ثم دخلت سنة ست وخمسين ومائة
ذكر
عصيان أهل إشبيلية على عبد الرحمن الأموي
في هذه السنة سار عبد الرحمن الأموي ، صاحب الأندلس ، إلى حرب شقنا ، وقصد حصن شيطران ، فحصره ، وضيق عليه ( فهرب إلى المفازة كعادته ) ، وكان قد استخلف على قرطبة ابنه سليمان ، فأتاه كتابه يخبره بخروج أهل إشبيلية مع عبد الغفار ، وحيوة بن ملابس عن طاعته ، وعصيانهم عليه ، واتفق من بها من اليمانية معهما ، فرجع عبد الرحمن ولم يدخل قرطبة ، وهاله ما سمع من اجتماعهم وكثرتهم ، فقدم ابن عمه عبد الملك بن عمر ، وكان شهاب آل مروان ، وبقي عبد الرحمن خلفه كالمدد له .
فلما قارب عبد الملك أهل إشبيلية قدم ابنه أمية ليعرف حالهم ، فرآهم مستيقظين فرجع إلى أبيه ، فلامه أبوه على إظهار الوهن ، وضرب عنقه ، وجمع أهل بيته وخاصته ، وقال لهم : طردنا من المشرق إلى أقصى هذا الصقع ، ونحسد على لقمة تبقي الرمق ، اكسروا جفون السيوف ، فالموت أولى أو الظفر .
ففعلوا وحمل بين أيديهم ، فهزم اليمانية وأهل إشبيلية ، فلم تقم بعدها لليمانية قائمة ، وجرح عبد الملك .
وبلغ الخبر إلى عبد الرحمن ، فأتاه وجرحه يجري دما ، وسيفه يقطر دما ، وقد لصقت يده بقائم سيفه ، فقبله بين عينيه وجزاه خيرا ، وقال : يا ابن عم قد أنكحت ابني وولي عهدي هشاما ابنتك فلانة ، وأعطيتها كذا وكذا ، وأعطيتك كذا وأولادك كذا ، وأقطعتك وإياهم ، ووليتكم الوزارة .
وهذا عبد الملك هو الذي ألزم عبد الرحمن بقطع خطبة المنصور وقال له : تقطعها وإلا قتلت نفسي ! وكان قد خطب له عشرة أشهر ، فقطعها .
وكان عبد الغفار وحيوة بن ملابس قد سلما من القتل . فلما كانت سنة سبع وخمسين ومائة سار عبد الرحمن إلى إشبيلية فقتل خلقا كثيرا ممن كان مع عبد الغفار وحيوة ورجع . وبسبب هذه الوقعة ، وغش العرب ، مال عبد الرحمن إلى اقتناء العبيد .