خلافة الرشيد بن المهدي .
وفي سنة سبعين ومائة من الهجرة النبوية بويع للرشيد هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالخلافة ليلة مات أخوه الهادي ، وذلك ليلة الجمعة للنصف من ربيع الأول سنة سبعين ومائة ، وكان عمر الرشيد يومئذ ثنتين وعشرين سنة ، فبعث إلى يحيى بن خالد بن برمك ، فأخرجه من السجن ، وقد كان الهادي عزم في تلك الليلة على قتله وقتل هارون الرشيد ، فأخرجه الرشيد ، وكان ابنه من الرضاعة ، وولاه حينئذ الوزارة ، وولى يوسف بن القاسم بن صبيح كتابة الإنشاء ، وكان هو الذي قام خطيبا بين يديه حين أخذت البيعة له على المنبر بعيساباذ ، ويقال : إنه لما مات الهادي في الليل جاء يحيى بن خالد بن برمك إلى الرشيد فوجده نائما ، فقال له : قم يا أمير المؤمنين . فقال : كم تروعني ، ولو سمع بهذا الكلام هذا الرجل لكان ذلك أكبر ذنوبي عنده . فقال له يحيى : قد مات الرجل . فجلس هارون فقال : أشر علي . فجعل يذكر له ولايات الأقاليم لرجال يسميهم ، فيوليهم الرشيد ، فبينما هم كذلك إذ جاء آخر فقال : أبشر يا أمير المؤمنين فقد ولد لك الساعة غلام . فقال هو عبد الله ، وهو المأمون ثم أصبح فصلى على أخيه الهادي ، ودفنه بعيساباذ ، وحلف لا يصلي الظهر إلا ببغداد ، فلما فرغ من الجنازة أمر بضرب عنق أبي عصمة القائد لأنه كان مع جعفر ابن الهادي فزاحموا هارون على جسر ، فقال أبو عصمة : قف حتى يجوز ولي العهد . فقال الرشيد : السمع والطاعة للأمير . فجاز جعفر ووقف الرشيد ، فلما ولي أمر بقتل أبي عصمة ، ثم سار إلى بغداد فلما انتهى إلى جسر بغداد استدعى بالغواصين فقال : إني سقط مني هاهنا خاتم ، كان والدي المهدي قد اشتراه لي بمائة ألف ، فلما كان من أيام بعث ورائي الهادي يطلبه ، فألقيته إلى الرسول ، فسقط هاهنا . فغاصوا وراءه فوجدوه ، فسر به الرشيد سرورا كثيرا .
تفويض الرشيد يحيى بن خالد أمر الرعية ولما ولى الرشيد يحيى بن خالد الوزارة قال له : قد فوضت إليك أمر الرعية ، وخلعت ذلك من عنقي ، وجعلته في عنقك ، فول من رأيت ، واعزل من رأيت . ففي ذلك يقول إبراهيم الموصلي :
ألم تر أن الشمس كانت سقيمة فلما ولي هارون أشرق نورها بيمن أمين الله هارون ذي الندى
فهارون واليها ويحيى وزيرها
وكانت الخيزران هي المشاورة في الأمور كلها ، لا يقطع يحيى بن خالد أمرا حتى يشاورها فيما يبرمه ويحله ويمضيه ويحكمه .
وذكر الصولي: أنه كان يحيى يساير الرشيد يوما فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين ، عطبت دابتي ، فقال: يعطى خمسمائة درهم ، فغمزه يحيى ، فلما نزل قال:
يا أبة ، أومأت إلي بشيء وقت ما أمرت بالدراهم فما هو؟ فقال: مثلك لا يجري هذا المقدار على لسانه ، إنما يذكر مثلك خمسة آلاف ألف ، عشرة آلاف ألف ، قال: فإذا سئلت مثل هذا كيف أقول؟ قال: تقول: نشتري له دابة ، يفعل به فعل نظرائه . ولما مات الهادي هجم خزيمة بن خازم تلك الليلة على جعفر بن الهادي فأخذه من فراشه ، وقال له : لتخلعنها أو لأضربن عنقك ، فأجاب إلى الخلع ، وركب من الغد خزيمة ، ، وأظهر جعفرا للناس فأشهدهم بالخلع ، وأحل الناس من بيعتهم ، فحظي بها خزيمة . وعن عمرو بن بحر قال:
أجمع الرشيد ما لم يجمع لأحد من جد وهزل: وزراؤه البرامكة لم ير مثلهم سخاء [وسرورا] ، وقاضيه أبو يوسف ، وشاعره مروان بن أبي حفصة كان في عصره كجرير في عصره ، ونديمه عم أبيه العباس بن محمد صاحب العباسية ، وحاجبه الفضل بن الربيع أتيه الناس وأشدهم تعاظما ، ومغنيه إبراهيم الموصلي أوحد عصره ، وضاربه زلزل [ ، وزامره برصوما] ، وزوجته أم جعفر أرغب الناس في خير ، وأسرعهم إلى كل بر ومعروف ، وهي التي أدخلت الماء الحرم بعد امتناعه من ذلك ، إلى أشياء من المعروف ، ومن كبار قواده المعلى ولي البصرة وفارس والأهواز واليمامة والبحرين وغير ذلك ، وإليه ينسب نهر معلى .