ذكر
من توفي في هذه السنة من الأكابر أبو إسحاق السمرقندي
إبراهيم بن شماس ، أبو إسحاق السمرقندي .
حدث عن إسماعيل بن عياش ، ومسلم بن خالد الزنجي ، وفضيل بن عياض ، وابن المبارك ، وغيرهم ، روى عنه: أحمد بن حنبل ، وأبو خيثمة ، وعباس الدوري .
وكان ثقة ثبتا صاحب سنة ، وكان ضخما عظيم الهامة ، فارسا شجاعا بطلا مبارزا ، عالما فاضلا ، قتلته الترك ، وهو جاء من ضيعته لم يشعر بهم ، ولم يعرفوه ، وذلك خارج سمرقند ، في محرم هذه السنة ، وقيل: سنة عشرين .
أبو إسحاق البصري النظام
إبراهيم بن سيار ، أبو إسحاق البصري النظام .
كان من كبار المتكلمين على مذهب المعتزلة ، وله في ذلك تصانيف ، والجاحظ يحكي عنه كثيرا .
قال: النظام :
العلم شيء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك ، فإذا أعطيته كلك فأنت من إعطائه لك البعض على خطر .
قال المرزباني: وكان لإبراهيم مذهب في ترقيق الشعر وتدقيق المعاني لم يسبق إليه ، ذهب فيه مذهب أهل الكلام المدققين ، ومنه ما أنشدنيه عبد الله بن يحيى العسكري:
وشادن ينطق بالطرف يقصر عنه منتهى الوصف رق فلو بزت سرابيله
علقه الجو من اللطف يجرحه اللحظ بتكراره
ويشتكي الإيماء بالطرف أفديه من مغرى بما ساءني
كأنه يعلم ما أخفي
عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز
عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن مسلم بن ميمون الكناني المكي .
سمع سفيان بن عيينة والشافعي ، وصحبه طويلا وتفقه له ، وخرج معه إلى اليمن ، وقدم بغداد في أيام المأمون ، وجرى بينه وبين بشر المريسي مناظرات في القرآن ، وهو صاحب كتاب "الحيدة" وكان من أهل الفضل والعلم ، وله مصنفات عدة .
عيسى بن أبان بن صدقة بن موسى
عيسى بن أبان بن صدقة بن موسى .
سمع إبراهيم من هشيم وغيره ، وصحب محمد بن الحسن ، وتفقه له ، واستخلفه يحيى بن أكثم على القضاء بعسكر المهدي حين خرج يحيى مع المأمون إلى فم الصلح ، ثم تولى عيسى القضاء بالبصرة ، فلم يزل عليه حتى مات وكان سخيا جدا ، وكان يقول: والله لو أتيت برجل يفعل في ماله كفعلي ، لحجرت عليه ، ويذكر عنه أنه كان يذهب إلى
القول بخلق القرآن .
قال: محمد بن الخليل ، حدثنا أبي - وكان صاحب سفيان الثوري -
قال: كنت بالبصرة فاختصم رجل مسلم ورجل يهودي عند القاضي ، وكان قاضيهم [يومئذ] عيسى بن أبان ، وكان يرى رأي القوم ، فوقعت اليمين على المسلم ، فقال له القاضي: قل والذي لا إله إلا هو ، فقال له اليهودي: حلفه بالخالق لا بالمخلوق ، لأن لا إله إلا هو في القرآن ، وأنتم تزعمون أنه مخلوق ، قال: فتحير عيسى عند ذلك .
وقال: قوما حتى أنظر في أمركما .
توفي عيسى في محرم هذه السنة بالبصرة .
1262 عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب
عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب ، مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصديق ، يكنى أبا الحسين ، الواسطي .
حدث عن ابن أبي ذئب ، وشعبة ، والمسعودي ، روى عنه: أحمد بن حنبل ، والبخاري في صحيحه ، والحسن بن محمد الزعفراني ، وقال يحيى بن معين: هو سيد المسلمين ، وعنه تضعيفه .
وقال عمر بن حفص قال: وجه المعتصم بمن يحرز مجلس عاصم بن علي في رحبة النخل التي في جامع الرصافة ، وكان عاصم يجلس على سطح المسقطات ، وينتشر الناس في الرحبة وما يليها فيعظم الجمع جدا حتى سمعته يوما يقول: حدثنا الليث بن سعد ، ويستعاد ، فأعاد أربع عشرة مرة ، والناس لا يسمعون ، قال: وكان هارون المستملي يركب نخلة معوجة ويستملي عليها ، فبلغ المعتصم كثرة الجمع ، فأمره بحرزهم [فوجه بقطاعي الغنم ، فحرزوا] المجلس مائة ألف وعشرون ألفا .
