وفيها توفي طاهر بن الحسين بن مصعب ؛ نائب العراق بكمالها ، وخراسان بكمالها ، وجد في فراشه ميتا بعد ما صلى العشاء الآخرة والتف في الفراش ، فاستبطأ أهله خروجه لصلاة الفجر ، فدخل عليه أخوه وعمه فوجداه ميتا ، فلما بلغ موته المأمون قال : لليدين وللفم ، الحمد لله الذي قدمه وأخرنا . وذلك أنه بلغه أنه خطب يوما ولم يدع له فوق المنبر ، ومع هذا ولى ولده عبد الله مكانه ، مع إضافة أرض الجزيرة والشام إلى نيابته ، فاستخلف عبد الله على خراسان أخاه طلحة بن طاهر سبع سنين ، ثم توفي طلحة فاستقل عبد الله بجميع تلك البلاد ، وكان نائب عبد الله على بغداد إسحاق بن إبراهيم . وقد كان طاهر بن الحسين هو الذي انتزع بغداد وأرض العراق بكمالها من يد الأمين بن الرشيد وقتله أيضا واستوسق الأمر للمأمون ، كما ذكرنا في سنة خمس وتسعين ، وقد دخل طاهر هذا يوما على المأمون فسأله حاجة فقضاها له ، ثم نظر إليه المأمون واغرورقت عيناه ، فقال له طاهر : ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ فلم يخبره ، فأعطى طاهر حسينا الخادم مائتي ألف درهم حتى استعلم له ما كان خبر بكائه ، فقال له : لا تخبر به أحدا ، أقتلك ، ذكرت مقتل أخي ، وما ناله من الإهانة على يدي طاهر ، ووالله لا تفوته مني . فلما تحقق طاهر ذلك سعى في النقلة من بين يديه ، ولم يزل حتى ولاه خراسان وأطلق له خادما من خدامه ، وعهد إلى الخادم إن رأى منه ما يريبه أن يسمه ، فلما خطب يوم الجمعة طاهر ، ولم يدع للمأمون ، سمه الخادم في كامخ ، فمات من ليلته .
وقد كان طاهر بن الحسين هذا يقال له : ذو اليمينين . وكان بفرد عين ، فقال فيه عمرو بن بانة :
يا ذا اليمينين وعين واحده نقصان عين ويمين زائده
واختلف في معنى كونه ذا اليمينين ، فقيل : لأنه ضرب رجلا بشماله فقده نصفين . ويحتمل أنه لقب بذلك لأنه ولي العراق وخراسان .
وقد كان كريما ممدحا يحب الشعر ويجزي عليه الجزيل . ركب يوما في حراقة فقال فيه شاعر :
عجبت لحراقة ابن الحسي ن لا غرقت كيف لا تغرق
وبحران من فوقها واحد وآخر من تحتها مطبق
وأعجب من ذاك أعوادها وقد مسها كيف لا تورق
فأجازه بثلاثة آلاف دينار ، وقال : إن زدتنا زدناك .
قال ابن خلكان : ما أحسن ما قاله بعض الشعراء في بعض الرؤساء وقد ركب البحر :
ولما امتطى البحر ابتهلت تضرعا إلى الله يا مجري الرياح بلطفه
جعلت الندى من كفه مثل موجه فسلمه واجعل موجه مثل كفه
قال القاضي ابن خلكان : مات طاهر بن الحسين هذا يوم السبت لخمس بقين من جمادى الآخرة سنة سبع ومائتين ، وكان مولده سنة تسع وخمسين ومائة . وكان الذي سار إلى ولده عبد الله بن طاهر وهو بأرض الرقة يعزيه في أبيه ويهنيه بولاية تلك البلاد ، القاضي يحيى بن أكثم عن أمر المأمون