نسبه وصفته

وهو موسى بن محمد المهدي بن المنصور ، ويكنى أبا محمد ، وأمه:

الخيزران أم ولد ، وكان طويلا جسيما أبيض مشربا حمرة ، وفي شفته العليا تقلص ، ولد بالري ، وكان يثب على الدابة وعليه درعان ، وكان المهدي يسميه: ريحانتي . وكان يسمى موسى أطبق; لأن شفته العليا كانت تقلص ، فكان أبوه وكل به في صغره خادما كلما رآه مفتوح الفم . . قال : موسى أطبق ، فيفيق على نفسه ويضم شفتيه ، فشهر بذلك .

قال الذهبي : (وكان يتناول المسكر ويلعب ، ويركب حمارا فارها ، ولا يقيم أبهة الخلافة ، وكان مع ذلك فصيحا قادرا على الكلام ، أديبا تعلوه هيبة ، وله سطوة وشهامة ) .

وقال غيره : كان جبارا ، وهو أول من مشت الرجال بين يديه بالسيوف المرهفة والأعمدة والقسي الموترة; فاتبعه عماله به في ذلك ، وكثر السلاح في عصره . ذكر أولاده

كان له جعفر وهو الذي يرشحه للخلافة ، والعباس ، وعبد الله ، وإسحاق ، وإسماعيل ، وسليمان ، وموسى ولد بعد موت أبيه ، وكلهم لأمهات أولاد ، وكان له ابنتان: أم عيسى وكانت عند المأمون ، وأم العباس . ذكر طرف من سيرته وأخباره

قال: المطلب بن عكاشة المزني قال: قدمنا على أمير المؤمنين الهادي [شهودا] على رجل منا شتم قريشا ، وتخطى إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس لنا مجلسا أحضر فيه فقهاء أهل زمانه ، ومن كان بالحضرة على بابه ، وأحضر الرجل وأحضرنا ، فشهدنا عليه بما سمعنا منه ، فتغير وجه الهادي ثم نكس رأسه ثم رفعه فقال: إني سمعت أبي [المهدي] يحدث: عن أبيه المنصور ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عباس قال: من أراد هوان قريش أهانه الله . وأنت يا عدو الله لم ترض بأن أردت ذلك من قريش حتى تخطيت إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اضربوا عنقه ، فما برحنا حتى قتل .

وعن العباس بن الفضل ، عن أبيه قال: غضب موسى الهادي على رجل ، فكلم فيه فرضي عنه ، فذهب يعتذر ، فقال له موسى: إن الرضا قد كفاك مئونة الاعتذار .

وعن عبد الله بن مصعب قال: دخل مروان بن أبي حفصة على الهادي فأنشده مديحا له ، حتى إذا بلغ قوله:


تشابه يوما بأسه ونواله فما أحد يدري لأيهما الفضل

فقال له الهادي: أيما أحب إليك ثلاثون ألفا معجلة أو مائة ألف تدور في الدواوين؟ قال: يا أمير المؤمنين ، أنت تحسن ما هو أحسن من هذا ، ولكنك أنسيته ، أفتأذن لي أن أذكرك؟ قال: نعم ، قال: تعجل الثلاثين الألف ، وتدور المائة الألف .

قال: بل تعجلان لك جميعا ، فحمل ذلك إليه .

قال سعيد بن سلم: سرنا مع الهادي بين أبيات جرجان ، فسمع صوتا من بعض تلك البساتين من رجل يتغنى فقال لصاحب شرطته: علي بالرجل الساعة . فقلت: يا أمير المؤمنين ، ما أشبه قصة هذا الخائن بقصة سليمان بن عبد الملك ، فإنه كان في متنزه له ومعه حرمه ، فسمع من بستان آخر صوت رجل يتغنى ، فدعا صاحب شرطته فقال: علي بصاحب هذا الصوت ، فلما مثل بين يديه قال: ما حملك على الغناء وأنت إلى جنبي ومعي حرمي! أما علمت أن الرماك إذا سمعت صوت الفحل حنت؟ قال: فجب الرجل ، فلما كان في العام المقبل ذهب سليمان إلى ذلك المتنزه فجلس وذكر الرجل ، فقال لصاحب شرطته: علي بالرجل الذي جببناه ، فلما مثل بين يديه قال له: إما بعت فوفيناك ، وإما وهبت فكافأناك قال: فوالله ما دعاه بالخلافة ، ولكنه قال: يا سليمان إنك قطعت نسلي وذهبت بماء وجهي ، وحرمتني لذتي ، ثم تقول: إما وهبت وإما بعت؟ لا والله حتى أقف بين يدي الله . قال: فقال موسى: يا غلام ، رد صاحب الشرطة ، فرده ، قال: لا تعرض للرجل .

قال علي بن صالح: ركب الهادي يوما يريد عيادة أمه الخيزران من علة كانت بها ، فاعترضه عمر بن بزيع فقال: يا أمير المؤمنين ألا أدلك على وجه هو أعود عليك من هذا؟ قال: وما هو يا عمر؟ قال: المظالم ، لم تنظر فيها منذ ثلاثة أيام ، فأومأ إلى المطرقة أن يميلوا إلى دار المظالم ، وبعث إلى الخيزران بخادم يعتذر من تخلفه ويقول: إن عمر أخبرنا من حق الله عز وجل بما هو أوجب علينا من حقك ، فملنا إليه ونحن عائدون إليك في غد إن شاء الله تعالى .