قال : محمد بن سويد الطحان قال: كنا عند عاصم بن علي ومعنا أبو عبيد القاسم بن سلام ، وإبراهيم بن أبي الليث ، وذكر جماعة ، وأحمد بن حنبل يضرب ذلك اليوم ، فجعل عاصم يقول: ألا رجل يقوم معي ، فنأتي هذا الرجل فنكلمه؟ فما يجيبه أحد ، قال: فقال إبراهيم بن أبي الليث: يا أبا الحسين ، أنا أقوم معك . فصاح: يا غلام ، خفي . فقال له إبراهيم: يا أبا الحسين ، أبلغ بناتي فأوصيهن وأجدد بهن عهدا . قال: فظننا أنه ذهب يتكفن ويتحنط ، ثم جاء فقال عاصم: يا غلام ، خفي ، فقال: يا أبا الحسين ، إني ذهبت إلى بناتي فبكين ، قال: وجاء كتاب ابنتي عاصم من واسط: يا أبانا ، إنه بلغنا أن هذا الرجل أخذ أحمد بن حنبل وضربه بالسوط على أن يقول: القرآن مخلوق ، فاتق الله ولا تجبه إن سألك ، فو الله لأن يأتينا نعيك أحب إلينا من أن يأتينا أنك قلت [القرآن مخلوق] .
توفي عاصم في رجب هذه السنة .
1263 محمود الوراق الشاعر
محمود الوراق الشاعر ، ابن الحسن الوراق .
أكثر القول في الزهد والأدب ، روى عنه ابن أبي الدنيا ، وابن مسروق ، وكان نخاسا يبيع الرقيق .
قال أبو بكر بن أبي الدنيا: أنشدني محمود الوراق قوله:
رجعت إلى السفيه بفضل حلمي فكان الحلم عنه لي لجاما
وظن بي السفاه فلم يجدني أسافهه وقلت له سلاما
فقام يجر رجليه ذليلا وقد كسب المذلة والملاما
وفضل الحلم أبلغ في سفيه وأحرى أن تنال به انتقاما
قال: أبو بكر الطالقاني ، عن أبيه . قال: كنت جالسا عند محمود الوراق والناس يعزونه عن جاريته نشو ، وقد كان أعطى ، [بها ألفا من الدنانير] وإذا بعض المعزين يكرر ذكر فضلها عنده ليحزنه ، ففطن له ، فأنشأ يقول:
ومنتصح يكرر ذكر نشو ليحدث لي بذكراها اكتئابا
أقول وعد ما كانت تساوي سيخلفها الذي خلق الحسابا
عطيته إذا أعطى سرورا وإن أخذ الذي أعطى أثابا
فأي النعمتين أعم فضلا وأكرم في عواقبها إيابا
أنعمته التي أهدت سرورا أم الأخرى التي أهدت ثوابا
بل الأخرى التي نزلت بكره أحق بصبر من صبر احتسابا
قال: محمود الوراق
العمر ينقص والذنوب تزيد ويقال عثرته الفتى ويعود
أنى يطيق جحود ذنب موبق رجل جوارحه عليه شهود؟!
والمرء يسأل عن سنيه فيشتهي تقليلها وعن الممات يحيد
هيهات لا غلط وليس بدافع للموت تقريب ولا تبعيد
قال: عبد الله بن محمد القرشي ، سمعت محمودا الوراق ينشد:
يمثل ذو اللب في نفسه مصيبته قبل أن تنزلا
فإن نزلت بغتة لم ترعه لما كان في نفسه مثلا
رأى الأمر يفضي إلى آخر فصير آخره أولا
وذو الجهل يأمن أيامه وينسى مصارع من قد خلا
فإن بدهته صروف الزمان ببعض مصائبه أعولا
ولو قدم الجرم في نفسه لعلمه الصبر حسن البلا
عن محمود الوراق:
بقيت مالك ميراثا لوارثه فليت شعري ما بقى لك المال؟!
القوم بعدك في حال تسرهم فكيف بعدهم دارت بك الحال؟!
مالت بهم عنك دنيا أقبلت بهم وأدبرت عنك والأيام أحوال
ملوا البكاء فما يبكيك من أحد واستحكم القيل في الميراث والقال
أبو جعفر المخولي
أبو جعفر المخولي .
سكن باب مخول من بغداد فنسب إليه .
قال: أبا جعفر المخولي ، وكان عابدا عالما يقول: حرام على قلب صحب الدنيا أن يسكنه الورع الخفي ، وحرام على نفس عليها زبانية الناس أن تذوق حلاوة الآخرة ، وحرام على كل عالم لم يعمل بعلمه أن يتخذه المتقون إماما . وفيها توفي من الأعيان :
عبد الله بن مسلمة القعنبي .
وعبدان ، وهشام بن عبيد الله الرازي . ( وفيها توفي القاضي أحمد بن محرز ، قاضي القيروان ، وكان من العلماء العاملين الزاهدين في الدنيا ) .
وفيها توفي آدم بن أبي إلياس العسقلاني ، وهو من مشايخ البخاري في صحيحه ، وعبد الكبير بن المعافى بن عمران الموصلي ، ( وكان فاضلا ) ، والعباس بن سليم بن جميل الأزدي الموصلي .