ثم دخلت سنة خمسين ومائة

ذكر خروج أستاذ سيس .

وفيها خرج أستاذ سيس في أهل هراة وباذغيس وسجستان وغيرها من خراسان ، وكان فيما قيل في ثلاثمائة ألف مقاتل ، فغلبوا على عامة خراسان ، وساروا حتى التقوا هم وأهل مرو الروذ .

فخرج إليهم الأجثم المروروذي في أهل مرو الروذ ، فقاتلوه قتالا شديدا ، فقتل الأجثم ، وكثر القتل في أصحابه ، وهزم عدة من القواد ، منهم : معاذ بن مسلم ، وجبرائيل بن يحيى ، وحماد بن عمرو ، وأبو النجم السجستاني ، وداود بن كرار .

ووجه المنصور ، وهو بالراذان ، خازم بن خزيمة إلى المهدي ، فولاه المهدي محاربة أستاذ سيس وضم إليه القواد . فسار خازم وأخذ معه من انهزم ، وجعلهم في أخريات الناس يكثر بهم من معه ، وكان معه من هذه الطبقة اثنان وعشرون ألفا .

ثم انتخب منهم ستة آلاف رجل وضمهم إلى اثني عشر ألفا كانوا معه من المنتخبين ، وكان بكار بن سلم فيمن انتخب ، وتعبأ للقتال ، فجعل الهيثم بن شعبة بن ظهير على ميمنته ، ونهار بن حصين السعدي على ميسرته ، وبكار بن سلم العقيلي في مقدمته ، وكان لواؤه مع الزبرقان .

فمكر بهم وراوغهم ( في أن ينقلهم ) من موضع إلى موضع وخندق إلى خندق حتى قطعهم ، وكان أكثرهم رجالة ، ثم سار خازم إلى موضع فنزله وخندق عليه وعلى جميع أصحابه ، وجعل له أربعة أبواب ، وجعل على كل باب ألفا من أصحابه الذين انتخب .

وأتى أصحاب أستاذ سيس ومعهم الفئوس والمرور والزبل ليطموا الخندق ، فأتوا الخندق من الباب الذي عليه بكار بن سلم ، فحملوا على أصحاب بكار حملة هزموهم بها ، فرمى بكار بنفسه ، فترجل على باب الخندق وقال لأصحابه : لا يؤتى المسلمون من ناحيتنا .

ترجل معه من أهله وعشيرته نحو من خمسين رجلا وقاتلوهم حتى ردوهم من بابهم ، ثم أقبل إلى الباب الذي عليه خازم رجل من أصحاب أستاذ سيس من أهل سجستان اسمه الحريش ، وهو الذي كان يدبر أمره ، فلما رآه خازم مقبلا بعث إلى الهيثم بن شعبة ، وكان في الميمنة ، يأمره أن يخرج من الباب الذي عليه بكار ، فإن من بإزائه قد شغلوا عنهم ، ويسير حتى يغيب عن أبصارهم ، ثم يرجع من خلف العدو ، وقد كانوا يتوقعون قدوم أبي عون ، وعمرو بن سلم بن قتيبة من طخارستان .

وبعث خازم إلى بكار : إذا رأيت رايات الهيثم قد جاءت كبروا وقولوا : قد جاء أهل طخارستان . ففعل ذلك الهيثم ، وخرج خازم في القلب على الحريش وشغلهم بالقتال ، وصبر بعضهم لبعض .

فبينا هم على ذلك نظروا إلى أعلام الهيثم فتنادوا بينهم : جاء أهل طخارستان ، فلما نظروا إليها حمل عليهم أصحاب خازم فكشفوهم ، ولقيهم أصحاب الهيثم فطعنوهم بالرماح ورموهم بالنشاب .

وخرج [ عليهم ] نهار بن حصين من ناحية الميسرة ، وبكار بن سلم وأصحابه من ناحيتهم ، فهزموهم ووضعوا فيهم السيوف ، فقتلهم المسلمون فأكثروا ، وكان عدد من قتل سبعين ألفا ، وأسروا أربعة عشر ألفا ، ونجا أستاذ سيس إلى جبل في نفر يسير ، فحصرهم خازم ، وقتل الأسرى .

ووافاه أبو عون وعمرو بن سلم ومن معهما ، فنزل أستاذ سيس على حكم أبي عون ، فحكم أن يوثق أستاذ سيس وبنوه وأهل بيته بالحديد ، وأن يعتق الباقون وهم ثلاثون ألفا ، فأمضى خازم حكمه وكسا كل رجل ثوبين ، وكتب إلى المهدي بذلك ، فكتب المهدي إلى المنصور .

وقيل : إن خروج أستاذ سيس كان سنة خمسين ، وكانت هزيمته سنة إحدى وخمسين ومائة .

وقد قيل : إن أستاذ سيس ادعى النبوة ، وأظهر أصحابه الفسق وقطع السبيل .

وقيل : إنه جد المأمون أبو أمه مراجل ، وابنه غالب خال المأمون ، وهو الذي قتل ذا الرياستين الفضل بن سهل لمواطأة من المأمون ، وسيرد ذكره إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية