تنبه النوائب
تبرأت من عيب ابن أسماء إنني إلى الله من عيب ابن أسماء تائب
هو المرء لا تزري به أمهاته وآباؤه فينا الكرام الأطايب
وقال مصعب بن عبد الله الزبيري : قالت عائشة بنت طلحة لكثير عزة : ما الذي يدعوك إلى ما تقول من الشعر في عزة وليست على ما تصف من الحسن والجمال ؟ ! فلو قلت ذلك في وفي أمثالي ، فأنا أشرف وأفضل منها ، وإنما أرادت أن تختبره وتبلوه ، فقال :
صحا قلبه يا عز أو كاد يذهل وأضحى يريد الصوم أو يتبدل
وكيف يريد الصوم من هو وامق لعزة لا قال ولا متبذل
إذا وصلتنا خلة كي تزيلنا أبينا وقلنا الحاجبية أول
سنوليك عرفا إن أردت وصالنا ونحن لتيك الحاجبية أوصل
وحدثها الواشون أني هجرتها فحملها غيظا علي المحمل
فقالت له عائشة : لقد جعلتني خلة ولست لك بخلة ، وهلا قلت كما قال جميل فهو والله أشعر منك حيث يقول :
يا رب عارضة علينا وصلها بالجد تخلطه بقول الهازل
فأجبتها بالقول بعد تستر حبي بثينة عن وصالك شاغلي
لو كان في قلبي بقدر قلامة فضل وصلتك أو أتتك رسائلي
فقال : والله ما أنكر فضل جميل وما أنا إلا حسنة من حسناته . واستحيا .
ومما أنشده ابن الأنباري ، لكثير عزة :
بأبي وأمي أنت من معشوقة طبن العدو لها فغير حالها
ومشى إلي بعيب عزة نسوة جعل الإله خدودهن نعالها
الله يعلم لو جمعن ومثلت لاخترت قبل تأمل تمثالها
ولو ان عزة خاصمت شمس الضحى في الحسن عند موفق لقضى لها
وأنشد غيره لكثير عزة :
فما أحدث النأي الذي كان بيننا سلوا ولا طول اجتماع تقاليا
وما زادني الواشون إلا صبابة ولا كثرة الناهين إلا تماديا
وقال كثير أيضا :
فقلت لها يا عز كل مصيبة إذا وطنت يوما لها النفس ذلت
هنيئا مريئا غير داء مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت
وقال كثير عزة أيضا ، وفيه حكمة :
ومن لا يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومن يتتبع جاهدا كل عثرة يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
وذكروا أن عزة بنت جميل بن حفص - أحد بني حاجب بن عبد الله بن غفار - أم عمرو الضمرية وفدت على عبد الملك بن مروان تشكو إليه ظلامة ، فقال لها : لا أقضيها لك حتى تنشديني شيئا من شعره . فقالت : لا أحفظ له كثير شعر ، لكني سمعتهم يحكون عنه أنه قال في :
قضى كل ذي دين علمت غريمه وعزة ممطول معنى غريمها
فقال : ليس عن هذا أسألك ، ولكن أنشديني قوله :
وقد زعمت أني تغيرت بعدها ومن ذا الذي يا عز لا يتغير
تغير جسمي والخليقة كالذي عهدت ولم يخبر بسرك مخبر
فاستحيت وقالت : أما هذا فلا أحفظه ، ولكني سمعتهم يحكونه عنه ، ولكن أحفظ له قوله :
كأني أنادي صخرة حين أعرضت من الصم لو تمشي بها العصم زلت
صفوح فما تلقاك إلا بخيلة ومن مل منها ذلك الوصل ملت
قال : فقضى لها حاجتها وردها ، ورد عليها ظلامتها ، وقال : أدخلوها على الحرم ليتعلموا من أدبها .
وروي عن بعض نساء العرب قالت : اجتازت بنا عزة فاجتمع نساء الحاضر إليها لينظرن حسنها ، فإذا هي حميراء حلوة لطيفة ، فلم تقع من النساء بذلك الموقع حتى تكلمت ، فإذا هي أبرع الخلق وأحلاه حديثا ، فما بقي في أعيننا امرأة تفوقها حسنا وجمالا وحلاوة .
وذكر الأصمعي ، عن سفيان بن عيينة قال : دخلت عزة على سكينة بنت الحسين فقالت لها : إني أسألك عن شيء فاصدقيني ، ما الذي أراد كثير في قوله لك :
قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها
فقالت : كنت وعدته قبلة مطلته بها . فقالت : أنجزيها له وإثمها علي .
وقد روي أن أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز قالت لها مثل هذا سواء . والله أعلم . توفي كثير عزة وعكرمة في هذه السنة في يوم واحد ، فصلي عليهما في مكان واحد بعد الظهر ، فقال الناس: مات أفقه الناس وأشعر الناس . وكان كثير يقول عند موته لأهله: لا تبكوا علي فإني بعد أربعين يوما أرجع .
أبو رجاء العطاردي من رجال " الصحيحين " . حميد بن عبد الرحمن بن عوف وفيها مات حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، وقيل : سنة خمس وتسعين ، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة . وفيها توفي عبيد بن حنين ، وهو ابن خمس وسبعين سنة ) ، وفيها توفي عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، أمه صفية أخت المختار ، وأوصى إليه أبوه .
وفيها توفي أخوه عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، وهو أخو سالم لأمه ، أمهما أم ولد . في أيام يزيد بن عبد الملك
وفيها توفي عمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاري ، وله خمس وسبعون سنة .
وفي أيام يزيد بن عبد الملك مات المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي . وعطاء بن يزيد الجندعي الليثي ، ومولده سنة خمس وعشرين ، سكن الشام ، ( الجندعي بضم الجيم ، والدال المهملة المفتوحة ، والنون ) . وعراك بن مالك الغفاري والد خيثم بن عراك . ومورق العجلي .