من توفي في هذه السنة من الأكابر السيد الحميري السيد الحميري الشاعر الرافضي إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة ، أبو هاشم الحميري الملقب بالسيد ، كان من الشعراء المشهورين ، والمبرزين في هذه الصناعة المفوهين ، ولكنه كان رافضيا خبيثا ، وشيعيا غثيثا ، كان ممن يشرب الخمر ، ويقول بالرجعة ، أي بالدور .

قال يوما لرجل : أقرضني دينارا ، ولك عندي مائة دينار إذا عدنا إلى الدنيا . فقال له الرجل : إني أخشى أن تعود كلبا أو خنزيرا ، فيذهب مالي .

وكان ، قبحه الله ، يسب الصحابة في شعره ويشتم الخيرة .

قال الأصمعي : ولولا ذلك ما قدمت عليه أحدا في طبقته . ولا سيما الشيخين وابنيهما ، رضي الله عنهم ، ولعنه وأسحقه وأبعده .



وكان يقول بإمامة محمد بن الحنفية ، ويقول : إنه مقيم بجبل رضوى ، وإنه لم يمت .

ومن شعره في ذلك :


ألا قل للوصي فدتك نفسي أطلت بذلك الجبل المقاما     أضر بمعشر والوك منا
وسموك الخليفة والإماما     وعادوا فيك أهل الأرض طرا
مقامك فيهم ستين عاما     وما ذاق ابن خولة طعم موت
ولا وارت لنا أرض عظاما     لقد أمسى بمورق شعب رضوى
تراجعه الملائكة الكلاما     هدانا الله إذ حرتم لأمر
به وارثه يلتمس التماما     تمام مودة المهدي حتى
تروا آياتنا تترى نظاما

وذكر القاضي أبو بكر محمد بن الطيب قال : كان السيد الحميري يزعم أن جهنم بحضرموت وبوادي برهوت .

وقال في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما يصف عداءهما عنده :


أمست عظامهما بطيبة للبلى     وبحضرموت شرها روحاهما



وقال في ذم سيدتنا عائشة رضي الله عنها :


أعائش إنك في المحدثات     وفي المحدثين بوادي اليمن
ببرهوت تسقين من مائها     شرابا كريها شديد الأسن



قال : وكان شديد اللهج بسب سيدتنا عائشة وسيدتنا حفصة رضي الله عنهما ، وقال في ذلك :


جاءت مع الأشقين في هودج     تزجي إلى البصرة أجنادها
كأنها في فعلها حية     تريد أن تأكل أولادها



قال : وكان يقصد قذف حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعظائم .

ذكر أبو الفرج الأصفهاني أنه قال - يعني [في - ] عائشة وحفصة :


إحداهما نمت عليه حديثه     وبغت عليه بغية إحداهما
فهما اللتان سمعت رب محمد     في الذكر قص على العباد نباهما



[قال المصنف ] : وإنما يذكر العلماء ذلك لتعرف هذا اللعين وغوره في الكفر .

واختلفوا أين مات لعنه الله ، فقيل : بواسط ، أخذه كرب فجلس قبل موته فقال : اللهم هذا كان جزائي لحب آل محمد ، فمات فلم يدفنوه لكفره وسبه الصحابة رضي الله عنهم .

وقيل : بل توفي ببغداد ، واسود وجهه قبل موته ، فأفاق من سكرته وفتح عينيه وقال : يا أمير المؤمنين ، تفعل هذا لوليك ؟ قالها ثلاث مرات ومات ، فدفن بالحديثة ببغداد وذلك في خلافة الرشيد . حماد بن زيد حماد بن زيد

وفيها توفي حماد بن زيد أحد أئمة الحديث . وخالد بن عبد الله الطحان ، من سادات المسلمين ، وشرى نفسه من الله أربع مرات .

مالك بن أنس الإمام مالك بن أنس بن مالك بن عامر بن الحارث بن غيمان - بالغين المعجمة بعدها ياء مثناة من تحتها - بن جثيل - بالجيم بعدها ثاء مثلثة - بن عمرو بن الحارث ، وهو ذو أصبح .

حمل بمالك ثلاث سنين ، وكان طوالا عظيم الهامة ، أصلع شديد البياض إلى الشقرة ، أبيض الرأس واللحية .

رأى خلقا من التابعين ، وروى عنهم ، وكان ثقة حجة ، يلبس الثياب العدنية الجياد ، وكان نقش خاتمه "حسبي الله ونعم الوكيل " فقيل له : لم نقشت هذا ؟ فقال : سمعت الله يقول عقب هذه الآية فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء وكان إذا دخل بيته فأدخل رجله قال : ما شاء الله ، وقال : سمعت الله يقول : ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله .

وعن إبراهيم بن المنذر قال : سمعت معن بن عيسى يقول : كان مالك بن أنس إذا أراد أن يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل وتبخر وتطيب ، فإذا رفع أحد صوته عنده قال : اغضض من صوتك فإن الله عز وجل يقول : يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي فمن رفع صوته عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وعن أبا مصعب يقول : سمعت مالك بن أنس يقول : ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك .

وعن أبي عبيدة قال : سمعت ابن مهدي يقول : سأل رجل مالكا عن مسألة فقال : لا أحسنها . فقال الرجل : إني ضربت إليك من كذا وكذا لأسألك عنها . فقال له مالك [ابن أنس ] إذا رجعت إلى مكانك وموضعك فأخبرهم إني قد قلت لك لا أحسنها .

وعن نعيم بن حماد قال : سمعت ابن المبارك يقول : ما رأيت رجلا ارتفع مثل مالك بن أنس من رجل ليس له كثير صلاة ولا صيام ، إلا أن تكون له سريرة عند الله . وعن محمد بن عمر قال : لما دعي مالك وسور وسمع منه شنف الناس له وحسدوه ، فلما ولي جعفر بن سليمان المدينة سعوا به إليه ، وقالوا : إنه لا يرى أيمان بيعتكم بشيء ، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت عن الأحنف ، في طلاق المكره أنه لا يجوز ، فغضب جعفر بن سليمان ، فدعا بمالك ، فاحتج عليه بما رقي إليه ، ثم جرده ومده وضربه بالسياط ، ومدت يده حتى انخلع كتفاه ، وارتكب منه أمر عظيم ، فوالله ما زال بمالك بعد ذلك من رفعة عند الناس ، وكأنما [كانت ] تلك السياط حليا حلي بها .

وكان يشهد الصلوات والجنائز والجمعة ، ويعود المرضى ، ويجلس في المسجد ، ويجتمع إليه أصحابه ، ثم ترك الجلوس في المسجد ، وكان يصلي ثم ينصرف وترك شهود الجنائز ، وكان يأتي أهلها فيعزيهم ، ثم ترك ذلك كله فلم يكن يشهد الصلوات في مسجد ولا الجمعة ، ولا يأتي أحدا يعزيه ، واحتمل الناس له ذلك ، ومات على ذلك وربما كلم في ذلك فيقول : ليس كل الناس يقدر يتكلم بعذره .

ومنذ خرج محمد بن [ عبد الله بن ] حسن بالمدينة لزم مالك بيته فلم يخرج حتى قتل محمد ، وكان يجلس في منزله على ضجاع له ونمارق مطروحة يمنة ويسرة في سائر البيت لمن يأتيه من قريش والأنصار ، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم ، وكان نبيلا مهيبا لا يستفهم هيبة .

قال محمد بن سعد : وحدثنا ابن أبي أويس قال اشتكى مالك أياما يسيرة ، فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت ، فقال : تشهد ثم قال : لله الأمر من قبل ومن بعد .

وتوفي في صبيحة أربعة عشر من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة ، في خلافة هارون ، وصلى عليه والي المدينة عبد الله بن محمد بن إبراهيم ، ودفن بالبقيع وهو ابن خمس وثمانين سنة ، وقيل : توفي في صفر من هذه السنة رضي الله عنه .

وفيها توفي مسلم بن خالد الزنجي أبو عبد الله الفقيه المكي ، وصحبه الشافعي قبل مالك ، وأخذ عنه الفقه ، وإنما قيل له الزنجي لأنه كان أبيض مشربا بحمرة .

وعباد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي البصري ، وأبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن ، أبو الهيثم خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن ، أبو الهيثم . وقيل : أبو أحمد الطحان ، مولى مزينة .

من أهل واسط ، ولد سنة عشر ومائة ، وسمع يونس بن عبيد ، وابن عون ، وغيرهما . روى عنه : وكيع ، وابن مهدي ، وعفان بن مسدد ، وكان ثقة صالحا .

قال إسحاق الأزرق : ما أدركت أفضل من خالد . قيل : قد رأيت سفيان فقال : كان سفيان رجل نفسه ، وكان خالد رجل عامة .

وعن أبو نعيم الحافظ قال : سمعت الطبراني يقول : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول : قال أبي : كان خالد بن عبد الله الواسطي من أفاضل المسلمين اشترى نفسه من الله أربع مرات فتصدق بوزن نفسه فضة أربع مرات .

توفي في رجب هذه السنة ، وقيل : في سنة اثنتين وثمانين رحمه الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية