وقد خطب المنصور الناس بعد قتل أبي مسلم فقال : أيها الناس ، لا تنفروا أطراف النعمة بقلة الشكر ، فتحل بكم النقمة ، ولا تسروا غش الأئمة; فإن أحدا لا يسر منكم شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه ، وصفحات وجهه ، وطوالع نظره ، وإنا لن نجهل حقوقكم ما عرفتم حقنا ، ولا ننسى الإحسان إليكم ما ذكرتم فضلنا ، ومن نازعنا هذا القميص أوطأنا أم رأسه خبيء هذا الغمد ، وإن أبا مسلم بايع على أنه من نكث بيعتنا وأظهر غشنا لنا فقد أباحنا دمه ، ونكث ، وغدر ، وفجر ، وكفر ، فحكمنا عليه لأنفسنا حكمه على غيره لنا ، وإن أبا مسلم أحسن مبتدئا وأساء معقبا ، وأخذ من الناس بنا أكثر مما أعطانا ، ورجح قبيح باطنه على حسن ظاهره ، وعلمنا من خبث سريرته وفساد نيته ما لو علم اللائم لنا فيه ، لعذرنا في قتله ، وعنفنا في إمهاله ، وما زال ينقض بيعته ويخفر ذمته حتى أحل لنا عقوبته ، وأباحنا دمه ، فحكمنا فيه حكمه في غيره ، ولم يمنعنا الحق له من إمضاء الحق فيه ، وما أحسن ما قال النابغة الذبياني للنعمان - يعني ابن المنذر : -
فمن أطاعك فانفعه بطاعته كما أطاعك وادلله على الرشد ومن عصاك فعاقبه معاقبة
تنهى الظلوم ولا تقعد على ضمد