سبب موت المهدي ووقت ومكان وفاته
ثم دخلت سنة تسع وستين ومائة
في المحرم منها توفي
أمير المؤمنين المهدي ابن المنصور العباسي - رحمه الله - وقد كانت وفاته بماسبذان ، كان قد خرج إليها ليبعث إلى ابنه الهادي ليحضر إليه من جرجان حتى يخلعه من ولاية العهد ، ويجعله بعد هارون الرشيد ، فامتنع الهادي من ذلك ، فركب المهدي من بغداد قاصدا إحضاره ، فلما كان بماسبذان مات بها على ما سنذكره .
وكان قد رأى في النوم وهو بقصره ببغداد - وأظنه المسمى بقصر السلامة - كأن شيخا وقف بباب القصر ، ويقال : إنه سمع هاتفا يقول :
كأني بهذا القصر قد باد آهله وأوحش منه أهله ومنازله وصار عميد القوم من بعد بهجة
وملك إلى قبر عليه جنادله ولم يبق إلا ذكره وحديثه
ينادي بليل معولات حلائله
فما عاش بعدها إلا عشرا حتى توفي ، رحمه الله وسامحه وأدخله الجنة برحمته .
ويروى أنه لما قال له الهاتف :
كأني بهذا القصر قد باد آهله وقد درست أعلامه ومنازله
فأجابه المهدي :
كذاك أمور الناس يبلى جديدها وكل فتى يوما ستبلى فعائله
فقال الهاتف :
تزود من الدنيا فإنك ميت وإنك مسئول فما أنت قائله
فأجابه المهدي :
أقول بأن الله حق شهدته فذلك قول ليس تحصى فضائله
فقال الهاتف
تزود من الدنيا فإنك راحل وقد أزف الأمر الذي بك نازله
فأجابه المهدي :
متى ذاك خبرني هديت فإنني سأفعل ما قد قلت لي وأعاجله
فقال الهاتف :
تلبث ثلاثا بعد عشرين ليلة إلى منتهى شهر وما أنت كامله
قالوا : فلم يعش بعدها إلا تسعا وعشرين يوما حتى مات ، رحمه الله تعالى .
وقد ذكر ابن جرير اختلافا في سبب موته ، فقيل : إنه ساق خلف ظبي والكلاب بين يديه ، فدخل الظبي إلى خربة ، فدخلت الكلاب وراءه ، وجاء الفرس ، فحمل به في مشواره ، فدخل الخربة ، فكسر ظهر الخليفة فكان ذلك سبب وفاته . وقيل : إن بعض حظاياه بعثت إلى أخرى لبنا مسموما ، فمر الرسول بالمهدي ، فأكل منه فمات . وقيل : بل بعثت إليها بصينية فيها كمثرى ، وفي أعلاها واحدة كبيرة فيها سم ، وكان المهدي يعجبه الكمثرى ، فمرت الجارية تحمل تلك الصينية فرآها فاستدعاها ، فأخذ التي في أعلاها ، فأكلها فمات من ساعته ، فجعلت الحظية تندبه ، وتقول : واأمير المؤمنيناه ، أردت أن تكون لي وحدي ، فقتلتك .
وكانت وفاته في المحرم من هذه السنة - أعني سنة تسع وستين ومائة - وله من العمر ثلاث وأربعون سنة على المشهور.
نسب المهدي
محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ، أبو عبد الله المهدي ، أمير المؤمنين ، وإنما لقب بالمهدي طمعا أن يكون هو الموعود به في الأحاديث ، فلم يكن به ، وإن اشتركا في الاسم; لأنه لم يشبهه في الفعل ، ذاك يأتي آخر الزمان وعند فساده ، فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما . وقد قيل : إن في أيامه ينزل عيسى ابن مريم بدمشق . كما سيأتي ذكر ذلك في أحاديث الفتن والملاحم وذكر المهدي ونزول عيسى ابن مريم إن شاء الله وبه الثقة . وقد جاء في حديث من طريق عثمان بن عفان أن المهدي من بني العباس ، وقد جاء موقوفا على ابن عباس وكعب الأحبار ، ولا يصح ذلك ، وبتقدير صحة شيء من ذلك لا يلزم أن يكون هذا على التعيين ، وقد ورد في حديث آخر : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512704المهدي من ولد فاطمة " فهو يعارض هذا . والله أعلم .
