وفيها
مات سعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد الأنصاري .
وأبان بن تغلب القارئ . وفيها توفي موسى بن كعب وهو على شرط المنصور وعلى مصر والهند ، وخليفته على الهند عيينة ابنه ، وكان قد عزل موسى عن مصر ، ووليها محمد بن الأشعث ، ثم عزل ، ووليها نوفل بن محمد بن الفرات .
خالد بن مهران ، أبو المنازل الحذاء ، مولى لقريش لآل عبد الله بن عامر بن كرز .
سمع الحسن ، وابن سيرين ، وأبا قلابة . وكان ثقة ، ولم يكن حذاء وفي تلقيبه بالحذاء ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كان يجلس إلى حذاء ، فلقب بذلك ، قاله يزيد بن هارون .
والثاني: أنه تزوج امرأة فنزل عليها في الحذائين . ذكره الخطابي .
والثالث: أنه كان إذا تكلم يقول: احذوا على هذا النحو ، فلقب بالحذاء . قاله فهد بن حبان القيسي .
توفي في هذه السنة . وقيل: في سنة اثنتين وأربعين .
سلمة بن دينار ، أبو حازم ، مولى بني أشجع .
كان أعرج زاهدا عابدا ، يقص بعد الفجر وبعد العصر في مسجد المدينة .
وكان ثقة كثير الحديث . أسند عن ابن عمر ، وسهل بن سعد ، وأنس بن مالك .
قالت له امرأته: هذا الشتاء قد هجم علينا ولا بد لنا مما يصلحنا فيه ، فذكرت الثياب ، والطعام ، والحطب ، فقال: من أين هذا كله؟ ولكن خذي فيما لا بد منه: الموت ، والبعث ، ثم الوقوف بين يدي الله ، ثم الجنة والنار .
كان يقول: ما مضى من الدنيا فحلم ، وما بقي فأماني .
وعن محمد بن إسحاق الموصلي قال: قال أبو حازم: إن بضا?ة الآخرة كاسدة ، فاستكثروا منها في أوان كسادها ، فإنه لو قد جاء يوم نفاقها لم نصل منها إلى قليل ولا كثير .
وعن عبد الجبار بن عبد العزيز بن أبي حازم قال: حدثني أبي قال: بعث سليمان بن عبد الملك إلى أبي حازم فجاءه فقال: يا أبا حازم ، ما لنا نكره الموت؟ قال: لأنكم أخربتم أخراكم ، وعمرتم دنياكم ، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب . قال: صدقت ، فكيف القدوم على الله عز وجل؟ قال: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه . فبكى سليمان وقال: ليت شعري ما لنا عند الله يا أبا حازم؟ فقال:
اعرض نفسك على كتاب الله ، فإنك تعلم ما لك عند الله . قال: يا أبا حازم ، وأين أصيب ذلك؟ قال: عند قوله:
إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم . فقال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال:
قريب من المحسنين قال: ما تقول فيما نحن فيه؟
قال: اعفني من هذا . قال سليمان: نصيحة تلقيها . قال أبو حازم: إن ناسا أخذوا هذا الأمر عنوة من غير مشاورة من المسلمين ولا اجتماع من رأيهم ، فسفكوا فيه الدماء على طلب الدنيا ، ثم ارتحلوا عنها ، فليت شعري ما قالوا وما قيل لهم . فقال بعض جلسائه: بئس ما قلت يا شيخ . فقال أبو حازم: كذبت ، إن الله تعالى أخذ على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه . فقال سليمان: اصحبنا يا أبا حازم تصب منا ونصب منك . قال: أعوذ بالله من ذلك . قال: ولم؟ قال: أخاف أن أركن إليكم شيئا قليلا فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات . قال: فأشر علي . قال: اتق الله أن يراك حيث نهاك ، وأن يفقدك حيث أمرك . فقال: يا أبا حازم ، ادع لنا بخير . فقال: اللهم إن كان سليمان وليك فيسره للخير ، وإن كان عدوك فخذ إلى الخير بناصيته . فقال: يا غلام ، هات مائة دينار . ثم قال: خذها يا أبا حازم . قال: لا حاجة لي فيها ، إني أخاف أن يكون لما سمعت من كلامي .
وكان سليمان أعجب بأبي حازم فقال الزهري: إنه لجاري منذ ثلاثين سنة ما كلمته قط . فقال أبو حازم: إنك نسيت الله فنسيتني ، ولو أحببت الله لأحببتني . قال الزهري: أتشتمني؟ قال سليمان: بل أنت شتمت نفسك ، أما علمت أن للجار على جاره حقا؟ فقال أبو حازم: إن بني إسرائيل لما كانوا على الصواب كانت الأمراء تحتاج إلى العلماء ، وكانت العلماء تفر بدينها من الأمراء ، فلما رأى ذلك قوم من أذلة الناس تعلموا ذلك العلم وأتوا به إلى الأمراء ، فاستغنت به عن الزهاد ، واجتمع القوم على المعصية ، فسقطوا وانتكسوا ، ولو كان علماؤنا يصونون علمهم لم تزل الأمراء تهابهم .
قال الزهري: كأنك إياي تريد ، وبي تعرض . قال: هو ما تسمع .
وعن الأصمعي قال: دخل أبو حازم الطواف ، فإذا هو بامرأة سافرة عن وجهها تطوف ، وقد فتنت الناس بحسن وجهها فقال: يا هذه ، ألا تخمرين وجهك؟
فقالت: يا أبا حازم ، إنا من اللواتي يقول فيهن الشاعر:
أماطت قناع الخز عن حر وجهها وأبدت من الخدين بردا مهلهلا من اللائي لم يحججن تبغين ريبة
ولكن ليقتلن البريء المغفلا وترمي بعينيها القلوب إذا بدت
لها نظر لم يخط للحي مقتلا
فأقبل أبو حازم على أهل الطواف فقال: يا أهل بيت الله ، تعالوا ندع الله أن لا يعذب هذا الوجه بالنار ، فذكر ذلك لسعيد بن المسيب ، فقال: لو كان من بعض أهل العراق لقال: يا عدوة الله ، ولكن ظرف أهل الحجاز .
وعن سليمان العمري قال: رأيت أبا جعفر القارئ في المنام فقلت له: أبا جعفر . فقال: نعم ، أقرئ إخواني مني السلام وأخبرهم أن الله تعالى جعلني من الشهداء الأحياء المرزوقين ، وأقرئ أبا حازم السلام وقل له: يقول لك: الكيس الكيس ، فإن الله وملائكته يتراءون مجلسك بالعشيات .