ذكر
نسب الوليد وبعض سيرته
هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي ، يكنى أبا العباس ، وأمه أم الحجاج بنت محمد بن يوسف الثقفي ، وهي بنت أخي الحجاج بن يوسف ، وأم أبيه عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، وأمها أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز ، وأم عامر بن كريز أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب ، فلذلك يقول الوليد :
نبي الهدى خالي ومن يك خاله نبي الهدى يقهر به من يفاخره
وكان من فتيان بني أمية وظرفائهم وشجعانهم وأجوادهم وأشدائهم ، منهمكا في اللهو والشرب وسماع الغناء فظهر ذلك من أمره فقتل . ومن جيد شعره ما قاله لما بلغه أن هشاما يريد خلعه :
كفرت يدا من منعم لو شكرتها جزاك بها الرحمن ذو الفضل والمن
وقد تقدمت الأبيات الأربعة ، وأشعاره حسنة في الغزل والعتاب ووصف الخمر وغير ذلك ، وقد أخذ الشعراء معانيه في وصف الخمر فسرقوها وأدخلوها في أشعارهم وخاصة أبو نواس فإنه أكثرهم أخذا لها .
قال الوليد : المحبة للغناء تزيد في الشهوة ، وتهدم المروءة ، وتنوب عن الخمر ، وتفعل ما يفعل السكر ، فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء ، فإن الغناء رقية الزنا ، وإني لأقول ذلك علي وإنه أحب إلي من كل لذة ، وأشهى إلى نفسي من الماء إلى ذي الغلة ، ولكن الحق أحق أن يتبع . قيل : إن يزيد بن منبه مولى ثقيف مدح الوليد وهنأه بالخلافة ، فأمر أن تعد الأبيات ويعطى بكل بيت ألف درهم ، فعدت فكانت خمسين بيتا فأعطي خمسين ألف درهم ، وهو أول خليفة عد الشعر وأعطى بكل بيت ألف درهم .
ومن حسن الكلام ما قاله الوليد لما مات مسلمة بن عبد الملك ، فإن هشاما قعد للعزاء ، فأتاه الوليد وهو نشوان يجر مطرف خز عليه ، فوقف على هشام فقال : يا أمير المؤمنين ، إن عقبى من بقي لحوق من مضى ، وقد أقفر بعد مسلمة الصيد لمن رمى ، واختل الثغر فهوى ، وعلى أثر من سلف يمضي من خلف ، (
وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) . فأعرض هشام ولم يحر جوابا ، وسكت القوم فلم ينطقوا .
وقد نزه قوم الوليد مما قيل فيه ، وأنكروه ونفوه عنه وقالوا : إنه قيل عنه وألصق به وليس بصحيح . قال المدائني : دخل ابن للغمر بن يزيد أخي الوليد على الرشيد ، فقال له : ممن أنت ؟ قال : من قريش . قال : من أيها ؟ فأمسك ، فقال : قل وأنت آمن ولو أنك مروان . فقال : أنا ابن الغمر بن يزيد . فقال : رحم الله عمك الوليد ولعن يزيد الناقص ، فإنه قتل خليفة مجمعا عليه ! ارفع حوائجك . فرفعها فقضاها .
وقال شبيب بن شيبة : كنا جلوسا عند المهدي فذكروا الوليد ، فقال المهدي : كان زنديقا ، فقام أبو علاثة الفقيه فقال : يا أمير المؤمنين إن الله - عز وجل - أعدل من أن يولي خلافة النبوة وأمر الأمة زنديقا ، لقد أخبرني من كان يشهده في ملاعبه وشربه عنه بمروءة في طهارته وصلاته ، فكان إذا حضرت الصلاة يطرح الثياب التي عليه المطايب المصبغة ، ثم يتوضأ فيحسن الوضوء ، ويؤتى بثياب نظاف بيض فيلبسها ويصلي فيها ، فإذا فرغ عاد إلى تلك الثياب فلبسها واشتغل بشربه ولهوه ، فهذا فعال من لا يؤمن بالله ؟ ! فقال المهدي : بارك الله عليك يا أبا علاثة ! وقال حماد الراوية: (كنت يوما عند الوليد، فدخل عليه منجمان فقالا: نظرنا فيما أمرتنا فوجدناك تملك سبع سنين، قال حماد: فأردت أن أخدعه، فقلت: كذبا ونحن أعلم بالآثار وضروب العلم، وقد نظرنا في هذا فوجدناك تملك أربعين سنة، فأطرق ثم قال: لا، ما قالا يكسرني، ولا ما قلت يغرني، والله؛ لأجبين هذا المال من حلة جباية من يعيش الأبد، ولأصرفنه في حقه صرف من يموت الغد).
وعن زينب بنت أم سلمة عن أمها قالت :
دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ، وعندي غلام من آل المغيرة اسمه الوليد فقال : " من هذا يا أم سلمة ؟ " قالت : هذا الوليد . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وقد اتخذتم الوليد حنانا ، غيروا اسمه ; فإنه سيكون في هذه الأمة فرعون يقال له : الوليد " . وعن أبي عبيدة بن الجراح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512672لا يزال هذا الأمر قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية . قال ابن فضل الله في «المسالك» : (الوليد بن يزيد، الجبار العنيد، لقبا ما عداه، ولقما سلكه فما هداه، فرعون ذلك العصر الذاهب، والدهر المملوء بالمعائب، يأتي يوم القيامة يقدم قومه فيوردهم النار، ويرديهم العار، وبئس الورد المورود، والمرد المردي في ذلك الموقف المشهود، رشق المصحف بالسهام، وفسق ولم يخف الآثام).
وأخرج الصولي عن سعيد بن سليم قال: (أنشد ابن ميادة الوليد بن يزيد شعره الذي يقول فيه:
فضلتم قريشا غير آل محمد وغير بني مروان أهل الفضائل
فقال له الوليد: أراك قد قدمت علينا آل محمد؟! فقال ابن ميادة: ما أراه يجوز غير ذلك!!)
وابن ميادة هذا هو القائل في الوليد أيضا من قصيدة طويلة:
هممت بقول صادق أن أقوله وإني على رغم العداة لقائله
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا شديدا بأعباء الخلافة كاهله