وأمه أم موسى بنت منصور بن عبد الله الحميري .
روى عن أبيه ، عن جده عن أبيه عبد الله بن عباس ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512705أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " . رواه عنه يحيى بن حمزة البتلهي قاضي دمشق ، وذكر أنه صلى خلف المهدي حين قدم دمشق فجهر في السورتين بالبسملة ، وأسند ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورواه غير واحد عن يحيى بن حمزة . وروى المهدي عن المبارك بن فضالة . وروى عنه أيضا جعفر بن سليمان الضبعي ، ومحمد بن عبد الله الرقاشي ، وأبو سفيان سعيد بن يحيى بن مهدي .
وكان مولد المهدي في سنة ست أو سبع - وقيل : سنة إحدى - وعشرين ومائة ، بالحميمة من أرض البلقاء ، واستخلف بعد موت أبيه في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة ، وعمره إذ ذاك ثلاث وثلاثون سنة ، وتوفي في المحرم من هذه السنة ، عن ثلاث أو ثمان وأربعين سنة ، وكانت خلافته عشر سنين وشهرا وبعض شهر .
ومن أخبار المهدي
قال الصولي : لما عقد المهدي العهد لولده موسى . . . قال مروان بن أبي حفصة :
عقدت لموسى بالرصافة بيعة شد الإله بها عرى الإسلام
موسى الذي عرفت قريش فضله ولها فضيلتها على الأقوام
بمحمد بعد النبي محمد حيي الحلال ومات كل حرام
مهدي أمته الذي أمست به للذل آمنة وللإعدام
موسى ولي عصا الخلافة بعده جفت بذاك مواقع الأقلام
وقال آخر :
يا ابن الخليفة إن أمة أحمد تاقت إليك بطاعة أهواؤها
ولتملأن الأرض عدلا كالذي كانت تحدث أمة علماؤها
حتى تمنى لو ترى أمواتها من عدل حكمك ما ترى أحياؤها
فعلى أبيك اليوم بهجة ملكها وغدا عليك إزارها ورداؤها
[مكافأة من قالت : يا عصبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ]
وأسند الصولي : (أن امرأة اعترضت المهدي فقالت : يا عصبة رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر في حاجتي ، فقال المهدي : ما سمعتها من أحد قط; اقضوا حاجتها ، وأعطوها عشرة آلاف درهم ! ! ) . ودخل ابن الخياط على المهدي ، وامتدحه فأمر له بخمسين ألف درهم ، ففرقها ابن الخياط ، وأنشأ يقول :
أخذت بكفي كفه أبتغي الغنى ولم أدر أن الجود من كفه يعدي
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى أفدت وأعداني فبددت ما عندي
قال : فنمى ذلك إلى المهدي ، فأعطاه بدل كل درهم دينارا .
وبالجملة فله مآثر ومحاسن كثيرة.
الشيخ لا يترك أخلاقه
وقال قريش الختلي : (رفع صالح بن عبد القدوس البصري إلى المهدي في الزندقة ، فأراد قتله ، فقال : أتوب إلى الله تعالى ، وأنشد لنفسه :
ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه
والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه
فصرفه ، فلما قرب من الخروج . . رده فقال : ألم تقل : والشيخ لا يترك أخلاقه ؟ قال : بلى ، قال : فكذلك أنت لا تدع أخلاقك حتى تموت ، ثم أمر بقتله ) .
