وفي سنة ثمان وثمانين ومائة حج بالناس الرشيد ، فقسم أموالا كثيرة ، وهي آخر حجة حجها في قول بعضهم . ولقيه بهلول في الطريق ، فوعظه .

فعن الفضل بن الربيع قال : حججت مع هارون الرشيد ، فمررنا بالكوفة ، فإذا بهلول المجنون يهذي ، فقلت : اسكت فقد أقبل أمير المؤمنين . فسكت ، فلما حاذاه الهودج قال : يا أمير المؤمنين ، حدثنا إسحاق بن بابل قال : حدثنا قدامة بن عبد الله العامري قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بمنى على جمل ، وتحته رحل رث ، ولم يكن ثم طرد ولا ضرب ولا إليك إليك . قلت : يا أمير المؤمنين ، إنه بهلول المجنون ، قال : قد عرفته ، قل يا بهلول . فقال : يا أمير المؤمنين :


فهب أن قد ملكت الأرض طرا ودان لك العباد فكان ماذا     أليس غدا مصيرك جوف قبر
ويحثو الترب هذا ثم هذا



قال : أجدت يا بهلول ، أفغيره ؟

قال : نعم يا أمير المؤمنين ، من رزقه الله جمالا ومالا ، فعف في جماله ، وواسى في ماله ، كتب في ديوان الأبرار .

قال : فظن أنه يريد شيئا ، قال : فإنا قد أمرنا بقضاء دينك .

قال : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، لا تقض دينا بدين ، اردد الحق إلى أهله ، واقض دين نفسك من نفسك .

قال : إنا قد أمرنا أن نجري عليك .

قال : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، لا يعطيك شيئا وينساني ، أجرى علي الذي أجرى عليك ، لا حاجة لي في جرايتك .

وقد روى أبو بكر الصولي بسنده قال : لما دخل الرشيد إلى الفضيل بن عياض ولم يعرفه الفضيل ، ثم عرفه فقال له : أنت هو يا حسن الوجه ، استكثر من زيارة هذا البيت ، فإنه لا يحج خليفة بعدك .

قال الصولي : بسنده عن أبي بكر بن عياش أنه قال وقد مر به الرشيد بالكوفة منصرفا من الحج سنة ثمان وثمانين ومائة : لا يحج الرشيد بعد هذه الحجة ، ولا يحج بعده خليفة أبدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية