وفي سنة ثلاث وسبعين ومائة

توفي محمد بن سليمان بن علي بالبصرة ، فأرسل الرشيد من قبض تركته ، وكانت عظيمة من المال ، والمتاع ، والدواب ، فحملوا منه ما يصلح للخلافة ، وتركوا ما لا يصلح .

وكان من جملة ما أخذوا ستون ألف ألف ، فلما قدموا بذلك عليه أطلق منه للندماء والمغنين شيئا كثيرا ، ورفع الباقي إلى خزانته .

وكان سبب أخذ الرشيد تركته أن أخاه جعفر بن سليمان كان يسعى به إلى الرشيد حسدا له ، ويقول : إنه لا مال له ، ولا ضيعة إلا وقد أخذ أكثر من ثمنها ليتقوى به على ما تحدث به نفسه ، يعني الخلافة .

وإن أمواله حل طلق لأمير المؤمنين ، وكان الرشيد يأمر بالاحتفاظ بكتبه ، فلما توفي محمد بن سليمان ( أخرجت كتبه إلى جعفر ) أخيه ، واحتج عليه بها ، ولم يكن له أخ لأبيه وأمه غير جعفر ، فأقر بها ، فلهذا قبضت أمواله . ترجمته وهو محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، وأمه أم حسن بنت جعفر بن حسن بن حسن بن علي ، وكان من رجالات قريش وشجعانهم . جمع له المنصور بين البصرة والكوفة ، وزوجه المهدي ابنته العباسة ، وكان له من الأموال شيء كثير ، وكان دخله كل يوم مائة ألف . وكان له خاتم من ياقوت أحمر لم ير مثله .

فسقط ليلة من يده [ليلة بنائه بالعباسة] فجعلوا يطلبونه فلم يجدوه ، فقال: أطفئوا الشمع ففعلوا فرأوه ، وكان له خمسون ألف مولى منهم عشرون ألف عتاقة ، وكانت به رطوبة فكان يتداوى بالمسك يستعمل منه كل يوم عشرين مثقالا ويتركه في عكن بطنه روى الحديث عن أبيه ، عن جده الأكبر - وهو ابن عباس - حديثا مرفوعا في مسح رأس اليتيم إلى مقدم رأسه ، ومسح رأس من له أب إلى مؤخره .

وقد وفد على الرشيد ، فهنأه بالخلافة ، فأكرمه وعظمه ، وزاده في عمله شيئا كثيرا . ولما أراد الخروج خرج معه الرشيد يشيعه إلى كلواذى .

توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة عن إحدى وخمسين سنة .

وقد أرسل الرشيد من اصطفى من ماله الصامت ، فوجد له من الذهب ثلاثة آلاف ألف دينار ، ومن الدراهم ستين ألف ألف ، خارجا عن الأملاك والجواهر .

وعن الحسين بن سلام مولى آل سليمان بن علي] قال: لما احتضر محمد بن سليمان بن علي كان رأسه في حجر أخيه جعفر بن سليمان ، فقال جعفر: وانقطاع ظهراه ، فقال محمد: وانقطاع ظهر من يلقى الجبار غدا [والله] ليت أمك لم تلدني ، ليتني كنت حمالا ، وأني لم أكن فيما كنت فيه ، وولى الرشيد مكانه عمه سليمان بن أبي جعفر .

وحكى ابن جرير أن قوما قالوا: كانت وفاة محمد بن سليمان والخيزران في يوم واحد .

وعن محمد بن يزيد قال: بلغني أن جارية من جواري محمد بن سليمان وقفت على قبره فقالت:


أمسى التراب لمن هويت مبيتا ألق التراب فقل له حييتا     إنا نحبك يا تراب وما بنا
إلا كرامة من عليه حثيتا

التالي السابق


الخدمات العلمية