أشهد أن قفاك قفا كذاب
وقال زهير : (قدم على المهدي بعشرة محدثين; منهم : فرج بن فضالة ، وغياث بن إبراهيم - وكان المهدي يحب الحمام - ، فلما دخل غياث . . قيل له : حدث أمير المؤمنين ، فحدثه : عن فلان ، عن أبي هريرة مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=913544«لا سبق إلا في حافر أو نصل» وزاد فيه : «أو جناح» فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم فلما قام . . . قال : أشهد أن قفاك قفا كذاب; وإنما استجلبت ذلك ، ثم أمر بالحمام فذبحت ) .
لا بد من ثلاث
وروي : (أن شريكا دخل على المهدي فقال له : لا بد من ثلاث : إما أن تلي القضاء ، أو تؤدب ولدي وتحدثهم ، أو تأكل عندي أكلة ، ففكر ساعة ، ثم قال : الأكلة أخف علي ، فأمر المهدي بعمل ألوان من المخ المعقود بالسكر وغير ذلك ، فأكل ، فقال الطباخ : لا يفلح بعدها ! ! قال : فحدثهم بعد ذلك ، وعلمهم العلم ، وولي القضاء ) .
هكذا يطلب العلم
وأخرج البغوي في «الجعديات» عن حمدان الأصبهاني قال : (كنت عند شريك ، فأتاه ابن المهدي ، فاستند وسأل عن حديث ، فلم يلتفت شريك ، ثم أعاد فعاد ، فقال : كأنك تستخف بأولاد الخلفاء ؟ ! قال : لا ، ولكن العلم أزين عند أهله من أن يضيعوه ، فجثا على ركبتيه ثم سأله ، فقال شريك : هكذا يطلب العلم ) .
ومن شعر المهدي - أنشده الصولي - :
ما يكف الناس عنا ما يمل الناس منا
إنما همتهم أن ينبشوا ما قد دفنا
لو سكنا باطن الأر ض لكانوا حيث كنا
وهم إن كاشفونا في الهوى يوما مجنا
وأسند الصولي عن محمد بن عمارة قال : كان للمهدي جارية شغف بها وهي كذلك ، إلا أنها تتحاماه كثيرا ، فدس إليها من عرف ما في نفسها ، فقالت : أخاف أن يملني ويدعني فأموت ، فقال المهدي في ذلك :
ظفرت بالقلب مني غادة مثل الهلال
كلما صح لها ود ي جاءت باعتلال
لا لحب الهجر مني والتنائي عن وصالي
بل لإبقاء على حبي لها خوف الملال
وله في نديمه عمر بن بزيع :
رب تمم لي نعيمي بأبي حفص نديمي
إنما لذة عيشي في غناء وكروم
وجوار عطرات وسماع ونعيم
قلت : شعر المهدي أرق وألطف من شعر أبيه وأولاده بكثير .
استحياء الجارية
وأسند الصولي عن ابن أبي كريمة قال : دخل المهدي إلى حجرة جارية على غفلة ، فوجدها وقد نزعت ثيابها وأرادت لبس غيرها ، فلما رأته . . غطت بيدها ، فقصرت كفها عنه ، فضحك وقال :
*
أبصرت عيني لحيني منظرا يجلب شيني
ثم خرج فرأى بشارا فأخبره وقال : أجز ، فقال بشار :
سترته إذ رأتني بين طي العكنتين
فبدا لي منه فضل لم يسع في الراحتين
وأسند عن إسحاق الموصلي قال : (كان المهدي في أول أمره يحتجب عن الندماء; تشبها بالمنصور نحوا من سنة ، ثم ظهر لهم ، فأشير عليه أن يحتجب ، فقال : إنما اللذة مع مشاهدتها ) .
من استعان بخائن كان شريكه
وأسند عن مهدي بن سابق قال : (صاح رجل بالمهدي وهو في موكبه : [من الكامل ]
قل للخليفة حاتم لك خائن فخف الإله وأعفنا من حاتم
إن العفيف إذا استعان بخائن كان العفيف شريكه في المأثم
فقال المهدي : يعزل كل عامل لنا يدعى حاتما )
سماحة أخلاق المهدي
وأسند عن أبي عبيدة قال : (كان المهدي يصلي بنا الصلوات الخمس في المسجد الجامع بالبصرة لما قدمها ، فأقيمت الصلاة يوما ، فقال أعرابي : لست على طهر; وقد رغبت في الصلاة خلفك ، فأمر هؤلاء بانتظاري .
فقال : انتظروه ، ودخل المحراب فوقف إلى أن قيل : قد جاء الرجل ، فكبر ، فعجب الناس من سماحة أخلاقه ) . وقال الواقدي : دخلت يوما على المهدي ، فحدثته بأحاديث ، فكتبها عني ثم قام فدخل بيوت نسائه ، ثم خرج وهو ممتلئ غيظا ، فقلت : ما لك يا أمير المؤمنين؟ فقال : دخلت على الخيزران ، فقامت إلي ، ومزقت ثوبي ، وقالت : ما رأيت منك خيرا . وإني والله يا واقدي إنما اشتريتها من نخاس ، وقد نالت عندي ما نالت ، وقد بايعت لولديها بإمرة المؤمنين من بعدي . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إنهن يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام . وقال
خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي . وقال
خلقت المرأة من ضلع أعوج إن قومته كسرته . وحدثته في هذا الباب بكل ما حضرني ، فأمر لي بألفي دينار ، فلما وافيت المنزل إذا رسول الخيزران قد لحقني بألفي دينار إلا عشرة دنانير ، وإذا معه أثواب أخر ، وبعثت تتشكر لي وتثني علي معروفا . وذكروا أن المهدي كان قد أهدر دم رجل من أهل الكوفة وجعل لمن جاء به مائة ألف ، فدخل الرجل بغداد متنكرا ، فبينما هو يوما في بعض أزقة بغداد إذ لقيه رجل ، فأخذ بمجامع ثوبه ونادى : هذا طلبة أمير المؤمنين . وجعل الرجل يريد أن ينفلت منه فلا يقدر ، فبينا هما كذلك إذا أمير في موكبه قد أقبل وإذا هو معن بن زائدة ، فقال الرجل : يا أبا الوليد ، خائف مستجير . فقال : ويحك! ما لك وله؟ فقال هذا طلبة أمير المؤمنين ، جعل لمن جاء به مائة ألف . قال معن : ويحك! أوما علمت أني قد أجرته؟ أرسله من يدك . ثم أمر بعض غلمانه فترجل وأركبه ، وذهب به إلى منزله ، وانطلق ذلك الرجل إلى باب الخليفة فأنهى إليه الخبر ، فبلغ المهدي . فأرسل إلى معن بن زائدة فدخل عليه ، فسلم فلم يرد المهدي . وقال : يا معن ، أبلغ من أمرك أن تجير علي؟ قال : نعم . قال : ونعم أيضا . قال : نعم ، قد قتلت في دولتكم أربعة آلاف مصل ، أفلا يجار لي رجل واحد؟! فأطرق المهدي ، ثم رفع رأسه إليه وقال : قد أجرنا من أجرت يا معن . فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الرجل ضعيف . فأمر له المهدي بثلاثين ألفا . فقال : إن جريمته عظيمة ، وإن جوائز الخلفاء على قدر ذنوب الرعية . فأمر له بمائة ألف ، فحملت بين يدي معن إلى الرجل ، فقال له معن : ادع للخليفة وأصلح نيتك في المستقبل . وقدم أعرابي ومعه كتاب مختوم ، فجعل يقول : هذا كتاب أمير المؤمنين ، أين الرجل الذي يقال له : الربيع؟ فدلوه على الربيع الحاجب ، فأخذ الكتاب وجاء به إلى أمير المؤمنين ، وأوقف الأعرابي ، وفتح الكتاب ، فإذا هو قطعة أديم ، فيها كتابة ضعيفة ، والأعرابي يزعم أن هذا خط الخليفة ، فتبسم المهدي وقال : صدق الأعرابي هذا خطي ، إني خرجت يوما إلى الصيد ، فضعت من الجيش ، وأقبل الليل ، فتعوذت بتعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع لي نار من بعد ، فقصدتها فإذا هو الشيخ وامرأته في خباء يوقدان نارا ، فسلمت ، فرد السلام ، وفرش لي كساء ، وسقاني من مذقة من لبن مشوب بماء ، فما شربت شيئا إلا وهي أطيب منه ، ونمت نومة على تلك العباءة ما أذكر أني نمت نومة أحلى منها . فقام إلى شويهة له فذبحها ، فسمعت امرأته تقول له : عمدت إلى معيشتك ومعيشة أولادك فذبحتها؟! أهلكت نفسك وعيالك . فما التفت إليها ، واستيقظت من النوم فاشتويت من تلك الشويهة ، وقلت له : أعندك شيء أكتب لك فيه كتابا؟ فأتاني بهذه الرقعة من الأديم فكتبت له بعود من ذلك الرماد خمسمائة ألف ، وإنما أردت خمسين ألفا ، والله لأنفذنها له كلها ولو لم يكن في بيت المال سواها . فقبضها الأعرابي ، واستمر مقيما في ذلك الموضع وهو في طريق الحاج من ناحية الأنبار فجعل يقري الناس في ذلك الموضع ، فعرف بمنزل مضيف أمير المؤمنين المهدي . وعن سوار - صاحب رحبة سوار - قال : انصرفت يوما من عند المهدي ، فجئت منزلي فوضع لي الغداء ، فلم تقبل نفسي عليه ، فدخلت خلوتي لأنام في القائلة ، فلم يأخذني نوم ، فاستدعيت ببعض حظاياي لأتلهى بها ، فلم يقر لي قرار ، فنهضت فخرجت من المنزل ، وركبت بغلتي ، فما جاوزت الدار إلا قليلا حتى لقيني رجل ومعه ألفا درهم ، فقلت : من أين هذه؟ فقال : من ملكك الجديد . فاستصحبته معي ، وسرت في أزقة بغداد أتشاغل مما أنا فيه من الضجر ، فحانت صلاة العصر عند مسجد في بعض الحارات ، فنزلت لأصلي فيه ، فلما قضيت الصلاة إذا برجل أعمى قد أخذ بثيابي فقال : إن لي إليك حاجة . فقلت : ما حاجتك؟ فقال : إني رجل ضرير ، ولكنني لما شممت رائحة طيبك ظننت أنك رجل من أهل النعمة والثروة ، فأحببت أن أفضي بحاجتي إليك . فقلت : وما هي؟ فقال : إن هذا القصر الذي تجاه المسجد كان لأبي ، فسافر منه إلى خراسان ، وباعه وأخذني معه وأنا صغير ، فافترقنا هناك ، وأصابني الضرر ، فرجعنا إلى بغداد ، فجئت إلى صاحب هذا القصر أطلب منه شيئا أتبلغ به لعلي أجتمع بسوار ، فإنه كان صاحبا لأبي ، فلعله أن يكون عنده سعة يجود منها علي . فقلت : ومن أبوك؟ فذكر رجلا كان أصحب الناس إلي ، فقلت : إني أنا سوار صاحب أبيك ، وقد منعني الله في يومك هذا النوم والقرار والأكل والراحة ، حتى أخرجني من منزلي لأجتمع بك ، وأجلس بين يديك ، وأمرت وكيلي ، فدفع إليه الألفين التي كانت معه ، وقلت : إذا كان الغد فأت منزلي في مكان كذا وكذا . وركبت فجئت دار الخلافة وقلت : ما أتحف المهدي الليلة في السمر بأغرب من هذا . فلما قصصت عليه القصة تعجب من ذلك جدا ، وأمر للأعمى بألفي دينار ، وقال لي : عليك دين؟ قلت : نعم . قال : كم؟ قلت : خمسون ألف دينار . فسكت وحادثني ساعة ، فلما قمت من بين يديه ، فوصلت المنزل إذا الحمالون قد سبقوني إلى المنزل بخمسين ألف دينار وألفي دينار للأعمى ، فانتظرت الأعمى أن يجيء في ذلك اليوم ، فتأخر ، فلما أمسيت جلست إلى المهدي فقال : قد فكرت في أمرك ، فوجدتك إذا قضيت دينك لم يبق معك شيء ، وقد أمرت لك بخمسين ألف دينار أخرى . فلما كان اليوم الثالث جاءني المكفوف فقلت : قد رزق الله بسببك خيرا كثيرا ، ودفعت إليه الألفي دينار التي من عند الخليفة ، وزدته ألفي دينار من مالي أيضا .