[فائدة ]

[في ذكر من ولدت خليفتين ]

وقال الصولي : (لا تعرف امرأة ولدت خليفتين إلا الخيزران : أم الهادي والرشيد ، وولادة بنت العباس العبسية زوج عبد الملك بن مروان; ولدت : الوليد وسليمان ، وشاهين بنت فيروز بن يزدجرد بن كسرى ، ولدت للوليد بن عبد الملك : يزيد الناقص وإبراهيم ، ووليا الخلافة .

قلت : يزاد على ذلك : باي خاتون سرية المتوكل الأخير ، ولدت : العباس وحمزة ، ووليا الخلافة ، وكزل سريته أيضا ، ولدت : داود وسليمان ، وولياها .

ركوب الهادي البريد من جرجان لبغداد

ثم قال الصولي : (لا يعرف خليفة ركب البريد إلا الهادي من جرجان إلى بغداد ، قال : وكان نقش خاتمه : الله ثقة موسى وبه يؤمن ) .

مدح سلم الخاسر للهادي

قال الصولي : ولسلم الخاسر في الهادي يمدحه :


موسى المطر     غيث بكر
ثم انهمر     ألوى المرر
كم اعتسر      [ثم اتسر ]
وكم قدر     ثم غفر
عدل السير     باقي الأثر
خير وشر     نفع وضر
خير البشر     فرع مضر
بدر بدر     لمن نظر
هو الوزر     لمن حضر
والمفتخر     لمن غبر



قال : (وهذا على جزء جزء مستفعلن مستفعلن ، وهو أول من عمله ، ولم نسمع لمن قبله شعرا على جزء جزء ) .تواضع الهادي ومعرفته قدر النبي صلى الله عليه وسلم

وأسند الصولي عن سعيد بن سلم قال : (إني لأرجو أن يغفر الله للهادي بشيء رأيته منه ، حضرته يوما وأبو الخطاب السعدي ينشده قصيدة في مدحه . . . ، إلى أن قال :


يا خير من عقدت كفاه حجزته     وخير من قلدته أمرها مضر

فقال له الهادي : إلا من ؟ ويلك ! ! قال سعيد : ولم يكن استثنى في شعره ، فقلت : يا أمير المؤمنين; إنما يعني من أهل هذا الزمان ، فأفكر الشاعر فقال :


إلا النبي رسول الله إن له     فضلا ، وأنت بذاك الفضل تفتخر

فقال : الآن أصبت وأحسنت ، وأمر له بخمسين ألف درهم ) .

وقال المدائني : (عزى الهادي رجلا في ابن له ، فقال : سرك وهو فتنة وبلية ، ويحزنك وهو ثواب ورحمة ؟ ! ) .

وقال الصولي : قال سلم الخاسر في الهادي جامعا بين العزاء والهناء .


لقد قام موسى بالخلافة والهدى     ومات أمير المؤمنين محمد
فمات الذي غم البرية فقده     وقام الذي يكفيك من يتفقد

وقال مروان بن أبي حفصة كذلك :


لقد أصبحت تختال في كل بلدة     بقبر أمير المؤمنين المقابر
ولو لم تسكن بابنه بعد موته     لما برحت تبكي عليه المنابر
ولو لم يقم موسى عليها لرجعت     حنينا كما حن الصفايا العشائر

حديث من رواية الهادي

قال الصولي : عن المطلب بن عكاشة المري قال : قدمنا على الهادي شهودا على رجل شتم قريشا وتخطى إلى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فجلس لنا مجلسا أحضر فيه فقهاء زمانه ، وأحضر الرجل فشهدنا عليه ، فتغير وجه الهادي ، ثم نكس رأسه ثم رفعه فقال : سمعت أبي المهدي يحدث عن أبيه المنصور ، عن أبيه محمد ، عن أبيه علي ، عن أبيه عبد الله بن عباس قال : (من أراد هوان قريش . . . أهانه الله ) وأنت يا عدو الله لم ترض بأن أردت ذلك من قريش حتى تخطيت إلى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، اضربوا عنقه ، أخرجه الخطيب من طريق الصولي .

موت الهادي وسببه

مات في ربيع الآخر سنة سبعين ومائة ; واختلف في سبب موته :

فقيل : إنه دفع نديما له من جرف على أصول قصب قد قطع فتعلق النديم به فوقعا فدخلت قصبة في مخرجه، فماتا جميعا .

وقيل : أصابته قرحة في جوفه .

وقيل : سمته أمه الخيزران لما عزم على قتل الرشيد ليعهد إلى ولده .

وقيل : كانت أمه حاكمة مستبدة بالأمور الكبار ، وكانت المواكب تغدو إلى بابها ، فزجرهم عن ذلك ، وكلمها بكلام فج ، وقال : لئن وقف ببابك أمير . . . لأضربن عنقه; أما لك مغزل يشغلك ، أو مصحف يذكرك ، أو سبحة ؟ ! فقامت ما تعقل من الغضب ، فقيل : إنه بعث إليها بطعام مسموم ، فأطعمت منه كلبا فانتثر ، فعملت على قتله لما وعك; بأن غموا وجهه ببساط جلسوا على جوانبه ، وخلف سبعة بنين .

من شعر الهادي

ومن شعر الهادي في أخيه هارون لما امتنع من خلع نفسه .


نصحت لهارون فرد نصيحتي     وكل امرئ لا يقبل النصح نادم
وأدعوه للأمر المؤلف بيننا     فيبعد عنه وهو في ذاك ظالم
ولولا انتظاري منه يوما إلى غد     لعاد إلى ما قلته وهو راغم

.

التالي السابق


الخدمات العلمية