إذعان المهدي عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم
وأسند عن إبراهيم بن نافع : (أن قوما من أهل البصرة تنازعوا إليه في نهر من أنهار البصرة ، فقال : إن الأرض لله في أيدينا للمسلمين ، فما لم يقع له ابتياع منها . . . يعود ثمنه على كافتهم وفي مصلحتهم ، فلا سبيل لأحد عليه .
فقال القوم : هذا النهر لنا بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=674594«من أحيا أرضا ميتة . . فهي له» . وهذه موات .
فوثب المهدي عند ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ألصق خده بالتراب ، وقال : سمعت لما قال وأطعت ، ثم عاد وقال : بقي أن تكون هذه الأرض مواتا حتى لا أعرض فيها ، وكيف تكون مواتا والماء محيط بها من جوانبها ؟ ! فإن أقاموا البينة على هذا . . سلمت .
وأسند عن الأصمعي قال : (سمعت المهدي على منبر البصرة يقول : إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه ، وثنى بملائكته فقال :
{ إن الله وملائكته يصلون على النبي } الآية آثره بها من بين الرسل; إذ خصكم بها من بين الأمم ) .
قلت : وهو أول من قال ذلك في الخطبة ، وقد استنها الخطباء إلى اليوم .
ولما مات . . . قال أبو العتاهية وقد علقت المسوح على قباب حرمه :
رحن في الموشى وأصبـ ـحن عليهن المسوح
كل نطاح من الد هر له يوم نطوح
لست بالباقي ولو عمـ ـرت ما عمر نوح
نح على نفسك يا مسـ ـكين إن كنت تنوح
ذكر
أحاديث من رواية المهدي
عن أحمد بن هشام ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن مسلم المدائني - وهو ثقة صدوق - ، قال : سمعت المهدي يخطب فقال : حدثنا شعبة ، عن علي بن زيد ، عن أبي نضرة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=691561عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة من العصر إلى مغيربان الشمس ، حفظها من حفظها ، ونسيها من نسيها ، فقال : «ألا إن الدنيا حلوة خضرة . . .» الحديث بطوله .
وقال الصولي : عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه :
أن وفدا من العجم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد أحفوا لحاهم وأعفوا شواربهم - ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «خالفوهم; أعفوا لحاكم ، وأحفوا شواربكم» .
وإحفاء الشارب : أخذ ما سقط على الشفة منه ، ووضع المهدي يده على أعلى شفته .
وقال منصور بن مزاحم ومحمد بن يحيى بن حمزة : عن يحيى بن حمزة قال : صلى بنا المهدي المغرب فجهر بـ
بسم الله الرحمن الرحيم فقلت : يا أمير المؤمنين; ما هذا ؟ قال : حدثني أبي عن أبيه عن جده عن ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3156أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بـ بسم الله الرحمن الرحيم ، فقلت للمهدي : نأثره عنك ؟ قال : نعم .
قال الذهبي : (هذا إسناد متصل ، لكن ما علمت أحدا احتج بالمهدي ولا بأبيه في الأحكام ، تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم . وقال ابن عدي : كان يضع الحديث ) .
رثاؤه
وقال سلم الخاسر يرثيه :
وباكية على المهدي عبرى كأن بها وما جنت جنونا
وقد خمشت محاسنها وأبدت غدائرها وأظهرت القرونا
لئن بلي الخليفة بعد عز لقد أبقى مساعي ما بلينا
سلام الله عدة كل يوم على المهدي حين ثوى رهينا
تركنا الدين والدنيا جميعا بحيث ثوى أمير المؤمنينا